|
الشرق والغرب
صموئيل رمسيس
الحوار المتمدن-العدد: 2270 - 2008 / 5 / 3 - 07:59
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
أكدت أزمة إعادة نشر الرسوم الدانمركية أنها أزمة لا تنحصر في بعد ديني فقط كما يردد الكثيرين، بل أنها تشمل أبعاد أخري منها بعد ثقافي يتمثل في سوء الفهم المتبادل بين طرفي الأزمة الناتج عن عدم معرفة كل منهما للبنيان الثقافي والفكري للطرف للآخر، فإذا تأملنا أزمة نشر الرسوم وإعادة نشرها سنري العديد من الأمثلة التي تدل علي ذلك، فبينما يرى المسلمين أن الرسوم تمثل ازدراء لدينهم ولرسولهم ينظر الدانمركيين للرسوم علي أنها حرية تعبير، وبينما يطالب المسلمين بمقاضاة المسئولين عن الرسوم ونشرها تعتزم المكتبة الملكية الدانمركية علي شراء الرسوم الأصلية لعرضها في متحفها بإعتبارها – أى الرسوم - تاريخا مشرفا لحرية التعبير للشعب الدانمركي، وغيرها من الأمثلة التي توضح مدي سوء الفهم المتبادل. وهذه المشكلة هي مشكلة قديمة قدم الأزل، فمعظم الأزمات التي نشبت بين الشعوب جاءت وليدة عدم إدراك كل طرف لثقافة الطرف الآخر، و"معضلة الأمن" هي خير دليل علي هذا، فهي احدي نظريات العلاقات الدولية التي ترى أن العلاقات بين الدول - في ظل عدم وجود حكومة عالمية - تقوم علي الحيطة والحذر، لذلك فأمن كل دولة هو مسئوليتها أولا وأخيرا، ولذا تحاول كل دولة حماية أمنها من خلال زيادة قواتها وتسليحها، هذا في الوقت الذي ترى الدول الأخرى أن هذه الاجراءات خطرا علي أمنها، فتقوم بإجراءات مماثلة أو قد تزايد عليها، وهكذا تدور العجلة إلي الحد الذي قد يصل إلي ضربات استباقية لإجهاض أي عدوان خارجي. ولكن المشهد ليس قاتما إلي حد التشاؤم كما يتضح، فهناك محاولات تاريخية عديدة حاولت وتحاول المساهمة في إزالة سوء الفهم بين الشعوب هذا من خلال اما التعريف بالذات للآخر أو التعرف علي الآخر مما يساهم في إزالة الصور المسبقة التي نتجت عن عدم معرفة الآخر. أحدث هذه المحاولات هي تلك التي قامت بها منظمة يهودية بالولايات المتحدة الامريكية تدعي المجلس اليهودي الامريكي بإنشاء موقع اليكتروني بأسم "عن أصل اليهود" بهدف تقديم فكرة واضحة للعالم الإسلامي وللمتكلمين باللغة العربية عن الديانة اليهودية، والثقافة اليهودية، والتاريخ اليهودي، وفي الصفحة الرئيسية للموقع توجد رسالته وهي إن التوراة تعلمهم – اي اليهود - بأن الخالق تعالى خلق كلَ إنسان وأعطاه العقل كما أعطاه الحرية الكاملة في استعماله وقد أمرهم أن يحبوا أقربائهم وجيرانهم كما يحبوا أنفسهم، فتكون مهمتهم العمل على بناء علاقات مفيدة وتفاهم متبادل بينهم وبين الأديان الأخرى. قد يري البعض انها فكرة فاشلة أو أنها ستحاول تحسين صورة اليهود عبر الكذب والخداع وهذا نتاج طبيعي لعدم معرفة الاخر وخصوصا لمؤيدى نظرية المؤامرة، ولكني أري أن محاولة كهذه علي أقل تقدير سوف يكون لها أثرها في الفصل بين مصطلحات أصبحت– عند الكثيرين – مرادفات لبعضها البعض كـ (اليهود، الإسرائيليين، الصهاينة). نعود إلي قضية العلاقة بين الشرق من جهة وبين الغرب من جهة أخرى، ولا سيما عقب الأزمة الجديدة التي أثارها فلم "فتنة" الهولندي، لنستكمل حديثنا بإنه لا يمكن أن يلقي اللوم علي طرف واحد، فاللوم من نصيب الطرفين لإن كل منهما لم يحاول أن يتعرف علي الآخر معرفة حقيقية وفي المقابل لم يقدم صورته الحقيقية للآخر تاركا الآخر يبحث عنها أو تاركا المهمة لأناس قاموا بتشوية صورة شعوبهم عبر إظهار الجانب المظلم فقط، فيكفي بن لادن ليحول كل المسلمين إلي إرهابيين، ويكفي بوش ليجعلك تكره الولايات المتحدة والأمريكيين، ويكفي الظواهري ليحول كل المصريين إلي قتلة، ويكفي شارون ليحول كل الإسرائيليين إلي سفاحيين، ويكفي فيلدرز ليحول كل الهولنديين لمعادين للأسلام والمسلمين، وغيرهم من الذين ساهموا في صنع قوالب جامدة وتصورات مسبقة عند كل طرف عن الطرف الآخر. ومن هنا أعتقد ان الوقت مازال سانحا من أجل أن يقوم كل طرف بتصحيح صورته أمام الآخر، من خلال محاولات كتلك المحاولة اليهودية التي ذكرناها منذ قليل، لابد وأن يقوم كل طرف بنشر معلومات موضوعية وكاملة عنه للطرف الآخر، وفي ذات الوقت يقوم بالتعرف علي البنيان الثقافي والفكري للطرف الآخر، مما سيؤدي بالتأكيد إلي أن يعرف الجميع أن هنالك فارق شاسع بين الدين والمتدينين به، وبين الدين والفكر الديني، وبين النص والتأويل، وبين الفكرة وصاحبها، وبين السياسات الخارجية للدول وشعوبها.
#صموئيل_رمسيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تكفي المعالجات الأمنية؟
-
هل حرية التعبير تعني: فتنة والانشقاق الدينى
-
فتوى جديدة
المزيد.....
-
تعهدات مكتوبة بخط اليد.. شاهد ما وجده جنود أوكرانيون مع كوري
...
-
إيمي سمير غانم وحسن الرداد بمسلسل -عقبال عندكوا- في رمضان
-
سوريا.. أمير قطر يصل دمشق وباستقباله أحمد الشرع
-
روسيا ترفض تغيير اسم خليج المكسيك
-
عائلات الرهائن الإسرائيليين يدعون حكومتهم إلى تمديد وقف إطلا
...
-
أثر إعلان قطع المساعدات الخارجية الأمريكية، يصل مخيم الهول ف
...
-
ما الذي نعرفه حتى الآن عن تحطم طائرة في العاصمة واشنطن؟
-
العشرات من السياح يشهدون إطلاق 400 سلحفاة بحرية صغيرة في ساو
...
-
مقتل اللاجئ العراقي سلوان موميكا حارق القرآن في السويد
-
من بين الركام بمخيم جباليا.. -القسام- تفرج عن الأسيرة الإسرا
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|