|
الاغنية كنحلة تازُ فوق حدائق الذكرى
ابراهيم البهرزي
الحوار المتمدن-العدد: 2551 - 2009 / 2 / 8 - 10:10
المحور:
الادب والفن
لكل طريقته في ترتيب أحداث التاريخ (التاريخ العام , أو تاريخه الشخصي ) ثمة من يدونها بنظام حياته الغذائي أو تحولاته المكانية المنزلية ..أو (مزاجاته ) الفكرية وتحولاتها ..أو انخفاض أو ارتفاع دخله المعيشي ,أو مراكزه الوظيفية ..أو ... استطيع أن اعدد أسبابا بعدد البشر .. فالإنسان مجبول على حب ما يستطيب له.... خاسرا كان أو منتفعا .....!!! ولكنني اعرف (شخصا )..لا اذكر اسمه كونه لا يطاق حتى من كاتب سيرته ! هذا الشخص لا يؤرخ حياته بغير الأغاني (ليس (الاغاني ) الكتاب العظيم المنسوب لأبي الفرج الاصفهاني ) بل الأغاني الملحنة المغناة المذاعة السائدة ...
قبل يومين أرسلت له صديقة نبيلة تقطن قرب احد أقطاب الأرض القارية أغنية منسية لمطرب منسي كانت الأغنية اسمها (ذاب قلبي ) للمطرب المنسي : ماهر العطار ولكن ..شاءت أن تبعث هذه الأغنية ..بتسجيل نادر للمطرب العراقي ..(سعدي الحلي )..
(وعملت حجاب لهوى الأحباب مهو جاب ولا تاب قلبي داب .... داب .
قالوا الغرام لو محكمة رحت اشتكيت قدمت شكوى ومظلمة وكمان بكيت بكيت على قلبي اللي ذاب وهوه في عز الشباب
وعملت حجاب لهوى الأحباب مهو جاب ولا تاب قلبي ....الخ )
لماذا ظللت ليومين أصغي لهذه الأغنية ...وكلما سمعتها تبلل بالدمع وجهي ؟ هل أنا سائر في دروب الخرف ؟ أم أن ما فقدناه (على بساطته وسذاجته كان أحلى ؟ أم أننا رهائن مراهقاتنا ؟
قبلها كنت في بيروت ,سهرت مع صديقي الدكتور علاء الدين في مقهى على الروشة ...أراد أن يفاجئني فكتب ورقة وأرسلها بيد النادل لمطربة الفقرة –وكانت شفيفة جدا واسمها (جويس )- فاستجابت وغنت أغنية رمت بحالي إلى أقاصي الحزن الجميل ...ذلك الحزن اللذيذ الذي يعبق من الأغاني الصادقة .. كانت أغنية (بتمون ع قلبي ...) للمطربة (اليسا ) صحيح أنني غير متابع للمطربين الجدد بسبب امتلاء روحي بأغاني الماضي غير إنني حين التقط (صدفة ) في سيارة أو مجلس أغنية معاصرة اتاملها بوجد . ألححت على سماع أغنية اليسا (بتمون ) بشكل مسرف .حتى تمرضت ....
لماذا تؤرخ الاغاني الفرح والحزن معا ؟ في ذاكرتي اغان ...تستعيد لي فترات لا يستعيدها كتاب أو فيلم وثائقي : أغنية (موطني ) مثلا !! حين كنا نقف لحظة الاصطفاف الصباحي في سنين تلمذتنا الأولى (والتي اختفت لسنين بلا تبرير افهمه ) لا زال سماعها مرفقا عند عيوني بالدمع ...
تغني بالصدفة (شادية ):
مخاصمني بقالوا مدة وف ليلة شوق ناداني ....
أتذكر أنني كنت نائما ذات ظهيرة مرة واتصل بي احدهم طالبا من الحضور لمكان محدد لوجود طرد بريدي يتطلب استلامه منه بيدي شخصيا .. وذهبت .. وكان الطرد مخطوطة شعر بقيت ابكي كلما سمعت هذه الأغنية ...لأنها مخطوطة أضعتها في فندق ببغداد ..ظللت ابكي رغم فقدان المخطوطة لأهميتها الفنية ....
تكاد حياتي كانسان أتعبته الخسارات ...لا تتواصل ولا تنشط بغير ايعازات الأغاني القديمة ... والحديثة اللصيقة بأحد أحبه...
كنت لم أزل في الخامسة أو السادسة حين تزوجت إحدى قريباتي , ولصغر عمري فقد- سمح لي – بدخول محفل النساء :
(يا أم الفستان الأحمر فستانج حلو مشجر ...الخ )
اسمع الآن هذه الأغنية فابكي لان الأغنية لا زالت فتية ..وغاب سامعها في مهاوي التعب ...
لماذا تكتب الاغنيات العابرة (بل والساذج أحيانا ..منها ) تكويناتنا النفسية ...أفراحنا وغضبنا , والبكاء المتأخر آخر الليل .بعيدا عن مسامع الشبيبة من انسالنا ؟
ظللت طوال أكثر من شهر لا اترك فرصة مناسبة (لكرع )قدح من الخمر الأبيض وأنا استعيد مرارا وتكرارا أغنية الراحل (رياض احمد ) : -مرة ومرّة –
افتتاحية (القدر ) لبتهوفن ) كما ذكرتني اعز الصديقات وهي تروي قصة حزينة عن فراق من قررت الاستكانة اليه بعد طول فراق :
(لقد ضرب صدره مرتين بقوة ... وسقط مغشيا عليه .. وحيث لا عودة !) إنها ميتة جديرة باليافعين الذين ألحت الحياة القذرة بسكب مياه مخلفات الحمقى على رؤوسهم ...
0طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان .. بدي ارجع طفلة زغيري على سطح الجيران ....)
هكذا تتمنين انت ؟!! ولكن إن رجعت أنت وحيدة ..فهل سينساني الزمان ؟
كنت أحب دائما المشهد الأخير في فيلم (سيد درويش ) حين يطل العبقري (كرم مطاوع ) من النافذة مودعا الحياة ...لحظة (ضيق القلب )التي تجيء دونما توقيت
(أنا هويت وانتهيت وليه بقه لوم العذول ؟!!...)
موتنا رهين بأغنية واحدة لن نغنيها ... أما الحياة فهي (سلة من الأغاني التي ربما لا يشتريها احد .لعدم قدرة انفه على شمها ...فنعود خاسرين ..نشمها فرادى حتى الموت ....) أليس ربحا كبيرا أن تبكيك أغنية ؟ وتضحكك أغنية ؟ و تميتك أغنية ؟؟؟
انه الموت المصنَّع باختراقات الوجد في مشاعر الآخرين من شركاء الحياة ..
شكرا لمن أرسلتْ من قطب في الأرض بعيد أغنية قديمة جدا اسمها (ذاب قلبي ) لمطرب منسي جدا : اسمه (ماهر العطار ) بصوت عراقي شديد البحة جدا .. اسمه (سعدي الحالي ) شكرا لمن يبكي بأغنية ... حزينا يكاد الدم يتخثر في أعطافه..ويوقفه عن المدد!! فيحيل الدم دمعا ويمنحه فرصة للسيولة في وديان الحياة شكرا لمن يتذكر يائسا بأغنية !! حتى وان استثارت الحنين والوجع موتاه الباقين على قيد الذكرى ... من يغني لاجلي هذه الليلة اغنية اتذكرها باشتياق ولا اسمعها :
(قولوا لعين الشمس ما تحماشي لاحسن حبيب القلب صابح ماشي .)
رغم الشتاء فالشمس -حامية -جدا !!
*(هذه الشظايا من الحنين هي اليها ..بمناسبة الاغنية المستعادة قسرا !!)
#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديوان الحساب ...................(4)
-
ومثلما غنوا ..انا غنيت
-
ديوان الحساب .............(3)
-
الاعتذار بعد المراجعة سمة النبلاء من الشيوعيين ......والتهجم
...
-
رسالة اتهام من قاريء ....وحق الرد عليها
-
مراثي الذين ما التقيتهم اسفا ..وهي تسبق مراثي من التقيهم وجل
...
-
المبدئي والعقائدي .....هو الغبي بامتياز ,حتى وان كان عبقريا
-
دور تشارلي شابلن في انتخابات مجالس المحافظات في العراق
-
تامل في تعليقات قراء وكتاب الحوار المتمدن ...........كلنا (م
...
-
لن انتخب قائمة الحزب الشيوعي ..سانتخب اسماءا وردت في قوائمه
...
-
ديوان الحساب .......(2)
-
والطائفية ايضا ...تستحق ضربة الف زوج من حذاء منتظر
-
كل نبيل في الارض...ينبغي ان يطالب باطلاق سراح المناضل احمد س
...
-
ديوان الحساب ..........(1)
-
في اعياد الميلاد المجيد ....رسائل اعتذار واستذكارات ...الى (
...
-
لماذا تركت اوجاعي يتيمة ؟
-
وتمدن الحوار ...لايغض الطرف عن حقائق وقحة ...
-
لاحرج ان يكون لليسار العراقي الجديد ..حذاءا.....بعدما جف الق
...
-
سحر الارقام في عراق الاوهام
-
ختامها
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|