أشرف بيدس
الحوار المتمدن-العدد: 2388 - 2008 / 8 / 29 - 09:16
المحور:
الادب والفن
حالات الجوع كثيرة في السينما المصرية، والجوع والمتراكمة عبر تاريخنا الحديث والقديم لم تدع لنا فرصة للهروب، ولأن الجوع لما يحمله من دلالات وشيوع وما يسببه من كوارث وإذلال لغير القادرين وهم يمثلون السواد الأعظم من الناس.. كان اهتمام السينمائيين - ونحن- ضروريا وملحا لرصد هذه الحالات وتشخيصها عبر تاريخنا الطويل.
«الحرام» قصة للأديب يوسف إدريس، أخرجها للسينما هنري بركات في ستينيات القرن الفائت، وقام ببطولتها فاتن حمامة وزكي رستم وعبد الله غيث وعبد العليم خطاب.
بداية.. هل هي مفارقة عجيبة تستحق التأمل والتفكير، تلك التي تجعل من «عزيزة» محل التفاف وتعاطف بلغ ذروة الشفقة من قريتين تبارا في الدفاع والهجوم عليها، رغم أنها كانت في نظر الكثيرين منهم (خاطية) سقطت في مستنقع الرذيلة بحمل سفاح، وصل بنهايته لخنق وليدها في محاولة لإسكاته حتي لا يفضح أمرها؟
إن هذه الشفقة لم يكن مصدرها هو إخفاء مقاول الأنفار «عزيزة» في كوخ من القش، ولم يكن أيضا حنو ناظر الزراعة والتستر عليها، ولا تأسف شيخ البلد من تلك الرسالة التي أرسلها للمسئولين لكشف الأمر المستور، ولا حتي - لو ذهبنا بعيدا- لتلك الجماهير التي كانت تجلس تشاهد شريط الفيلم في دور العرض، وإنما كان لإدراك الجميع أنهم - دون أن يدروا- كان لهم دور لما وصلت إليه الأمور، وأن ما حدث في ذلك اليوم المشئوم عند اقتلاعها لثمرات البطاطا لم يكن بغرض الحرام، وإنما كان بهدف تحقيق أمنية غالية لرجل كسيح أقعده المرض وأذلته الحاجة، إن سقوط «عزيزة» في الخطيئة كان سقوطا للجميع.
دارت الأيام دورتها، وعادت «عزيزة» إلي قريتها في جنح الظلام بذات العربة التي أقلتها أول مرة بصحبة زوجها، ربما كان ما يشغل بالها وهي تئن تحت قيظ الشمس وسياط الحاجة هو هذا اليوم الذي تعود للزوج والأبناء وسط أهازيج الفرح والغناء مع النسوة اللائي تركن بيوتهن وأولادهن بحثا عن الرزق والقليل من الستر، حتي وأن كان في بلاد بعيدة، وليس تلك العودة الحزينة، فجاء الحرام قرينة اتهام لهذه الحقبة الظالمة التي عاشتها وآنت تحت ويلاتها وقاست شظفها وندرتها نظير قروش قليلة تسد بها خواء البطون، ولم تكتف بذلك بل أرجعتها وحيدة جثة هامدة داخل صندوق خشبي.
#أشرف_بيدس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟