|
سلمت يمينك يا فتى!
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2502 - 2008 / 12 / 21 - 08:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ونعمت بالفرحة طوال حياتك مثلما أثلجت قلوب الملايين في حلكة ظلمات الإحباط.. فردتا حذائك يا بطل دخلتا التاريخ بعدما صوبتهما ـ الواحدة تلو الأخرى ـ إلى رمز الغطرسة والطغيان، فبردت قلوب، اشتعلت فيها نيران الغضب ومزقتها طويلا صور المهانة في أبو غريب وجوانتانامو وعلى أرض العراق الذبيح، بل وعلى كل أرض طال أبنائها طغيان أمريكي، مباشر كان أو عبر عملاء يحكمون بلدانهم اعتمادا على دعم أمريكي.
شاهدت والدتك تبكي، وتزغرد على شاشة التليفزيون.. تنضح كلماتها فخرا بك وتفضح دموعها هلع الأم على ضناها.. شعرت بإحساسها ـ هي في مثل عمري تقريبا وأنت في نفس سن ابني الكبير ـ تقول: "ابني بطل غصب عنهم".. وتزغرد، ثم تغلبها دموعها.. تمنيت أن أطمئنها أن ملايين الأمهات في أنحاء العالم تلهج ألسنتهن بالدعاء أن يحفظ الله ابنها البطل.. ابننا جميعا، الذي رفع رؤوسنا.
في صباح اليوم التالي على "رميتك السديدة" تبدلت ملامح البسطاء، الذين ألتقيهم عادة في طريقي إلى عملي، واكتست بالحبور!..تناهت إلى أذني تعليقات خفيفة الظل من هنا وهناك؛ أحدهم يقول أنهم سيصدرون أمرا بمنع المؤتمرات الصحفية، فيرد عليه الآخر؛ بل سيمنعون دخول قاعة المؤتمر الصحفي بالأحذية ويكتفون بتوزيع أكياس بلاستيك يرتديها الصحفيون.. وثالث يتفنن في تخيل الإعلانات التي ستنتجها شركة الأحذية التي نال حذاء من صنعها شرف مصافحة وجه رئيس العالم!.. أستطيع أن أزعم أن بعض الكبار في عالمنا العربي التعيس ربما أسعدهم أيضا إهانة الطاغية الذي يدوس بحذائه على كرامتهم ليل نهار.
ومع ذلك، لم أندهش عندما وجدت بضع “عقلاء” يصفون ما فعله فتى العراق الجميل "منتظر الزيدي" بالتصرف غير الحضاري! فهذا ما اعتدناه مؤخرا ممن يبحثون لأنفسهم عن وجاهة ثقافية ـ يعتقدون أن ترديد دعايات المستعمرين الجدد تحققها لهم ـ رغم أن أيا من هؤلاء لم يأل جهدا في تبرير تصرفات وحشية اقترفها ،ومازال يقترفها، أصدقاؤهم المارينز. كما أن أيا منهم لم يخف جذله عندما نقلت شاشات التليفزيون لقطة الرجل الذي بضرب بحذائه صورة الرئيس السابق صدام حسين، بصرف النظر عن رأينا في طبيعة حكمه.
حاولت أن أتخذ سمت العقلاء، وأقول لنفسي أن حذاء صوبه صحفي نحو الرئيس ـ الذي استطاع أن يحمي رأسه ووجهه لكنه لم يستطع أن يحمي علم بلاده المرفوع خلفه، فأصابه الحذاء! ـ لم يحرر العراق، ولم يرفع الظلم عن أبنائه.. ولكنني عندما حاولت أن أطبق ما بعلمنا إياه هؤلاء العقلاء من ضرورة حساب المكسب والخسارة، ضبطت نفسي مبتهجة! فالحدث لم يسبب خسارة من أي نوع، لكنه على الأقل جلب الكثير من الفرحة إلى قلوب غالبية شعوب العالم، ولا أراني مبالغة!. ألا يستحق إدخال الفرحة إلى قلوب البسطاء والمقهورين قدرا من التهور وعدم التعقل؟
تذكرت موقفا مشابها برد قلوب الكثيرين في مصر، عندما فتحت أبواب معرض القاهرة للكتاب أمام سفير الكيان الصهيوني للمرة الأولى، وكيف تمكنت ماجدة مصرية تعمل في المعرض من أن تقذف "بصقة" قوية إلى وجه الضيف غير المرغوب فيه، ثم فرت كغزال نافر. وأتذكر كيف أحسسنا أن هذه المصرية الرائعة حشدت في بصقتها كل مرارات قلوبنا ووجهتها بالنيابة عنا إلى من يستحقها ـ مثلما شحنت في حذائك يا منتظر غضب المقهورين. كتب إلي قارئ عراقي يقول أن غالبية الشعب العراقي يكره الأمريكان، لكنه اعتبر تصرف الصحفي غير لائق. وكرر ما يزعمه "البعض" من أن الاحتلال الأمريكي كان الحل الوحيد للتخلص من حاكم مستبد. فذكرته بما سجلته كتب التاريخ عن تمني "بعض" المصريين انتصار الألمان في الحرب العالمية الثانية ودخولهم مصر لتخليصها من الاحتلال الإنجليزي، لكن النصر لم يكن حليف الألمان ومع ذلك خرج الإنجليز من مصر بعد عشر سنوات. وقلت له: " لو أن الألمان احتلوا مصر وقتها، هل كانوا سيرحلون عنها طوعا بعد عشر سنوات؟".. إن شعبا عريقا مثل الشعب العراقي كان كفيلا بتحقيق الديمقراطية التي يستحقها عبر تضحيات أبنائه، ولا شك أن الأمر كان سيتطلب بعض الوقت، وبعض الصبر وكثيرا من التضحيات. لكن ذلك الوقت وتلك التضحيات لا يمكن مقارنتهما بما سيتطلبه التخلص من الاستعمار واسترداد العراق مكانته وإمكاناته. قبيل "موقعة الحذاء"ـ استطلعت قناه الجزيرة رأي بعض المواطنين العراقيين، بشأن زبارة بوش المفاجئة لبغداد. شعرت بغصة في حلقي لقول رجل كبير السن "بوش محتل بلدنا ييجي ويروح كيف ما يريد من دون إذن، هو المحتل وهو صاحب الأمر".. لكن رد "منتظر الزبيدي" جاء مفحما: المحتل ليس مرحبا به، ولن يكون أبدا صاحب الأمر، وإنما الشعب، طال الزمان أم قصر.. وبعد "الموقعة" نقلت الفضائيات مظاهرات العراقيين، الحقيقيين الذين يحملون في صدورهم كرامة شعب عريق يأبى الاحتلال ولا يقبل أي تبرير له، يهتفون فرحا بشجاعة ابنهم، ويرفعون لافتات تطالب بطرد المحتل، يل أن بعضهم رفع أعمدة خشبية ثبت عليها فردة حذاء اقتداء بموقفك يا "منتظر"! فلتهنأ يا ولدي بعدم تعقلك في نظر المارينز، ولتهنأ بتصرفك الذي يرونه غير حضاري، فهؤلاء ليس بمقدور أي منهم أن يدخل الفرحة إلى قلب محزون، ولا يفقهون قيمة أن تمنح بصيص أمل لمكروب.. أما نحن، الصحفيين العرب بالذات، فعلينا أن نبحث سبل التضامن مع الزميل البطل "منتظر الزيدي".. فهو الآن ،كما يقول أحد القانونيين ـ أسير حرب قام بفعل مقاوم في مواجهة المحتل. وينبغي ألا نتركه وحده يواجه انتقام الطغاة، بعدما قدم المثل على جسارة الصحفي في التعبير عن كلمة الحق في وجه "سلطان جائر".
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلمت يمينك يافتى!
-
الفتى -الحي-.. وتجفيف المنابع!
-
ألف رحمة ونور!
-
بص.. شوف العصفورة!
-
أعذر من أنذر!
-
ارفع رأسك .. أنت سعودي!
-
-كرسي في الكلوب-.. أو،عندما ينقلب السحر على الساحر
-
الطفلة التي فضحتهم!
-
-بهية- هذا الزمان!
-
الدكتور محمد.. وأصحاب المولد!
-
أزهي عصور الفساد
-
متلازمة -الغباء المصاحب للكرسي-
-
مولد.. وصاحبه غايب
-
متى يعلنون الحداد العام؟
-
كرامتنا.. يا أصحاب الكرامات
-
دعوها تشربه!
-
فقع المرارة.. في ثقافة ركوب العبارة
-
إنهم يسرقون التاريخ
-
الحركة الطلابية المصرية.. أمس واليوم
-
-الضنا- الغالي
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|