|
التاريخ يعيد نفسه في مسرحية الملك تشرشل
جميل السلحوت
روائي
(Jamil Salhut)
الحوار المتمدن-العدد: 2405 - 2008 / 9 / 15 - 02:22
المحور:
الادب والفن
جميل الس صدرت عام 2008 مسرحية " الملك تشرشل " للأديب الروائي أحمد رفيق عوض عن دار الماجد للطباعة والنشر في رام الله ، تقع المسرحية التي صمم غلافها وليد القنة في 190 صفحة من الحجم المتوسط ، وقدّم لها الأديب يحيى يخلف . عودنا الأديب أحمد رفيق عوض أن يدهشنا في كل عمل ابداعي له ، ففي كل عمل من أعماله الروائية السبعة كان يأتينا بجديد من حيث الشكل والمضمون ، ومن اللافت أن أحمد رفيق عوض يتكىء في أعماله الابداعية على التاريخ ، يغرف من بحر هذا التاريخ ، ويسحبه على الواقع المعاش للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية بشكل خاص ، وعلى الشعوب والدول العربية بشكل عام ، حتى في رائعته الأولى " العذراء والقرية " الصادرة عام 1992 والتي حظيت بردود فعل ايجابية واسعة ، فإنه عاد الى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الى القرية الفلسطينية ، فرواها بلغة أدبية ، وخرج لنا برواية يمكن اعتبارها رواية كل قرية فلسطينية ، وهذا نتاج ثقافته ، وعمق هذه الثقافة في فهم طبيعة الأحداث في القرى الفلسطينية . أما رواياته الأخرى " مقامات العشاق والتجار " الصادرة عام 1997 و " آخر القرن " الصادرة عام 1999 ، و " القرمطي " الصادرة عام 2001 ، و " عكا والملوك " الصادرة عام 2003 ، و " بلاد البحر " الصادرة عام 2006 فقد عاد فيها الى التاريخ الرسمي، وعاد الى قراءة هذا التاريخ بطريقته الخاصة ، وفهمه بطريقته الخاصة أيضاً ، وانتقى منه ما أراد ، ليسحبه على الواقع الفلسطيني والعربي، وكأنه يؤكد أن التاريخ يعيد نفسه مرتين ، واحدة على شكل مأساة والثانية على شكل ملهاة ، مع ان الواقع العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص يكسر هذه القاعدة لكثرة " المآسي " و " الملاهي " التي مرت وتمر به . ولا يفهمن أحد أن المبدع أحمد رفيق عوض يكتب رواية تسجيلية أو تاريخية ، بل هو يكتب رواية ابداعية متميزة ومتجددة ، ومن هنا فإنه لم يفاجىء أحد عندما فاز بجائزة الملك عبد الله الثاني للابداع في الرواية العربية للعام 2002 . ومن منطلقات أديبنا أحمد رفيق عوض في استلهام التاريخ جاءت مسرحية " الملك تشرشل " والتي يعيد فيها كتابة قصة" أول وفد فلسطيني مفاوض ، ذلك الوفد الذي سافر الى لندن عام 1921 بعد الانتفاضة الأولى في يافا برئاسة موسى كاظم الحسيني ، وعضوية كل من : الحاج توفيق حماد ، أمين التميمي ، روحي عبد الهادي ، معين الماضي ، شبلي جمال ، فؤاد سعد ، جمال الحسيني ، ابراهيم شماس ، وفرانس نيوتن ابنة القنصل البريطاني في بيروت ، وبعد سنة كاملة من المحاولات والجهود الكبيرة للقاء تشرشل وزير المستعمرات ، فاجأهم بالقول : أنهم متعصبون وأن عليهم الاتفاق مع حاييم وايزمن " ص9 ويهدي الكاتب مسرحيته " الى بريطانيا العظمى التي أوقعت بفلسطين وشعبها كارثة لا تنسى ولا تغتفر " ص 5 وهذا الاهداء لم يأتِ حباً ببريطانيا، بل هو تأكيد على تحميل بريطانيا مسؤولية الهجرات اليهودية الى فلسطين تنفيذاً لوعد بلفور بعد الحرب العالمية الثانية ، واقامة دولة اسرائيل في 15 أيار 1948 وما حلّ بالشعب الفلسطيني من نكبات أدت الى ضياع وطنه وتشريده في أصقاع الأرض . والقارىء للمسرحية لا يحتاج الى كثير من الذكاء كي يستنتج أن الكاتب لم ينتق موضوع المسرحية عبثاً ، أو لمجرد اعادة التذكير بقصة أول وفد فلسطيني مفاوض فقط ، وانما ليقول " ما جرى بالأمس يجري اليوم " مع أنه في النص المسرحي لم يخرج ولو بكلمة واحدة عن قصة ذلك الوفد المفاوض عام 1921 ولم يتطرق أيضاً للمفاوضات الحالية . غير أن هذه المقارنة لا يمكن أن تغيب عن عقل وفكر القارىء النبيه . فالمفاوضون الفلسطينيون والعرب في هذه المرحلة ، وهم كثيرو الحجيج الى واشنطن وغيرها من العواصم الاوروبية، تعرضوا الى ضغوطات كثيرة وخضعوا لها ، وأول هذه الضغوطات هي الذهاب بوفود منفردة ، فتم اسقاط الوفد العربي الموحد منذ مؤتمر مدريد في تشرين أول 1991 وحتى يومنا هذا ، ومثلما تنكرت بريطانيا لما يسمى مبادىء ويلسون في حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وأوضح قادتها للعرب وللفلسطينيين بأن عليهم " التفاهم " مع حاييم وايزمن أحد مؤسسي ومنظري الحركة الصهيونية، كما تنكروا لتعهدات بريطانيا وحلفائها للشريف حسين بن علي بإقامة مملكة عربية في المشرق العربي بعد هزيمة تركيا في الحرب الكونية الأولى ، فإن " حليفتنا " أمريكا و " حلفائها وحلفائنا " في أوروبا يتنكرون للقانون الدولي ، ولقرارات مجلس الأمن الدولي،وللوائح حقوق الانسان ، ويعيدوننا الى التفاهم مع قادة اسرائيل ، وأعادوا المفاوضين العرب للجلوس مع رؤساء الوزارات الاسرائيلية المتعاقبة منذ بدء عمليات التفاوض في مدريد وهم اسحاق شامير ، واسحاق رابين ، شمعون بيرس ، بنيامين نتنياهو،ايهود باراك ، ارئيل شارون ، وايهود اولمرت ... وهكذا . وفي الفصل الخامس والأخير من المسرحية ركّز الكاتب أن تشرشل كان " يضرط " أمام الوفد الفلسطيني بطريقة مقززة ، ولم يعطهم جملة مفيدة واحدة سوى" جرّبوا أن تتحدثوا مباشرة الى الدكتور وايزمن ... وأنا متأكد أن لديه أجوبه شافية" ص188 و " انكم تخطئون بعدم التحدث مع الدكتور وايزمن واقتسام الأرض واقتسام السلطة معه " ص 189 ، و " أنتم لا تفهمون مقاصد الحركة الصهيونية انها خير على الجميع ... استفيدوا منها .. تعاونوا معها .. ستجلب لكم الماء والكهرباء والصناعة والزراعة وستطور الموانىء " ص 187 أي أن الكاتب يصل الى نتيجة مفادها أن الوفد الفلسطيني لم يحصل على شيء من مقابلته لتشرشل وزير المستعمرات البريطاني عام 1921 الا على " الضراط " وهذه مقولة فلسطينية وعربية، حيث نقول لمن يعود من مهمة خائباً " أنه لم يأت الا بالضراط " ومعروف ما يصاحب الضراط من ازعاج وروائح كريهة . واذا ما تساءلنا عن المكاسب التي حققتها وفودنا المفاوضة ، ودائمة الحجيج الى البيت الأبيض طالبة المساعدة في تحقيق حل سلمي عادل ، فإننا سنجد أنها لم تحصل الى على " الضراط " أيضاً . فمثلما أعاد تشرشل الوفد الفلسطيني الأول للمفاوضات عام 1921 للتفاهم والاتفاق مع وايزمن ، وكان يقدم الدعم المادي والعسكري للهجرات اليهودية لاقامة دولة اسرائيل ، فإن الادارة الأمريكية تعيد وفودنا المفاوضة للتفاهم مع الحكومات الاسرائيلية التي تقدم لها الدعم المادي والعسكري لمواصلة الاستيطان ولتثبيت احتلالها للأراضي العربية المحتلة . ان هذه المسرحية تنكأ جراحا ،وتلفت النتباه الى أمور يجب الاستفادة منها ،انها أقرب ما تكون الى الكوميديا السوداء.وتمثيلها على خشبة المسرح سيكون له مردودات ايجابية .
#جميل_السلحوت (هاشتاغ)
Jamil_Salhut#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستيطان جريمة يجب انهاؤها
-
نحن ...وهم
-
المرة الأولى - قصة للأطفال
-
في ذكرى احراق الأقصى
-
محمود درويش يترجل قبل أوانه
-
-ماء السماء-رواية النكبة بامتياز
-
دولة الحلم ودولة الواقع
-
كفى.....فقد بلغ السيل الزّبى
-
كفى...فقد بلغ السيل الزّبى
-
الصداقة - حكاية شعبية
-
الحرفة اليدوية -حكاية شعبية
-
الشكوى لغير الله مذلة
-
جرائم بدون عقاب
-
حرمة الأموات من كرامة الأحياء
-
رواية امرأة الرسالة والخروج على المألوف
-
الصعود الى المئذنة وما بين النكبة والنكسة
-
غاب وجاب -حكاية شعبية
-
رواية -بير الشوم -عن نكبة الشعب الفلسطيني
-
هكذا شيخ لهكذا أبناء - حكاية شعبية
-
الحرية - حكاية شعبية
المزيد.....
-
-المعرض الدولي للنشر والكتاب- بالرباط ينطلق الخميس بمشاركة ع
...
-
اللغة العربية في طريقها الى مدارس نيشوبينغ كلغة حديثة
-
بين الرواية الرسمية وإنكار الإخوان.. مغردون: ماذا يحدث بالأر
...
-
المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف: الصهيونية كانت خطأ منذ البداية
...
-
دول عربية تحظر فيلما بطلته إسرائيلية
-
دول عربية تحظر فيلما بطلته الإسرائيلية
-
عن -الأمالي-.. قراءة في المسار والخط!
-
فلورنس بيو تُلح على السماح لها بقفزة جريئة في فيلم -Thunderb
...
-
مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق
...
-
مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|