مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2340 - 2008 / 7 / 12 - 08:24
المحور:
الادب والفن
ثورة الفن المعاصر و الفن المعاصر للثورة
تيموثي كلارك , كريستوفر غراي , دونالد نيكيلسون-سميث , مع تشارلز رادكليف و آخرون
( نص غير منشور , 1967 )
ترجمة مازن كم الماز
هذا النقد المتأثر بالموقفيين Situationist للفن المعاصر من قبل بعض الراديكاليين الانكليز في عام 1967 الذين كانوا يومها يشكلون الفرع البريطاني للأممية الموقفية .
أزمة الفن المعاصر : الدادائية و السوريالية
يقول آرتود "لم يوجد أبدا من قبل مثل هذا الكلام الكثير جدا عن الحضارة و الثقافة كما هو اليوم , عندما نجد الحياة نفسها تختفي . و هناك توازي غريب بين الانهيار العام للحياة , الذي يكمن خلف كل عرض محدد لانهيار المعنويات , و هذا الهوس بالثقافة التي تهدف إلى السيطرة على الحياة" . يقف الفن المعاصر اليوم أمام نهاية مسدودة . أن لا تستطيع رؤية هذه الحقيقة يعني جهلا كاملا بالأطروحات الأكثر راديكالية للمجموعات الثورية الأوروبية خلال مرحلة الصعود الثوري بين 1910 – 1925 : أنه يجب على الفن أن يتوقف عن أن يكون تحويلا متخصصا و تخيليا للعالم و أن يصبح تحويلا فعليا للخبرة المعاشة نفسها . إن الجهل بهذه المحاولة لإعادة خلق طبيعة الإبداع نفسه , و قبل كل شيء كل تعاقباتها في الدادائية و السوريالية , قد جعلت كل تطور الفن المعاصر مشوشة , مختلة , و غامضة .
مع الثورة الصناعية , بدأ تغير في مجمل تعريف الفن – ببطء , و غالبا بشكل غير واعي , لقد تحول الفن من احتفال بالمجتمع و إيديولوجياته إلى مشروع للتدمير الكامل . من كونه تكثيفا و ضامنا للأسطورة , أصبح الفن "العظيم" انفجارا في مركز المجموعة الأسطورية . خارجا من الزمن و المكان الأسطوري قام بخلق وعي تاريخي راديكالي , قام بتحرير و إعادة تجميع التناقضات الفعلية للحضارة "البرجوازية" .
حتى القديم أصبح مدمرا – في غضون 50 عاما تمكن الفن من الفرار من الحقائق اليقينية لقيم يوليوس قيصر و خلق أسطورته الثورية الخاصة عن مجتمع بدائي ما . بالنسبة لديفيد و ليدو , كانت هناك حاجة للإمساك بأشكال الحياة و الوعي الذاتي التي أنتجت حضارة العالم القديم , لإعادة خلقها لا تقليدها . لم يكن القرن التاسع عشر سوى إعطاء هذا الاقتراح مظهرا شيطانيا و ديونيسيا أكثر .
أصبح مشروع الفن – بالنسبة لبليك , و نيتشه – إعادة تقييم لكل القيم و تدمير لكل ما يحول دون ذلك . أصبح الفن نفيا : في غويا , و في بيتهوفن , أو في جيريكالو , يمكن للمرء أن يرى التغيير من الاحتفالي إلى التدميري في فترة حياة واحدة . لكن تغييرا في تعريف الفن يحتاج إلى تغيير في أشكاله و قد تميز القرن التاسع عشر بمحاولة متسارعة و يائسة لارتجال أشكال جديدة من الهجوم الفني . بدأ كوربت باستعراض لوحاته في خيمة في الريف و انتهى في الكومونة بالإشراف على تدمير عمود الفيندوم ( العمل الفني الأكثر راديكالية عبر القرن , الذي أنكره مؤلفه على الفور ) .
بعد الكومونة , عانى الفنانون من انهيار جماعي في أعصابهم . أعيدت ولادة الزمن الأسطوري من رحم الاستمرار التاريخي , لكنه كان زمانا أسطوريا للفرد المعزول و المندثر في نهاية الأمر . في الرواية , ناضل تولستوي و كونراد للاحتفاظ بحس من الفراغ , يتأرحج بتهكم نحو اليأس , توقف الزمن و ساد الجنون .
بالنسبة للرمزيين , أصبح تجنب التاريخ مبدأ , لقد تخلوا عن النضال في سبيل أشكال ثورية جديدة لصالح عقيدة أسطورية تماما عن الإشارات الفنية المعزولة . إذا كان من المستحيل رسم البروليتاريا , فإنه من المستحيل على نفس المستوى رسم أي شيء آخر . لذا على الفن أن يدور حول العدم , و على الحياة أن توجد لأجل الفن , أما الحقيقة القبيحة و التي لا تطاق , كما قال مالارام بازدراء كامل , هي "الشكل الشعبي من الجمال" . عاش الرمزيون في عالم متأنق إلى ما لا نهاية لكنه عبارة عن تكرار خانق . في مالامار نفسه , فإن موضوع الشعر الذي لا يمكن الافلات منه هو موت الكائن الموجود و ولادة الوعي المجرد : وعي هو في نفس الوقت متعدد الأشكال , كامل , و مضاد للديالكتيك بشكل هائل و عقيم بشكل راديكالي .
في النهاية و بسبب كل غضبهم ( عمل الرمزيون والأناركيون سوية في التسعينيات من القرن التاسع عشر ) علق الفن الثوري في تناقضاته . لم يكن بمقدوره , و لم , يفلت من أشكال الثقافة البرجوازية ككل . يمكن لمضمونه و لأسلوبه أن يصبح تحويلا للعالم , لكن , فيما يبقى الفن حبيسا ضمن المشهد *spectacle الاجتماعي , يبقى تحويله هذا تخيليا . بعيدا عن أن يدخل في الصراع الاجتماعي المباشر مع الواقع الذي ينتقده , فإنه ينقل كل المشكلة إلى مجال مجرد و مسالم عندما يتصرف بموضوعية كقوة تقوي كل ما تريد أن تدمره . أصبحت الثورة ضد الواقع تجنبا لهذا الواقع . ينطبق نقد ماركس الأصلي لمنشأ الأسطورة الدينية و الإيديولوجيا كلمة بكلمة على تمرد الفن البرجوازي : فهو أيضا "في نفس الوقت تعبير عن البؤس الفعلي و الاحتجاج على هذا البؤس الفعلي . إنه زفرة الكائن المضطهد , قلب هذا العالم الذي لا قلب له , تماما كما أنه روح هذا الوضع الذي بلا روح . إنه أفيون الشعوب" ( ماركس , مساهمة في نقد "فلسفة الحق" لهيغل ) .
ينفجر الانفصال و العداء بين "عالم" الفن و "عالم" الحياة اليومية أخيرا في الدادائية . يقول تزارا "الحياة و الفن شيء واحد" ,"إن الفنان المعاصر لا يرسم , إنه يخلق مباشرة" . لكن هذه الذروة في الإبداع الفعلي و المباشر كان لديها تناقضاتها الخاصة . كانت كل الاحتمالات الإبداعية الفعلية للوقت تعتمد على الاستخدام الحر لقواه المنتجة الفعلية , على الاستخدام الحر لتكنولوجيتها , التي استبعد منها الدادائيون , مثل كل فرد آخر . فقط إمكانية الثورة الكاملة كانت لتحرر الدادائيون . من دون ذلك , كان الدادائيون محكومين بالتحول إلى التخريب , و في النهاية , إلى العدمية – غير قادرين على تجاوز مرحلة إدانة ثقافة مغتربة ( نسبة لمفهوم الاغتراب الماركسي – المترجم ) و الأشكال التي تضحي بذواتها من التعبير التي تفرضها على فنانيها و جمهورها في نفس الوقت . لقد رسمت صورا على لوحة الموناليزا عوضا عن أن تقوم بتعلية متحف اللوفر .
اشتعل الدادائيون و احترقوا كفن يخرب الفن باسم الواقع و الواقع باسم الفن , عمل يدل على القوة للظرافة العدمية . إن التنوع و الوفرة و الجرأة للإبداع المتهكم الذي حررته , الحيوي بما يكفي لتحويل أكثر المواضيع أو الأحداث تفاهة إلى شيء نابض بالحيوية و غير متوقع , اكتشفت اتجاهها الفعلي أثناء الجيشان الثوري في ألمانيا في نهاية الحرب العالمية الأولى . في برلين حيث كان تعبيرها أكثر تماسكا , عرض الدادائيون لمحة خاطفة عن ممارسة جديدة أبعد من السياسة و الفن : ثورة الحياة اليومية .
كانت السوريالية في أول الأمر محاولة لتشكيل حركة إيجابية من الدمار الذي خلفه زوال الدادائية . فهمت المجموعة السوريالية الأصلية بما يكفي من الوضوح , على الأقل في أوجها , أن القمع الاجتماعي متماسك و يتكرر على كل مستوى للتجربة و أن المعنى الضروري للثورة يمكنه فقط أن يكون التحرير و الإشباع الفوري لكل شخص مقموع حي " تحرير الذات المضطرمة بالثورة و الإبداع العفوي , مع إعادة ابتكار مستقلة للعالم من حيث الرغبة الذاتية , التي كشف فرويد وجودها لهم ( لكن قمعها و تساميها اللذان كان فرويد , كمتخصص يقبل دوام المجتمع البرجوازي بكليته , يعتقد أنه لا يمكن إلغاءهما ) . لقد رؤوا عن حق أن الدور الأكثر حيوية الذي يمكن للطليعيين الثوريين أن يلعبوه هو خلق مجموعة متماسكة لتجريب نمط حياة جديد , أن يشكلوا تكنيكات جديدة , و التي ستكون في نفس الوقت معبرة عن الذات و محرضة اجتماعيا , في توسيع أشكال التجربة المعاشة . كان الفن سلسلة من التجارب الحرة في إطار بناء نظام تحرري جديد .
لكن سقوطهم التدريجي نحو الأشكال التقليدية للتعبير – ذات الأشكال التي كان الدادائيون قد حكموا على مزاعمها بانعدام الأخلاق , من دون رحمة , مرة واحدة و إلى الأبد – ثبت أنه كان سقوطهم : قبولهم بالموقف الإصلاحي أساسا و اندماجهم في المشهد . لقد حاولوا أن يدخلوا البعد الذاتي للثورة إلى الحركة الشيوعية في ذات اللحظة التي كانت فيها تراتبيتها الستالينية تحقق كمالها . حاولوا استخدام الأشكال الفنية التقليدية في نفس اللحظة التي كان فيها انحلال المشهد الذي هم أنفسهم يتحملون بعض المسؤولية عنه , قد حول أكثر المواقف المخزية للثورة في المشهد إلى سلع رائجة بقوة . كما تبخرت كل الإمكانيات الثورية الحقيقية لتلك المرحلة , خنقتها الإصلاحية البيروقراطية أو قتلت بواسطة فرق الإعدام , فإن المحاولة السوريالية لاستبدال الفن والسياسة بنوع جديد كلية من التعبير الذاتي الثوري انحطت بثبات إلى محاكاة مضحكة لعناصرها الأولية : الفن الأكثر سماوية و الشيوعية الأكثر بؤسا .
* spectacle أي العرض أو المسرح مفهوم ذا أهمية مركزية في فهم الموقفيين للمجتمع المعاصر , حيث يتحول فيه كل شيء إلى جزء من العرض , إلى سلعة أو بضاعة
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن //libcom.org/tags/art
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟