أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - منطق الأمراض














المزيد.....

منطق الأمراض


عدنان الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 2498 - 2008 / 12 / 17 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


وضع يده الغضة على صدره وقال:(بابا) قلبي يؤلمني, اشعر بارتفاع ضغط دمي, كانت شفتاه ترتجفان وبدا الاصفرار ظاهرا على قسمات وجهه الطفولي.
جلدني بخوفه وآلمه فاكتظت جنباتي بمشاعر الحب الأبوي وغريزة الدفاع عن فلذة الكبد, بعد برهة أفقت من هول الصدمة على تساؤل مرعب ارتج له لساني: من لي غيرك يا خلاصة آمالي وأنا العالق بوحل خريف العمر؟ يقينا إنه يعاني فأنا اعرفه جلدا كتوما طالما أعاب على إخوته لجاجتهم وهو ذا يلجأ إلى حضن أبوتي ملتمسا الخلاص من أسقامه.
لازال واقفا منتصبا بجسده الرشيق مسترسلا بتفصيل دقيق عن أعراض مرضه إلا أن صخب قلبي أصمني.
أخرجت جهاز قياس ضغط الدم من احد الأدراج, كان قديما إذ اقتنيته قبل ثلاثة عقود لمراقبة ضغط دم والدي, وحين ورثت داء المرحوم أبان الحرب العراقية الإيرانية أمسيت أكثر حرصا على هذا الجهاز.
كنت عازما على فحص ولدي للتحقق من ادعائه فليس شائعا أن يصاب ولد يافع لمّا يودع مراهقته بهذا المرض, أعدت الفحص وكانت النتيجة ارتفاع ملحوظ في ضغط الدم مع عدم انتظام نبض القلب.
هدأة الليل أفرغت طرقات المدينة فهب جارنا لنجدتي إذ اقلنا مسرعا إلى المستشفى الصغير, التحقنا بطابور متعرج ينتهي في باب غرفة الطبيب الخافر, أثارت انتباهي ملابس المرضى المتواضعة فتبادر إلى ذهني أن جلهم من الفقراء لكن سرعان ما تذكرت أنني لم أكلف نفسي عناء النظر إلى ملابسي أو تسوية شعري حين غادرت إلى المستشفى, كنت اغبط الخارجين من غرفة الطبيب وكأنهم اكتسبوا الشفاء التام, كم عذبني تباطؤ حركة عقارب ساعتي.
احتكر ولدي فيض مشاعري فلم أتعاطف مع تأوهات الشيخ الشاحب الذي اقتعد أرضية الردهة كما لم ترقّ نفسي لنحيب الطفلة الشقراء ذات الذوائب الذهبية على خلاف عادتي.
تغافل الطبيب عن رد سلامي إذ كان منكبا على كتابة وصفة للرجل الذي سبقنا, قدرت انه لم يتجاوز منتصف عقده الثالث, لمحت بوضوح تشبث الطبيب بوسامة مزعومة رغم سمرته الفاحمة وشعر رأسه الخشن الكثيف الذي ضيق جبهته إلى حد كبير إلا أن رداءه الطبي الأبيض المفتوح الأزرار أضفى عليه شيئا من الجاذبية كما فعل بنطاله (الجينز) الملتصق به التصاقا عجيبا.
رمقني كأنه يستعجلني, قلت: ولدي هذا يعاني من ارتفاع ضغط الدم وعدم انتظام....
قاطعني باستنكار وكأني نطقت كفرا: كيف عرفت أن ضغطه مرتفع؟ من الذي فحصه؟ من غير المعقول إصابة شاب صغير بهذا المرض!!
دكتور: أنا فحصته, امتلك جهاز فحص الضغط منذ أكثر من ربع قرن.
أشار الطبيب إلى ولدي قائلا: اجلس بقربي ثم لف قطعة القماش المتدلية من الأنبوب المطاطي المنساب من الجزء المعدني من جهاز القياس على ذراع الولد ثم دس نهاية سماعته تحت طية القماش الملتف, وبعد أن وضع طرفي السماعة على أذنيه أجرى الفحص ثم كرره, نظر إلي وقد تبخرت نبرة الاستعلاء التي استقبلنا بها ووضع يده على معصم الولد ومضى يعد نبضات القلب كما يبدو.
خربش على قصاصة ثم ناولها لولدي قائلا: اذهب لإجراء تخطيط القلب, كان ولدي مستسلما لتوتره صامتا متجهما.
عدنا إلى الطبيب سراعا, دقق النظر في المخطط وقال: انتظرا في الاستراحة, سأستدعي الطبيب الأخصائي.
بعد دقائق وصل الطبيب الأخصائي فتبعناه إلى غرفة الطبيب الخافر, كان رجلا أربعينيا رقيق الملامح دمث الأخلاق بسيطا في حديثه وملبسه مما جعلني اشك بما اخبرني به قريبي قبل قليل فليس هناك ما ينبئ أن هذا الطبيب قد عاد للتو من غربة طويلة.
استقبلنا الرجل بابتسامة دافئة, حييته بهدوء ووضعت مخطط فحص القلب على المنضدة, تأمل الورقة بتأني وقد ظهرت علامات الحيرة على وجهه, طلب من ولدي بتهذيب محبب ارتقاء سرير الفحص واستغرق في فحصه بحذاقة لا تتلاءم مع أساليب أطباء المستشفيات الحكومية, ورغم تمكنه كنت ألاحظ محاولاته اليائسة لإخفاء توتره.
عاد إلى مقعده بعد فراغه من الفحص ورطن مع الطبيب الخافر قليلا ثم قال وهو يتحسر: ما أعجبه وطنا أطاح بمنطق الأمراض!!!
د.عدنان الدراجي
[email protected]



#عدنان_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواسم الأقنعة
- أسورتك لا بأس بها
- الأستاذ
- عيون
- بشارة سبتمبر
- انزوى صامتا
- احذروا التجهم
- الملجأ
- قيلولة النصر
- هوية
- جسد مجنون
- قصة صولة العواء
- قصة اغتصاب ظل
- صعلكة
- سياحة
- الوطن البكر
- نزوة شجرة
- قصة أنفاس الفجر
- قصة رائحة بلدي
- نبتة الخلود


المزيد.....




- عائشة القذافي تخص روسيا بفعالية فنية -تجعل القلوب تنبض بشكل ...
- بوتين يتحدث عن أهمية السينما الهندية
- افتتاح مهرجان الموسيقى الروسية السادس في هنغاريا
- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - منطق الأمراض