كشفت دراسة حديثة أجرتها الأستاذة "هدى سليمان" بعنوان "الصورة النمطية للمرأة السعودية وعلاقتها بمتغيري الجنس والعمر لدى عينة من طلاب وطالبات وأعضاء هيئة تدريس بجامعة الملك سعود" (1423-1424ه) عن وجود صورة نمطية للمرأة السعودية لدى العينة التي تكونت من (1146) طالب وطالبة وعضو وعضوة هيئة تدريس بالجامعة .
وبقدر ما شدني عنوان الدراسة إلا إنني أراها مقدمة فقط لموضوع اكبر وقد تنبهت الدراسة لذلك فجاءت توصياتها في معظمها داعية لدراسات أخرى تكشف عن العلاقة بين الصورة النمطية ومستوى الالتزام الديني للتحقق من تأثير الثقافة السعودية على الموقف من المرأة كما أوصت بدراسة دور المدرسة والإعلام في تشكيل تلك الصورة.
والسؤال المطروح هو: من المسؤول عن تشكيل صورة المرأة في المجتمع ؟أهي مسؤولية واحدة أو مشتركة ؟
من الذي يحدد للمرأة الأدوار التي تقوم بها في المجتمع ؟
وما هي سلبيات النظرة النمطية للمرأة في المجتمعات الإنسانية ؟
** مدخل
عندما نتحدث عن صورة المرأة النمطية فنحن نقصد الصورة الواحدة المستنسخة من الركود وفي "الصحاح" تعرف كلمة النَّمَطُ: بالجماعة من الناس أمرهم واحد،،
وصورة المرأة لا يمكن أن تكون واحدة نمطية وإلا تحول المجتمع في تركيبته إلى ما يشبه النسخة الموحدة في الدور الاجتماعي ليس الأمر كونها مجرد صور فكل أفكارنا تترجم إلى صور ذهنية تترجمها عقولنا إلى سلوك .
وحين نتحدث عن صورة المرأة في أي مجتمع إسلامي فاننا بشكل او بآخر لا بد ان نتحدث عن المؤثرات التي صنعت واقعا غير مرتبط بالتراث الديني بقدر ما هو نتاج مجموعة من القيم والأفكار المتوارثة ولان مفهوم الثقافة متسع وعميق وله علاقة بالبنية العقلية للفرد وارتباط الوضع الثقافي بكافة مناحي الحياة فان له تأثيرا في تشكيل صورة المرأة في المجتمع .
تعرِّف الأستاذة "نعيمة عيتاني" الثقافة على أنها ما أنتجه الفكر في مختلف مجالات الماضي والحاضر. وهي المركب المتجانس من الذكريات، والتصورات والقيم والرموز، والتعبيرات والإبداعات التي تحفظ لجماعة بشرية ما يشكل أمة وما يحفظ لها هويتها الحضارية في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء".
إذن فثقافة المجتمع هي قالبه الذي صنعه ولكنه ليس قالبا مغلقا بل هو إناء قابل للتشكيل وفق مرونته لذلك حين نتحدث عن ثقافة أي مجتمع فنحن نعني الحديث عن تاريخه وفكره ورموزه التعبيرية وكلها قابلة للتحديث وفق معايير يحددها المجتمع ذاته .
نحن من نصنع ثقافة المجتمع وليس سوانا وما قبلنا أن نستورده لم نكن مرغمين بقبوله ففي العقل الجمعي كان هناك موافقة ضمنية بقبول تلك الجزئية الثقافية.
** في الثقافة
هناك فرق بين "الثقافة الجماهيرية" التي تضم طريقة الحياة المادية والروحية التي تمنح لامة خصوصيتها فهي إذن معدن الهوية، وهي تمتد من طريقة المأكل والملبس إلى مكونات الذاكرة الجماعية والخيال الاجتماعي، وبين مستوى الثقافة العالمة الذي تضم مدونة المعارف والإبداعات التي يستهلكها ويعيد إنتاجها العاملون الفكريون في الأمة من علماء وأدباء وفنانين تقنيين .
هذا ما ميّز به الخبراء نوعي الثقافة
والسؤال أيهما يمكن أن يكون مؤثرا في تاريخ المجتمع ؟
وهل يمكن الاستغناء عن أحدهما ؟
الحقيقة إن الثقافتين هما جزء من تاريخ المجتمع ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عن أحدهما لأهميته في تشكيل هوية المجتمع.
وحينما نتحدث عن خصوصية المجتمع السعودي فإننا نقصد أن لكل مجتمع خصوصية وليس للسعوديين وحدهم هذه الخصوصية حيث إن كل مجتمع لديه كم من المفاهيم والقيم والأفكار الخاصة به بل إننا نجد مثلا في المجتمع الواحد اختلافات ثقافية حسب المناطق الجغرافية ببساطة الخصوصية موجودة في اللغة واللباس والمأكل ويشمل ذلك طرائق التفكير والاتجاهات الفكرية وكل مناحي الحياة .
** الثقافة والمرأة:
في الدراسة السابقة للأستاذة "هدى السليمان" قدمت بعض التوصيات المدللة على أهمية ثقافة المجتمع في تشكيل صورة المرأة بنمطية إذ أوضحت دراستها التالي:
1-كشفت الدراسة عن وجود صورة نمطية للمرأة السعودية بين أفراد العينة تضمنت عددا من الصفات الإيجابية والسلبية.
2- هناك فروق بين الذكور والإناث في الصفات الإيجابية والسلبية للمرأة السعودية مما يشير إلى أن الصورة النمطية للمرأة محايدة.
3- اختلفت الصورة النمطية باختلاف المرحلة العمرية بين الشباب والراشدين.
4- حظي دور الأم كبعد من أبعاد الصورة النمطية للمرأة السعودية بأهمية اكبر من بقية الأبعاد.
5- توصي الدراسة بأهمية دراسة العلاقة بين متغيرات كالمنطقة الجغرافية والمستوى الاقتصادي والاجتماعي وطبيعة المهنة وبين الصورة النمطية للمرأة السعودية .
وبالتعليق على النقاط السابقة نجد أن العينة قدرت صورة الأم فقط حيث أعطيت اهتماما من قبل العينة وهو دور اجتماعي هام غير أن هذا البعد ليس هو الصورة كاملة فهناك أدوار أخرى للمرأة مثل دورها كعاملة وهو ما يغيب إبرازه عن المدرسة والإعلام اللذين يشكلان عنصرا هاما في تشكيل صورة المرأة في ذهنية المجتمع .
إن هذه الدراسة قدمت مؤشرات على أهمية دراسة المؤثرات المتشابكة في تكوين صورة المرأة في أذهان المجتمع وبالرغم من أنها حصرت المتغيرات في العمر والجنس إلا أنها أعطت دلالة هامة على أن الصورة النمطية لم يكن منشأها الرجل وحده بل ساهمت المرأة في ذلك.
** المناهج الدراسية:
ما الذي تشكل في أذهاننا ونحن صغار عن المرأة في منهاج القراءة سوى صورة ضبابية عن امرأة تدخل المطبخ أو أم تربي أطفالها ؟
وفي التاريخ كان هناك بعض الإشارة إلى نساء النبي زوجات وصحابيات رضي الله عنهن وبرأيي أن هذا لا يكفي لتتشكل في أذهان الصغار صورة للمرأة بكل أبعادها ودورها في المجتمع .
فالمرأة ليست فقط أماً وزوجة كما أن الدور الجهادي العظيم الذي مارسته الصحابيات رضي الله عنهن لم يقدم في صورة إبراز لدور المرأة بقدر ما هو تكريس لصورة الرمز البطولي الذي لا يتكرر لم يعتني الواضعون لمناهج التدريس أهمية أن تقدم المرأة بصورة واقعية ولئن كانت في الماضي تكتفي بدخول المطبخ بينما الرجل في الحقل فهي اليوم تشكل عنصرا هاما في التنمية وما عاد الرجل يذهب إلى الحقل في المدينة ؟؟
من المهم جدا أن يدرس الأطفال الواقع كما هو فهناك فارق بين دراسة التاريخ والاستفادة من عبر ه وبين تغييب الواقع عن الأذهان الصغيرة حتى إذا ما كبروا لم يستطيعوا تلمس أبعاد واقع لم يعيشوه .
في التاريخ مثلا لا يوجد ذكر لدور المرأة في تاريخ تأسيس المملكة السعودية بالرغم من أن المؤسس الملك عبد العزيز يرحمه الله كان يعتز بالمرأة وخاصة انه في مواقف عدة يذكر انه "أخو نورة" كما أن للأميرة نورة يرحمها الله دوراً كبيراً في دعمه ومؤازرتها في المضي قدما إلى الرياض في تاريخه يرحمه الله مواقف مشرفة في الاهتمام بالمرأة في تفاصيل حياته كزوج وأب فهو يهتم بتعليم زوجاته وبناته القراءة والكتابة وحفظ القرآن كما انه كان يسمح لزوجاته بطرح المشورة وفي تاريخ الدولة نساء شهيرات في العلم والأدب جمعتهن الدكتورة "دلال الخالدي" في كتابها نساء شهيرات من نجد غير أن مثل هذه المعلومات المهمة لا نجد لها ذكرا في مناهجنا الدراسية والسؤال ما الذي يمنع إضافة جزء من تاريخنا المبرز لدور المرأة السعودية في منهاج المدارس ؟
** ثورة الاتصالات:
ونحن نتحدث عن الشق المادي من الثقافة لا بد من الحديث عن اثر ثورة الاتصالات في خلق العولمة الإعلامية إذ يذكر د. "مؤيد عبدالجبار الحديثي" في كتابه "العولمة الاعلامية" أن ثورة الاتصال (الثورة المعلوماتية)، تمتلك القدرة على تغيير العلاقات الاجتماعية واعادة تشكيلها.
إنما جاءت ثورة الاتصالات طريقا ممهدا لإعادة تشكيل صورة المرأة فمن خلال كم المعلومات ونشرها يمكن لواقع المرأة أن يتغير على الأقل في دحض الأفكار السائدة وتحديثها بما يفرضه العودة إلى صورة المرأة في التاريخ الإسلامي وبما يفرضه تحرك المرأة وتطورها في هذا العصر.
وما دمنا نتحدث عن المعلومات فانه حري بنا أن نتحدث عن الإعلام كأهم الوسائط لدعم حقوق الإنسان عامة والمرأة بشكل خاص ففي مؤتمر "الإعلام الجديد والتغيير في العالم العربي" الذي عقد في عمان في 28فبراير 2002قدم مركز زايد للتنسيق والمتابعة دراسة تحليلية بعنوان "المرأة والإعلام العربي".
أوضحت أن الخدمات التي تقدم في مجال نشر الوعي الثقافي والإعلامي على مستوى الدول العربية للمرأة لابد وأن ترتبط بحرية المشاركة فى الحياة بكافة مجالاتها فالإعلام في الدول العربية يرتبط بمجموعة من السياسات التى توجهه وترسم خطوط منجزاته والتى تخدم فى بعض جوانبها المرأة العربية وتعمل على تغيير الصورة النمطية للمرأة العربية وإبراز صورتها في الإعلام بشكل يخدم قضيتها ويتناسب مع التعليم والأديان السماوية والتقاليد الإيجابية للثقافة العربية.
إن للإعلام دورا مهماً في تغيير الصورة النمطية فالمواد الإعلامية التي تبث من خلاله تستطيع ان تغير الاتجاهات إلى تقدير المرأة وليس حصرها في قالب الإغراء أو الإغواء من خلال الإعلانات التجارية.
** اثر النمطية
إن الصورة النمطية الموجودة في كل مناحي الحياة عبر الآداب والفنون هي جزء من واقع المرأة العربية في الثقافة المتخفية وليس الظاهرة فهناك كم من الأمثال الشعبية المتداولة والتي تؤثر على اتجاهات الأفراد أو المرأة ذاتها تجاه المرأة العربية في المجتمع بيد أن الأمر لا يتوقف عند الأفكار والاتجاهات وإنما يمتد إلى القوانين حول التمييز ضد المرأة فالجهل بالقوانين وعدم ممارسة حق الاطلاع يمكن أن يؤثرا في حقيقة وجود تمييز ضد المرأة أو عدم وجوده .
فحين يندر أن يوجد قانون في أي مجتمع عربي ضد حقوق المرأة نجد صعوبة تمتع المرأة بحقوقها المكفولة حين يتكاسل المجتمع عن سن القوانين الداعمة لمسيرتها .
وهذا يقودنا إلى نقطة هامة وهي صورة المرأة التي تشكلت في وجدان المجتمع العربي والتي عمم أثرها ليشمل المجتمعات العربية والإسلامية .
وبالعودة إلى اتخاذ خطوة فاعلة في المؤثرات المحيطة بواقع المرأة لا بد من الاهتمام بفهم واقع صورة المرأة في ذهنية الأطفال والشباب والتي تشكلت عن طريق المؤسسات التربوية والإعلامية. إن قضيتنا إذا ما شئنا دعم حقوق المرأة لن تكون مع الإنسان أو المجتمع بقدر ما هي مع الثقافة التي تشمل كل مكونات حياة الإنسان في مجتمعه ولذلك يمكن أن نقول إن من أهم الخطوات لتصحيح صورة المرأة، التخطيط من قبل المؤسسات الصحافية لوضع استراتيجية قوية للإعلام عن المرأة والأسرة العربية تحدد الأولويات والسياسات والبرامج في مجال الإعلام تجاه قضايا المرأة وأهمها إعادة تشكيل صورتها في الذهنية العربية حتى يتأتىّ لها التحرك من خلال دعم المجتمع.