|
نحن والحداثة
ضمد كاظم وسمي
الحوار المتمدن-العدد: 2469 - 2008 / 11 / 18 - 03:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نحن العرب و المسلمون .. أو بدقة أكبر نحن سكان البلاد العربية و الإسلامية .. نحن شعوب مبشومة حد التخمة بفخار (( خير أمة أخرجت للناس )) .. في الوقت الذي يقعد هذا الهوس الطاووسي على واقع مترد وبائس والأكثر تخلفاً وهواناً في العالم .. نزهو وتنتفخ أوداجنا عجباً بما نتوفر عليه من أعراف وعادات وتقاليد سحيقة البدائية .. والإنسانية الحقه تمجها .. ولا تنظر إليها إلا بمنظار الفلكلور والتاريخ والآركيولوجيا . نحن نتباهى و نمتلئ كالمناطيد التي تظن أنها على شيء .. بل ونبتهـج بأنظمتنا العشائرية والقبلية والطائفية والعرقية والأحادية الفكرية .. وكلها تنتمي إلى التراث .. ونحن وحدنا من ينام معه في قبوره ونعبد أمواته .. نغذ السير نحو تفخيذ شعوبنا وتجزئة أوطاننا إلى أعراق وطوائف متنابذة متنافرة .. وفي ذلك كله نسير خلف قيادات تتغذى من سلة مهملات التاريخ .. تبلد عقولنا بفكر بائس .. وتلاعب قلوبنا من خلال إعادة إنتاج الماضي بوصفه تاريخ التزمت والانغلاق .. وتاريخ التكــرار والاجترار ، وترمي بنا في هوة بلا قرار تشكل منظومة التخلف الكبرى لبلادنا . يستعصي علينا التعامل مع العلم .. ولا نكترث بالتجربة ولا نعي الاستقراء أو الاستنتاج .. بل لا نؤمن بإرجاع الأحداث إلى مسبباتها الواقعية .. ولا نقر بالفكر النسبي .. لسبب بسيط هو إننا قد استعمرنا ولما نزل من قبل قوة الماضي .. وفكره القار .. حتى استعبدتنا تقاليده .. وصارت مسلماته بديهيات لا تناقش وهكذا فإننا نملك كل الحلول مرة واحدة وبأعجوبة قل نظيرها في التاريخ .. نحن لا نفكر .. نعم نحب ونكره .. نعظم ونلعن .. ونعمل وبإصرار وثقة مطلقة لتجميل تاريخ يستحيل تجميله .. أما إذا فكـرنا – وهـذا استثناء – فإنما نصوغ تفكيرنا في (( لغة محنطة )) لا ترتدي سوى أكفان الماضـي .. ولا نصرخ إلا بصوت (( المنتصر التاريخي ، بطل كل الأزمان )) .. مع إن واقع حالنا يقول إننا أمة مهزومة تحارب طواحين الهواء وهي تنغمس حتى ناصيتها في ذهول حضاري رهيب .. لأننا لا نعترف بأخطائنا البتة حيث نقرأ تاريخنا قراءة تبجيلية تقديسية .. وارت عنا حقائقه .. وأعطتنا تاريخا كاذبا خاليا من أي عيب وزورته لصالح الأيديولوجيا ، أما إذا ظهر نتوء سيئ في هذه المسيرة العظيمة فمرجعه إلى مؤامرات الآخر والتخوين الرخيص والبدع والكفر والشعوبية .. وهكذا تمادينا في الغباء إلى درجة أن جعلنا من ماضينا وحاضرنا سلسلة من المؤامرات والدسائس .. لكننا لم نستفد ولو لمرة واحدة لتجنب المؤامرات اللاحقة ، بل استمرأنا رفس الآخرين على ظهورنا دون أن نضرب أحدا على قفاه ولو بمؤامرة نحن صنعناها .. فإلى أين يريـد أن ينتهي بنا المتلاعبون بعقولنا .. ونحن نحيى في قاع تراتب الأمم قاطبة ؟ .. في الوقت الذي يعيش فيه العالم مرحلة النهايات .. نعيش نحن بداية البدايات .. في هذه اللحظة الفارقة .. نحن وبخلاف العالم نتمسك بالأيديولوجيات حد الانتحار .. ونذوب في الغيب .. وننتمي إلى التاريخ وننكر المستقبل .. من دون أن نؤسس ولو للحظة واحدة لآليات حقوق الإنسان أو الدخول في المشروع الديمقراطي .. ولا ننضج أفكارنا إلا بلغة الحداد .. لأنه مرتبط بالانكسارات وحياتنا كلها انكساريات .. ننظر إلى قيم التسامح والمساواة بين البشر بغض النظر عن اللون والمعتقد والعرق على إنها قيم ضعف وبلاهة .. ونستبدلها بقيم أخرى تبنى على أساس الثار والتطهير العرقي والطائفي والسياسي .. ونتعامل مع الآخر على أساس مبدأ الولاء والبراء الذي يواجه تيار العولمة الجارف .. بتيار مضاد نحو القبيلة – الطائفة – العرق – الحزب – الوطن الوهم ، في الوقت الذي يضيع من بين أيدينا الوطن الحقيقي .. وتغيب فيه المواطنة الحقة حتى صرنا أضحوكة للآخرين – يا أمة ضحكت من جهلها الأمم – لأننا تخلينا ومنذ قرون مضت عن منجز الإنسان وعقله .. ولا نلامس الروح النقدية الوثابة إلا لماماً ، حيث نمتلك مرجعية ومنظومة فكرية متكاملة نقدسها ويستحيـل علينـا نقدها لأنها مبنية على نظريات مطلقة نؤمن بها حد الفناء ، الأمر الذي يشكل تقاطعا صارما بيننا وبين الحداثة القائمة على أساس الفكر النسبي وجهد الإنسان وعقله لا علــى أساس البعد الماورائي .. كما إنها تؤمن بنقد الأفكار المطلقة ولا تستلم لها .. كل ذلك زرع الكراهية والبغضاء في نفوسنا تجاه الحداثة الآتية من الغرب فضلا عن الكراهية التاريخية المستمدة مما عرف بالحروب الصليبية .. رغم إننا لانجد بأسا من استخدام تكنولوجيا الحداثة في حياتنا اليومية لكننا نمقتها كفكر وأساليب ومناهج أوصلت الغرب إلى ما وصل أليه اليوم من تقدم ورقي في مضامير الحضارة والثقافة . أن الحداثة في العالم المتقدم حققت طفرة افتراقية هائلة عن فترة العصور الوسطى .. وانجلت عن تطور نوعي كبير تمخضت عنه (( حياة اجتماعية مترفة تصوغها أنظمة قانونية ونظريات معرفية تتقاطع بالكامل عمه نعيشه نحن العرب والمسلمون )) .. لأننا لانتساوق مع أبعاد الحداثة التاريخية والفلسفية والفكرية ولا نتعاطى معها .. فدلالتها التاريخية تشير إلى عصر النهضة وما صاحبها ونتج عنها من أحداث مفصلية انعطافية كبرى كاكتشاف العالم الجديد ، والإصلاح الديني ، والثورة الفرنسية ، وعصر وفكر الأنوار ، وانهيار النظام الإقطاعي وبروز الرأسمالية التجارية والصناعية والمالية والمعلوماتية .. أما مدلولها الآخر فيشير إلى بنية فلسفية وفكرية تمثلت في ظهر الحركة الإنسانية التي نادت بإمامة العقل وتمجيد الفرد .. وتعطي للإنسان قيمة عليا وأساسية في الكون .. وتسير الحياة وفق نزعة عقلانية اداتية صارمة في مجال المعرفة والعمل معاً . وهكذا خلصت الحداثة نحو (( عالم تحكمه العولمة . أي السيطرة المطلقة للرأسمال العالمي المهاجر كونيا والمحطم للحدود والحواجز بين الدول والذي يشيع الدولة / الأمة إلى مثواها الأخير .. كما انه يتسم بالسيطرة المطلقة للصورة كلغة وكأداة تواصل وتكييف وبالثقافة الإلكترونية المصاحبة لها )) .. فأين نحن من الحداثة التي تضع ثقافتنا وكل الثقافات الأخرى بين فكي التكيف والموت التاريخي ، والموت التاريخي جدير بمن يحيون في الماضي وينامون في قبوره .. أما التكيف الإيجابي فيليق بمن يؤمنون ويعملون ضمن دينامية تاريخية .. واستجابة إيجابية للتحدي التاريخي الكبير الذي تطرحه الحداثة في هذا العصر .
#ضمد_كاظم_وسمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عين السمكة
-
النقد الادبي واشكالية المعنى
-
تصفية العلماء والكفاءات
-
الابستمولوجيا بين الفلسفة والعلم
-
الحداثة .. ومأتمية النهايات
-
جدلية الادب والحياة
-
قرن الهزائم العربية
-
نقد الحداثة / آيديولوجيا النسق المغلق ودينامية التحكم المحاي
...
-
اشكالية العقل المتمحور حول المقدس
-
احتفالات الاعياد في ديالى
-
الاستخراب الامريكي
-
تقنية كتابة الرواية
-
رقص الكهرباء
-
صناعة الجوع
-
الاستقواء الطائفي
-
هواجس
-
سقوط امة من صفحات التاريخ
-
وادي الشعب .. ووادي السياسة
-
التكامل بين الفلسفة والادب 2
-
التكامل بين الفلسفة والادب 1
المزيد.....
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لفرض عقوبات على الجنا
...
-
انفجار في سفينة حاويات في البحر الأحمر
-
إعلام إسرائيلي يكشف عن وعد -حماس- لأسرتي البرغوثي وسعدات
-
رئيسة الحكومة الإيطالية تخضع للتحقيق القضائي بعد قرار الإفرا
...
-
مصر.. الجامعات تحسم مصير طلاب المنح الأمريكية بعد تعليق إدار
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|