ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2291 - 2008 / 5 / 24 - 04:59
المحور:
الادب والفن
المشهد السابع
( في الغرفة)
(يجلس إسماعيل على سريره وينفث بالنرجيلة , كما يجلس بجانبه زياد يمضغ القات , أما الياس وهاني يجلسان على سريرهما يشربان الشاي)
إسماعيل : ما بك يا هاني ؟ منذ يومين وأنت شديد الاضطراب .
هاني ( مطرقاً برأسه على الأرض) : أسباب كثيرة تبدأ ولا تنتهي , وكأن المصائب التي ظننت أني تركتها في بغداد بدأت تلاحقني إلى هنا .
زياد ( آسفاً بحزن): كان الله بعون العراق , لم يعرف هذا البلد غير المصائب والأحزان من وقت لآخر .
الياس: المصائب في كل مكان , أي سبب يقلقك ؟.
هاني ( يمشي في الغرفة بقلق شديد): لا أعرف من أي سبب سأبدأ , فرحت البارحة كثيراً عندما أبلغني المدير التنفيذي لشركة المقاولات والبناء التي أعمل بها , بأن الشركة وافقت وبعد عام ونصف العام من عملي بها على منحي إقامة على نفقتها , بما يسمح لي بإحضار زوجتي وابنتي فرح .
إسماعيل : جيد جداً , أين المشكلة في ذلك ؟.
هاني ( يشهر يده بأسف): المشكلة أن الشركة أخطرتني اليوم أن إدراة الهجرة والجنسية جمدت قرار منح العراقيين إقامات بداعي الحفاظ على التوازن بين نسب الوافدين الأجانب.
زياد (يقف غاضبأً): العنف والدمار في العراق لا يفرق بين كبير وصغير , إلى أين سيذهب العراقيين إذا لم نقف معهم نحن العرب أبناء جلدتهم ؟.
هاني ( بحزن عميق): ولأجل العنف طلبت من زوجتي ترك العراق والإسراع بالسفر إلى مصر حفاظاً على حياتها مع وحيدتي فرح .
الياس : وهل وصلت إلى مصر؟.
هاني ( مضطرباً): يفترض أن تصل قبل ثلاث ساعات من الآن , منذ خروجها من البيت إلى مطار بغداد , والاتصال بها مفقود , أخشى أن يكون قد نال العنف منها ما نال من الآلاف .
إسماعيل ( يربت على كتف هاني): اصبر قليلاً , إن الله مع الصابرين .
هاني (عابساً) : لقد يئست من هذه الحال .
الياس: عليك مغالبة اليأس , كيف تيأس واسم ابنتك فرح ؟.
هاني (يقف): ألم أقل لكم , إني نسيت الفرح , إذا فتشت عنه لن أجده , لكن لا يمكن أن أنسى حبيبتي فرح .
إسماعيل (يعانق هاني ): هذا هو الكلام الذي يبعث على الأمل , تفاءل بالخير ولا تدع لليأس مكاناً في قلبك.
هاني ( يهم بالخروج): اسمحوا لي , سأذهب إلى السنترال لاتصل مرة أخرى ببغداد , لقد نفذ صبري.
الجميع : وفقك الله .
( يخرج هاني)
الياس ( متضرعاً إلى السماء) كان الله بعونه ما أصعب العمل هنا بدون إقامة .
زياد : بل ما أصعب الفواجع التي تتردد على مسامعنا يوميا من العراق .
إسماعيل ( متحسراً) : وا أسفاه مصائب العراق العظيمة , أنست العرب مصابهم الجلل في فلسطين .
الياس: فلسطين في صفحات التاريخ , وليست في القلوب والعقول , لقد أصبحت في طي النسيان .
زياد : الجيل الذي عاش مصاب فلسطين , هرمت به الذاكرة ولم يعد يتذكر سوى تلك اللحظات البسيطة التي كان يحياها قبل المصاب , أما بعدها فيحاول عدم تذكرها لما تحمله من آلام , فكيف تريد من العرب تذكر مصاب أشقاءهم في العراق وفلسطين , ومصائبهم تكفي لوحدها .
إسماعيل (يقف قبالة زياد ): الجيل الذي تحدثت عنه , جيل آباؤنا وأجدادنا , الذين انتقلت أرواحهم إلى الرفيق الأعلى ودفنت أجسادهم بالأرض التي ولدوا وأكلوا ولعبوا وعملوا فيها , أما جيل اليوم , لا علاقة له بما يجري .
الياس : جيل اليوم , هو سبب الانقسام الحاصل على الأرض بين الفلسطينيين
أنفسهم .
إسماعيل ( يجلس على سريره): نعم هو سببه , وإذا بحثت أكثر ستجد أن الانقسام سيبقى ويتعمق مع اتساع شهوة الوصول إلى سلطة لم تنضج بعد .
( يدخل مالك مرهقاً)
مالك : أسعد الله مساؤكم .
الجميع : ومساؤك
الياس : أخبرنا يا مالك , كيف وجدت العمل في الصحافة الخليجية ؟.
مالك ( يجلس على سريره ) : مَن أنا حتى أقيم الصحافة الخليجية ؟ كل ما أعرفه أن الصحافة العربية لا زالت تعيش على قوانين العهد العثماني وأنت أدرى بواقعها .
إسماعيل (ينفث بالنرجيلة ساخراً): أجدها تقليدية أكثر منها إبداعية .
الياس ( يقف محتداً): ليست تقليدية , ولا تعيش في العهد العثماني , هي ابنة عصرها ولحظتها .
مالك ( آسفاً بحزن): ابنة عصرها عند الغرب , وليست عندنا , عندنا هي الابنة المطيعة لسيدها ومالكها , وغالباً ما يكون المالك , الدولة وحدها .
زياد (يجلس): لتعرفوا واقعها جيداً , أدعوكم للبحث عن مكانها في النظام السياسي العربي .
إسماعيل : ماذا تقصد بمكانها ؟.
مالك : أنا سأجيب إسماعيل عن مكانها, المكان الذي قصده زياد في سؤاله , أين أصبح موقعها في خريطة النظم الديمقراطية , بما هي سلطة رابعة ؟ للأسف الشديد لا أظن أن لها مكاناً في ظل أنظمتنا المجهولة الموقع .
الياس (يشهر يده ساخطاً): خير ما قاله توماس جيفرسون في هذا الصدد .. صحافة من دون حكومة أفضل من حكومة من دون صحافة , ولكم الحكم .
إسماعيل : إذا كنت مدركاً لواقعها الرديء , فلماذا تعمل بها ؟.
الياس (يمشي ثلاث خطوات يضرب يده بعنف على جدار الغرفة) : أولاً وقبل أن أجيب على سؤالك , ليسأل كل واحد منا نفسه , ما السبب في مجيئه إلى هنا ؟.
مالك : لكل واحد منا أسبابه الخاصة التي دفعته للقدوم إلى هنا , وإذا جمعنا الأسباب جميعا سنجد أن ثمة سبباً واحداً ومشتركاً وراء وجودنا .
زياد ( آسفاً بحزن): عندما تنتهي أسبابكم المالية , ستعودون من حيث أتيتم وتدعونني لوحدي استقبل غيركم .
مالك ( يتحرك باتجاه زياد رابتاً على كتفه): الحياة تنتهي ولا تنتهي معها الأسباب المالية , حتى أنت لك أسبابك المالية وستعود أدراجك لحظة انتهاءها .
الياس : لا اعتقد أن أحدنا سيصل إلى درجة تنتهي عندها أسبابه المالية , ربما لأنها مرتبطة بلغة الأرقام غير المنتهية , لا شك أن جميعنا سيغادر , فعندما تخف هذه الأسباب الثقيلة الملقاة على عاتق كل واحد فينا , سيتبين حينها من سيغادر أولاً .
( يدخل هاني وصابر )
هاني ( مبتسما ) : الحمد لله , وصلت عائلتي بسلام .
إسماعيل : أجدك شديد الفرح , ما الجديد ؟.
هاني (بفرح شديد): اتصلت ببغداد فلم يجيب أحد على الاتصال , فقدت الأمل وهممت بالعودة إليكم يائساً , وفي العودة صادفت الأخ صابر ترافقنا سوية , فجأة قرع جرس هاتفي الشخصي , أجبت على المكالمة , فإذا بها زوجتي تخبرني أنها تواً وصلت الإسكندرية .
الياس (يعانق هاني): حمداً على سلامتها وسلامتك , فو الله لم أجدك سعيداً كسعادتك الآن .
هاني : أشكركم جميعاً , وخصوصاً صابر الذي كانت صدفتي به خيراً .
مالك ( ساخراً): هذا يعني أن القط الأسود الذي لا يجلب الحظ , فجأة ومن دون سابق إنذار انقلب إلى قط أبيض , يجلب الحظ والخير لمن يصادفه في طريقه .
صابر ( بانفعال) لكن مخالبه حادة سواء كان لونه أبيض أو أسود , وتؤذي من يستخف بقوتها .
هاني ( يجلس على سريره): لقد أعضبت صابر , أرجو أن تقوم بفعل ما يخفف غضبه .
مالك : بل رفعت من شأنه , لا أحد يعرف صابر مثلي .
صابر ( يشهر سبابته في وجه مالك): مزاحك الثقيل سأمرره اليوم , شرط أن أبقى أمثل دور القط الأبيض , على أن تمثل أنت دور القط الأسود .
مالك ( ضاحكاً): تعرف أني لا أهوى التمثيل , ولا أحب القطط , لك حرية الاختيار
بين القطين .
زياد ( ضاحكاً بشدة): وهذا أكبر تنازل يقدمه لك مالك, ماذا تريد أكثر ؟ فأنت الآن أصبحت تمثل الحظ وعكسه .
صابر ( حانقاً): اللعنة على هذا القط وذاك .
مالك (بدهاء): حرام عليك يا صابر , لا يجوز أن تلعن القط وهو الذي جلب لك الحظ الطيب , ولولاه لما كنت هنا , هل تستطيع أن تنكر ذلك ؟.
صابر( يتحرك باتجاه إسماعيل) : لا أؤمن بالحظ ولا بالشيء الذي يجلبه , سواء كان قطاً أو فأراً , لكن ما عساي فعله إذا كان الحظ هو من يأتي إلي مهرولاً , هل من الحكمة رفضه؟.
إسماعيل : أحذر , من يرفض الحظ الآتي إليه , كمن يجحد بالنعمة .
الياس ( يجلس): كيف يعرف الإنسان أن الحظ قادم إليه ؟ إن كان يعرف , فهذا يعني أن الحظ شيء ملموس وليس مجرداً .
مالك : لو سألت كل واحد منكم كيف أتى لهنا لاستفاض في شرحه إلى بعد غد , لكن لو سألنا صابر , لأجاب باقتضاب أنه أتى وعينه في اتجاه العمل بأي مجال , فإذا به يعمل في اختصاص معقد , لا يُسمح بالعمل فيه لمن ليس لديه خبرة لا تقل عن عشر سنوات , وخبرته في مجال التصميم والتحرير الإعلاني لا تتعدى سنوات دراسته الجامعية , الخالية من أي خبرة .
صابر ( باستعلاء) : إنه توفيق من الله .
مالك : ونعم المولى .
هاني ( يشير بيده لصابر) : إذا كنت محظوظاً في دنياك , فلماذا لا تسافر معي في رحتلي الطويلة؟.
صابر( بأسى) : إلى أين سأسافر؟ ألا يكفي ما أنا فيه من غربة وشقاء؟.
هاني : لطالما كانت صدفتي بك خيراً , فأنا أدعوك للسفر معي الى مصر , كي لا تطرق التعاسة بابي ثانية.
إسماعيل ( باستغراب شديد) : أحقاً ما تقوله يا هاني , أم أنك تمزح؟.
هاني ( يومئ برأسه): نعم سأسافر إلى مصر قريباً بعد أن أطمئن بالي على حال زوجتي.
زياد ( يضرب الطاولة بيده): يا للخسارة ستتركنا وتذهب .
هاني : وأيضاً سأترك العمل في الشركة .
الياس : وماذا ستفعل بمصر ؟ أغلب أهلها يأتون إلى هنا بحثاً عن عمل .
هاني : أعلم أني لن أجد عملاً فيها , فإن وجدته لن يكفي آجار المنزل الذي سأنزل به , إقامتي في مصر مجرد محطة وسأحاول بعدها الانتقال إلى أوروبا عن طريق بعض الأقارب .
صابر( يهم بالخروج) : لا أصدق بأننا سنخسرك بهذه السرعة .
هاني ( شارداً بحزن): هذه سنة الحياة , وما نحن إلا ضيوفاً .
مالك ( بنزق شديد): لم تعد ديار العرب تتسع لأبنائها , لقد ضاقت بهم ذرعاً , فصاروا يستجدون الغرب لإيوائهم في هذا الزمن العربي الرديء , النوم هذه الأيام لا أحد يغلبنا فيه , تصبحون على خير .
(ينام)
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟