|
أمريكا على طريق روما ، طريق إلى حرب باردة ثانية
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2275 - 2008 / 5 / 8 - 09:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أعتقد أنه يوجد الكثير من الذين ينكرون وجود روابط بين الإعلام ، و السلطة ، في أي بلد ، بما في ذلك دول ما يسمى بالعالم الأول ، و على رأسها الولايات المتحدة ، و إن إختلفت طبيعة تلك الروابط ، و مدى متانتها ، بين دولة و أخرى .
فمن يتابع ما يخرج به رموز الإعلام الأمريكي ، سيجد توافقاً ، كبيراً ، بين مضمونه ، و الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية ، بخاصة الخارجية .
و لكن مع ملاحظة أن التوافق تختلف سرعة وتيرته ، فأحيانا ما يكون لاحق للسياسة الخارجية ، و أحيانا ما يكون سابق عليها ، أي تمهيد للسياسة الخارجية ، و هذا الأخير هو ما يجب أن يهمنا ، لأنه يدلنا على المستقبل .
لهذا فإن قراءة مسار السياسة الخارجية المستقبلية للولايات المتحدة ، بل و أي دولة ، و الخطوط العريضة لأهدافها ، من خلال قراءة ما يبثه الإعلام المرتبط بدوائر صنع القرار ، يعد قراءة علمية بحتة ، و ليس تخمين ، أو قراءة للفنجان .
ناشيونال جيوجرافيك ، أو جيوغرافيك ، تعد أحد تلك الرموز الإعلامية الأمريكية الهامة ، من حيث تأثيرها الجماهيري في الولايات المتحدة ، و خارجها ، سواء بمطبوعاتها ، أو ببثها التلفزيوني ، و لكنها للأسف لا تحظى بإهتمام كبير من المتابعين للشأن الأمريكي ، حيث إنها في رأيهم ثقافية ، و ليست سياسية ، غافلين عن أسلوب توظيف الثقافة لخدمة السياسة .
أهمية ناشيونال جيوجرافيك تكمن ، في إنها أحيانا ما توضح الخطوط السياسية العريضة جداً للسياسة الأمريكية ، و هي في ذلك تختلف عن قنوات التلفزيون الإخبارية ، و الصحف اليومية الكبرى هناك ، و المجلات الإسبوعية .
قبيل الإحتلال الأمريكي للعراق ، و بعده مباشرة ، أخذت ناشيونال جيوجرافيك على عاتقها ، مهمة الترويج للعناوين الهامة من فكر دوائر صنع السياسة الخارجية ، و التي سيطر عليها ، في عهد بوش الثاني ، المحافظين الجدد ، و الذي يقوم جزء منه على فكرة تأسيس إمبراطورية أمريكية ، تعتمد على التواجد العسكري ، و ليس بمجرد إعتماد سياسة النفوذ السياسي - الإقتصادي ، تلك السياسة التي إتبعتها العديد من الإدارات الأمريكية ، خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .
الفكرة التي روجت لها ناشيونال جيوجرافيك ، هي أن الولايات المتحدة الأمريكية ، هي وريثة الدولة الرومانية ، في الفكر ، و الروح ، و المهام .
في التعامل مع تلك المقولة ، لم تخرج ناشيونال جيوجرافيك عن خطها المعهود ، فروجت للفكرة بإسلوبها الكلاسيكي المعتاد ، أو الرومانسي ، الذي يسعى للتسرب للعقول ، تسرب السم الهادئ ، من خلال الإفاضة في محاسن الدولة الرومانية ، و التي لا أنكر بعضها ، و لكن دون تخصيص نفس المساحة لذكر مساوئها ، وبيان نقائصها ، و هي كثيرة أيضاً ، ثم الشروع في إيجاد التشابه بين الولايات المتحدة ، و تلك الدولة البائدة ، بنفس الإسلوب الرومانسي الناشيونال جيوجرافكي .
إذا كانت الولايات المتحدة قررت إدارتها ، أن تصبح هي الإمبراطورية الرومانية القديمة ، و بخاصة في عصرها الأول ، عصر الفورة ، و الحماس ، عصر الجمهورية ، فإن ذلك يعني أن نعود لندرس طبيعة تلك الدولة ، و لا يغرنا أن هناك تعثر شهده هذا المشروع ، في أفغانستان ، و العراق ، فهذا التعثر يبدو أن الولايات المتحدة إستوعبته ، ولو إلى حين ، و ها هي الأن تعود لمشروعها الأمبراطوري الروماني ، بخطط الهجوم على إيران ، و طلب قواعد أمريكية في قلب أفريقيا ، و الأهم من هذا كله ، مشروع الدرع الصاروخي .
مشروع الدرع الصاروخي ، سيعني تأكيد هيمنة قطب واحد على العالم ، هيمنة ليست فقط سياسية ، و إقتصادية ، و ثقافية ، بل و أيضاً هيمنة عسكرية ، بنزع أنياب ، و مخالب ، كل الدول التي تعدها الإمبراطورية الأمريكية خارجة عليها .
المشروع قديم ، خرج به على العالم الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان ، و قد أطلق عليه آنذاك اسم سينمائي ، هو : حرب الكواكب ، و لا يغفل عن متابع ، أن ريجان هو الرئيس الذي ينظر له بوش الإبن ، على إنه معلمه الروحي . إذا المشروع لم يمت ، إنما تم تجميده ، و ها هو يعود ، ليصبح أقرب للتحقيق ، بفضل التطور التقني الكبير ، الذي تحقق منذ نهاية عهد ريجان . و أعتقد إن المشروع ، سواء الصاروخي ، أو الإمبراطوري ، و الحقيقة إنه لا فاصل بينهما ، فهذا من أجل ذاك ، سوف يستكمل لو فاز ماكين بالرئاسة ، فهو من الحزب الجمهوري ، و له تاريخ عسكري طويل ، شخصي ، و عائلي ، و كان من الذين صوتوا من أجل غزو العراق ، و هو من القلة التي أيدت فكرة زيادة القوات الأمريكية هناك ، أي أن الحل العسكري لم يفارق عقله .
عودة للتاريخ ، و لنطل بنظرة فاحصة على طبيعة الدولة الرومانية ، أو روما ، في عصرها الأول ، عصر التأسيس ، عصر الجمهورية ، ذلك العصر الذي يعد المثال الذي يرسم السياسة الخارجية الأمريكية .
روما في عصر الجمهورية ، كانت تعتنق فكرة هجومية شرسة ، جعلتها تختلف عن كافة الدول ، و الإمبراطوريات ، المعاصرة لها ، فكرة إن العالم ، لا يحتمل أكثر من قوة واحدة ، إما روما ، و إما الأخرين . إنه الفكر الذي عبر عنه أحد القناصل الرومان بالقول : إما أن تهزم عدوك ، و إما أن تقبل مصير المهزومين .
فكرة اللا تعايش ، فكرة رفض إحترام الأخر ، فكرة إن المطلوب من الأخرين هو شيء واحد وحيد ، الخضوع .
هذه الفكرة هي التي تسيطر على الإدارة الأمريكية ، و الدوائر اليمينية المحافظة ، و الحزب الجمهوري .
لهذا سيكون من المنطقي أن يحدث التصادم ، مع الدول التي لا تقبل بذلك .
فكرة اللا تعايش الرومانية القديمة ، و ضرورة قبول العدو بمصير المهزومين المقهورين ، ستجر إلى صدام مع روسيا ، بدت معالمه ، و لاحقاً ستنضم الصين إلى الصراع ، حين تستكمل الصين نهضتها ، و تقضي على الفجوة التكنولوجية ، و حين تصبح الأسواق الأخرى ، للبضائع الصينية ، تدر عوائد مماثلة ، أو أكبر ، من العوائد التي يدرها السوق الأمريكي ، بما يجعلها تحتمل إغلاق السوق الأمريكي في وجهها .
الحرب الباردة ستتكرر ، فليست كل الدول سترضى بمصير المقهورين ، وهي ستظل حرب باردة ، و إن إختلفت بالطبع عن الحرب الباردة الأولى ، في أسبابها و تفاصيلها الدقيقة ، فهي أولاً لن ترتكز على التنافس بين نظريات سياسية - إقتصادية ، إنما بين قوى ، تريد واحدة منهن الهيمنة المطلقة ، مثلما أرادت روما الأولى ، و الأخريات ، تأبى عليهن كرامتهن ، القبول بمصير المقهورين ، و يريدن أن تظل رؤوسهن مساوية لرأس روما العصر .
أحمد محمد عبد المنعم إبراهيم حسنين الحسني بوخارست - رومانيا
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لا تنضم غزة إلى مصر ؟
-
إنهم الخوالف و الأعراب في ساعة العسرة
-
إنها ثورة الشعب المصري ، لا حزب العمل
-
ليبيا مصرية
-
إخلع محراثك اليوم ، فقد آن أوان الثورة ، آن أوان الحرية
-
إنها كنعان و ليست فلسطين ، و هم الكنعانيون ، و ليسوا فلسطيني
...
-
لنحبط معاً إقامة مؤتمر ويكيبيديا بالأسكندرية
-
روسيا تحتاجين إلى حلفاء ، فالردع النووي لا يكفي
-
إنتصار ماراثون ، إنتصار لكل الإنسانية
-
لنقيم جنازات شعبية رمزية لشهداء السادس من إبريل
-
تحية إلى محلة الثورة ، و تحية إلى كل أبطال ثورة 2008
-
التغيير سيكون مصرياً ، لا إخوانياً
-
معاً من أجل يوم و نصب المعتقل المجهول
-
لنجعل من السادس من إبريل علامة تحول ، و بداية عهد ، و عيداً
...
-
الخبز قبل المفاعلات ، يا لويس مصر
-
جريمة السويس ، لقد حدث ما حذرنا منه
-
عليك بحماية مدخراتك زمن الشدة المباركية
-
معركتك الحقيقية ليست أمام مخبز ، أو كشك لبيع الخبز
-
أختي المصرية ، الثورة هي من أجل تأكيد ذاتك كإمرأة
-
الدم المصري ليس حلال على أحد
المزيد.....
-
الملكة رانيا تهنئ الأمير هاشم بعيد ميلاده العشرين
-
انتشال 30 جثة حتى الآن لضحايا كارثة مطار ريغان في واشنطن
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف في كورسك
-
فوائد -مكملات الحمل- في تقليل مضاعفات الولادة
-
ماذا نعرف عن وحدة الظل في كتائب القسام المسؤولة عن تأمين الر
...
-
-مخاوف من سيطرة دينية على الحكم في سوريا- - جيروزاليم بوست
-
سانا: الرئيس أحمد الشرع سيلقي خطابا موجها للشعب السوري مساء
...
-
شاهد: فرحة أسرة الأسيرة أغام بيرغر بعد أن أفرجت عنها حماس
-
انهيار صخري في أعماق كاليفورنيا يكشف أسرار تكوّن القارات
-
سر -طبيب الموت- ولغز -عاصمة التوائم-!
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|