أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليم - حكاية عشق عراقية ▪















المزيد.....

حكاية عشق عراقية ▪


حسين سليم
(Hussain Saleem)


الحوار المتمدن-العدد: 2406 - 2008 / 9 / 16 - 00:40
المحور: الادب والفن
    


" تُقاس كثافة الحب بانعدام الصبر أو بأقصى الصبر على الانتظار. في ما يحدث أو ما
لا يحدث ، أعرف أن أجمل شيء هو وقت الانتظار"
الطاهر بن جلون
( الحب الأول...الحب الأخير)

قابلتها ثلاث مرات , في فترات متباعدة ، وشكوت لها ، واحدة كل مرّة .وحكيت لها عن ذل الهوى. كنت رث الثياب ، طريد غربة مركبة ، اسحب أقدامي الثقيلة ، وعلى كتفي صرّة صغيرة ، فيها أحلام قليلة ،وفي يدي جريدة ، فيها ما لا يسر من الأخبار ، أسال عن الأمان . وقفت عند أعتاب بوابة قصرها في برلين ،ولما طال انتظاري جلست .
" جاوبني تدري الوكت
بوكاته غفلاوي
موش انت نبعة عشك
بالحسن متغاوي ..."*
مولاتي ! غريب قرب القصر ، يجلس القرفصاء ، يغني ، قال الحاجب وانحنى لها /
" ...ليش المعاتب كلف
والشوك سكتاوي
جا وين اودي الحجي
واتعاتب ويامن ..."
ماذا؟/ صوت حزين ، يثير شغاف القلب / ليدخل ، قالت.
"... مرّن فخاتي الصبح
نشدني وين هواي ..."
الليل يسامرسفر ، حالكة دهاليزه ، غابات مجهولة الأسرار ، رتيب كرتابة النهار ، حوت أهوج ، اوله كاخره . صدى أصوات تملأ الغرفة ، تبعثر حاجياتي كاياد خفية ، او اشباح خرافية . تهرب مني الشوارع ، المدن ، الاشجار ، فانزوي كطريدة خائفة من تعقب الذئاب لها.../
التقينا ، فيما كانت الصحف اليومية تكتب، عن قدوم اقوام شرقية ، بصورة لا شرعية ،هي من دار النور ، وأنا من دار الظلمة.
لي الشرف العظيم ، ان تسمح سيدتي عشتار بمقابلتها ، قلت هذا وانحنيت لها . ان تنظر في شكواي وتحكم . لقد اضناني السهر ، وهدّ قواي التعب / اجابت مشيرة بيديها ، تفضل / مولاتي يا آلهة الحب الطاهرة ! قصركم العظيم هذا ، أطال الله في عمر بنائه،وجعله بيتا يرومه كل من ضاقت به الحيل وانقطعت عنه السبل , وعانى ما عانى من شظف الحياة أمرها . أما بعد يا مولاتي ../ قطعت كلامي سائلة إياي/ وما حاجتك؟/ مولاتي – ملكة السماء ! أنا غريب-" واغرب الغرباء مَنْ صار غريباً في وطنه" **- هربت فجئت انشد الأمان / من أي بلد أنت ؟/ أنا من بلد ينوح فيه كل شيء ، حتى الطيور ، وتبكي فيه العصافير على مر العصور . بلد يُذبح اخياره مرات وتموت النساء بعدهم انتظارا في الفراش . انا من بلد يشيخ الطفل فيه باكرا . وأنا من بلد فيه النفط كالماء والزرع كالمطر . ومولاتي انا من بلد كلام أهله الشعر والحكمة / كانت لهم حكمة/ بلى مولاتي/ ومع هذا يعيش أهله الحزن على مدى الدهور/
..خواء عقيم صفير ريح ، تهرب الأرصفة من تحت قدمي الهاربتين . يخاف ظلي مني وأخشاه . اجري ، تتسع الشوارع أمامي وتضيق .يفزعني حفيف الأوراق المتساقط ، يغدو كأشباح لها أشكال مختلفة تلاحقني فأجد السير . اهرب سريعا كشريد مطارد ، لم أكن هكذا يوما في ارض النخل .آه كم اشتاق لرؤية نخلة ، أتلمس جذعها ، استظل بها واحتمي , احضنها واشم رائحتها ...
"سمعني جلمة عتب
وبمشيتك بهداي
عطشان كلبي شكثر
وانته العطش والماي
جاوين اودي الحجي
واتعاتب ويامن "
.. تخرج النخلات من جدرانها ، مهشمة زجاج الصورة ،قطعا، تناثرت فوق السرير،على بلاطات الغرفة.تقدمت نحوي على شكل رتل منظم ، تمسد رأسي المتشظى بسعفاتها العريضة كأم حنون، تعاتبني ، شاكية في القن الصغير ، الذي يشبه زنزانة ، لاتتحمل مساحته أكثر من سرير. يقال انها ما عادت تثمر الا اعقاب السجائر،المتناثرة حولها . هرب النوم دون جلاد افطس.يحاصرني الليل المبكر في هذه المدينة ،صور تطاردني بين الاغفاءة والاخرى ومابينهما رعشة ذكريات لصدمة كهربائية تهز بدني ،تعيد شريط الذاكرة المتراكم في الراس./ ورايت عشتار بينهن ،مالبثت ان تناسلت الى اخريات، احاطن السرير. قالت:انا ايضا غريبة هنا . وسالت :هل انت تموز؟ كان دمعها يسقي الجنائن المحيطة بها / لم اجب . واكملت هي لا زلت ابحث عن تموزي. هل رايته؟/ لم اجب / ثم سمعتها تنوح:
" ياغريب الدار من دار الاهل
هاك لهفة شوك معتز بيها
هاك بوسة لعينك الحلوة كحل
شوف بيهه احبابك وناغيها
ياغريب الدار من دار الاهل
هاك لهفة شوك معتز بيها"***
جاوبتها النخلات المعدومة، في الحروب العديدة وترنمت :
"من نواعير الغفت حدر النخل
من ثنايا الهور من برديها
هاك وادري بدمعتك ترفه وتهل
ودري بيك بمستحة تباريها
هاك وادري الغربة ابد ما تنحمل
وادري بحيلك تلاويها"
وبدأت كأن لم أكن أنا في القاعة ، وقلت لها: يا عشتار ! لم تكن هناك سبعة أبواب كما في المرة الأولى في العالم السفلي ، بل اثني عشر بابا،اذ كنت محجوزا خلف باب اخر ، في سجن أبي غريب، حين سمعتك تصرخين في وجه الحراس .
مولاتي! ورموني مرّة أخرى ،في غياهب الظلام ، وظنوا اني ميت لا محال، وقد حفرت بأظافري ، ليل نهار ، لعلني أجد كوّة ، لكن المنفذ قادني إلى مقبرة وهذه إلى اخرى ، وكنت أرى بين المقبرة والأخرى هياكل عظمية.
" مامش بعد كل رجه
والدنيه حزنانة
والهجر هودر غفل
والشفة ذبلانة "
ورايتها ايضا، تظهر على شكل نجمة خلف الحشد، حين احنى الحاجب امامها وقال: مولاتي سيدة البلاد ، الرجل الغريب ينوح امام الباب ، يطلب الاذن بالدخول.
"عطشان كلبي شكثر
وانت العطش والماي
جاوين اودي الحجي
واتعاتب ويامن "
أي غريب هذا؟سألت / الغريب الذي استجار بكم من ظلم الزمان وجاء قبل مدة يطلب الأمان / قهقهت سيدة الجمال وقالت : ليدخل في الحال / كانت تجلس على اريكة حجرية ، وأضواء النيون المسلطة عليها من الأعلى والجوانب تبرز مفاتن صدرها الواسع وثدييها الكبيرين / السلام على مولاتي سيدة الجمال والبلاد / وعليك السلام / وحين ازاحت يديها الممسكتين بالثديين من الاسفل وانحنت ، تدلت قلادتها الذهبية امام صدرها بحركة انسيابية الى الامام والخلف ، وددت حينها ان اكون قلادة اغفو وانام على صدرها مدى الدهر. هوذا العطش الشرقي بين الفخذين قبل الشفتين ، في اوج عظمته ، فقمعته ، كيف لا والقمع لدينا سنّة/ قال الشاعر السومري المحنط في القاعة :"اسكبي للمولى المأمور ليشرب منك "****/ قلت : لا . ونفسي عطشى / اشارت الي بالجلوس ، ثم ابتسمت قائلة : وكيف حالك ؟/ الحمد لله ، بفضل رعايتكم الكريمة ولكن ../ ولكن ماذا ياغريب؟/مولاتي ! سبق وان تشرفت بمقابلتك بشان قضيتي / ابتسمت الملكة وأردفت : ما الخطب الجديد فيها ؟ /مولاتي لم اجد احدا غيركِ ينصفني مما انا فيه / نهضتْ من الكرسي وتقدمتْ الى الامام : ما بك؟/لقد فقدت صوابي من فرط التفكير / وما شاني بذلك / قلت لها اني لم اهرب ، بل كنت خائفا ، ان يمسك العسس بك يوما ما ، ويفترسك أمامي ، ولازلت احتفظ بحيامني إلى هذا اليوم / أنا أسيرة هنا / وارضي جدبه بعدكِ،بلا قمح ولا مرعى/أردت الحماية أعطيناك ، أردت العاطفة سعينا إليها /
اعترف ان قلبي قد تعلق بها حتى احتلته . صار طيفها يقودني أينما حللت وصورتها توغلت عميقا في تلافيف عقلي فغدوت اسيرها دون سجان وقضبان / سذاجة وبلاهة، اردف الشاعر السومري الذي تحرر من وقت الفُرجة / بل هي العفوية والصدق / وقالت : انتظرتك طويلا / وقلت لها لكنني كنت في دهاليز العالم السفلي / بحثت عنكَ / وانا كنت اسمع أخباركِ من الموتى القادمين ، قالوا : لديها عشتار صغيرة / كنت اقول لها اريد دزينة بنات / قالت لماذا ؟ / قلت لها كي لاتفارق عيناي وجهكِ /قهقهت / وقلت لها اناديهن على اسمك عشتار الاولى ، والثانية حتى عشتار الثانية عشرة/وكانت لي احلام جميلة من وحي عينيها في صحراء حياتي القاحلة،قلق وارق واخيرا اصابني الهوان حد البكاء ، اطلب ابعادها عن قلبي وعقلي ،بعد ان ذقت المرار من هذا الهوى / تدبر امرك/ كنت اكذب الاخرين ، لكنني رايتكِ بعد اطلاق سراحي ،تحملين العشتار الثالثة من رجل اخر/ بل كان تموز الاول/ بكيت وهربت مرّة اخرى ، ولازال قلبي ينزف / و قيل لها ، مرّة اخرى يقف الغريب امام البوابة وحاله لا تسر، واشياء غريبة تسقط من صرّته ،بينما كانت سيارات الشرطة تحاصر المتحف / واليوم ماذا تريد؟/ اريد عقلي يا مولاتي/ كيف؟/ اعيديني ايتها الالهة الام ،اعيدني الى زمن الاشارات ، كما كنت طفلا، الى احضان امي، واجعليني دمية لا تكبر تحت نخلة تمر / وحين اكتظت القاعة برجال الامن انقطع الحديث بيننا واغلق المتحف لبضعة ايام حتى تكشفت أخبار المدينة ، عن وجود لاجئ محنط ، الى جوار الشاعر السومري، وفي يده عشبة مكسورة ، وقد عُرف انه دموزي- تموز من القطعة النحاسية المنقوشة اسفل الحجرة التي يقف عليها، فيما ظل صدى صوت غنائه الحزين يسمع في القاعة..
" جاوين اودي الحجي
واتعاتب ويامن "

▪ القصة ، مقاطع من مخطوطة رواية .
* اغنية للمطرب حسين نعمة ، من كلمات كامل العامري ، والحان محمدجواد اموري.
** ابو حيان التوحيدي.
*** مقطع من اغنية (ياغريب الدار) للمطرب قحطان العطار.
**** شعر سومري.



#حسين_سليم (هاشتاغ)       Hussain_Saleem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من وحي ثورة العشرين
- تقاليد الحزب في الدولة !
- امنيات في العام الجديد ( 1 )
- اجتياز حدود
- سفينة جواد
- قليل الكلام : قنينة غاز ومجتمع مدني !
- قليل الكلام ... آ وليس هوحزبنا الجديد ؟!
- قصة قصيرة / في حضرة حمورابي
- قصة قصيرة جدا
- ! ملعون ذاك الذي يطرب سجانه
- يعيش الحزب ... يموت الشعب
- قصص قصيرة جدا
- انفلاونزا الطائفية
- إلى من يهمه الأمر " موت معلن " بلا وقائع


المزيد.....




- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليم - حكاية عشق عراقية ▪