|
الهيبهوب ظاهرة صوتية.. لا غير
عبد الإله بوحمالة
الحوار المتمدن-العدد: 2267 - 2008 / 4 / 30 - 08:59
المحور:
الادب والفن
ربما لن يحق لنا أن نرفض وندين أذواقا غنائية أو موسيقية تميل إليها أجيال شبابية تختلف تماما عن أجيالنا كما لا يحق لنا أن نحكم على ما يحبه أطفال وشباب لا يفكرون بمنطقنا وليست لهم هموم واهتمامات مثل همومنا، لأننا إن فعلنا ذلك سنكون بلا شك أنانيين كأسلافنا تماما حينما نحكم أذواقنا الخاصة المختلفة فيما يختاره الآخرون ويرضونه بل فيما يتفاعلون معه بحماس منقطع النظير، فللزمن كما هو معروف منطقه المتغير الذي يجعل لكل جيل أسلوبه وطريقة تفكيره ورؤيته للحياة. ومع أنه لا قياس مع وجود الفارق في ما سنستعرض إلا أنه ينبغي لنا أن نتذكر أن أم كلثوم هذه القامة العظيمة التي تتربع على عرش الأغنية العربية جاءت في يوم من الأيام لتقدم فنا اعتبر غير مقبول من وجهة نظر الأجيال التي سبقتها ونظر البعض لأغانيها نظرة رفض واستهجان، بل واتهمت في بداياتها بالاعتداء على الأغنية العربية الأصيلة.. ونفس الشيء بالنسبة لأغاني كل من فيروز واسمهام وعبد الحليم حافظ حينما اعتبرت بدورها في وقت من الأوقات خروجا مرفوضا على حرم الأغنية الكلاسيكية الرصينة التي هيمنت على الذوق العام السائد آنذاك. وفي المغرب بالتحديد كانت أغاني المجموعات (ناس الغيوان، وجيل جيلالة والمشاهب..) التي انبثقت من هامش المجتمع الفقير الكادح والتي تحمل هموم الطبقات الشعبية مثالا للجديد المختلف حينما يصطدم بالرفض والتشكيك والاستهجان فقط لأنه من إبداع شباب متحمس أو ثائر خاصة من قبل العقليات المحافظة التي توجد في كل زمان والتي ترتاح مطمئنة لما هو سائد من مدارس موسيقية وغنائية وأنماط تعبير فني...وغيرها. وإذا أخذنا الظاهرة الغيوانية وحدها كنموذج نقيس عليه سنجد أنها بالرغم من مخالفتها للذائقة الموسيقية والغنائية العامة عند ظهورها وبالرغم مما أخذ عليها آنئد من تقليد لظاهرة البيتلز التي كانت مشهورة في أوربا وأمريكا إلا أنها ظلت، مع ذلك، تتحرك في حدود مقاييس الفن والإبداع من حيث الالتزام باختيار الكلمات والألحان، بل إنها شكلت نموذجا متفردا لاحتضان الأغنية التي يصطلح عليها بالأغنية الشبابية لمخزون التراث الشعبي المهمش وإعادة إحيائه وتقديمه في قالب فني مقبول، وهو ما ضمن لها قدرة على إثبات الذات والانتشار وبالتالي الاستمرار في الزمن، الشيء الذي لا نجده حاليا فيما تجود به قريحة الظواهر الشبابية في الغناء من خلال موجات كموجة الهيبهوب والراب... لقد كانت الأغنية الغيوانية بدورها أغنية شبابية وكانت بدورها تعبر عن الغضب والرفض وتشجب الظلم والفقر والطبقية واللامساواة وتدين صناع الواقع البئيس، أي أنها كانت مشحونة بالهم السياسي إلى أبعد الحدود لكنها لم تنجرف للاستسهال والتمييع ولم تختزل هذا الغضب المشروع في كلام سوقي هابط ولا في أصوات وحشرجات مجنونة ولا في حركات متشنجة أو موسيقى حادة أقرب إلى الضجيج العشوائي وقرع المعادن. إن سر الإقبال على مثل هذه الموسيقى لا يأتي من كونها تفتح أفقا للتأمل والسلام النفسي أو تحقق نوعا من التطهر الداخلي الذي يولده ـ كما هو شأن الفن الموسيقي إجمالا ـ تظافر الصوت الجميل والموسيقى الراقية بسمو القيم الفنية والجمالية للعناصر المكونة للأغنية، ولكنه يأتي من حالة تجاوب شبه هستيري يبدأ صاعدا متعاليا منذ البداية وينشأ عن تكرار رتيب لجملة موسيقية واحدة وبسيطة مصاغة في قالب إيقاعي صاخب ومرفقة بترديد لهتافات وحركات متشنجة وغاضبة حيث تتناغم الشحنة الانفعالية التي يولدها الضجيج مع الحالة النفسية الانفعالية لفئات عمرية يافعة تعيش فترة فورانها ومراهقتها. وكما هو الشأن بالنسبة لطغيان الآلات الإيقاعية يعتمد هذا النمط من الغناء على متواليات لفظية تفتقر إلى مقومات الشعر حتى في مستواه العامي في الأغنية الشعبية المعروفة، فالكلمات عبارة عن خليط هجين متنافر من الدارجة والفرنسية وأحيانا حتى الإنجليزية.. ومضامينها مضامين خطاب سوقي مستهلك ينحدر في معظم الأحيان إلى درجات متدنية من المباشرة والإسفاف والإلقاء الدرامي العنيف. ولا شك أن ظاهرة صوتية من هذا القبيل ستنفي فيها عوامل الصخب والضجيج الإيقاعي العالي وطفوح كلمات الأغنية بمعاني وإيحاءات جنسية أو بذيئة أي أثر إيجابي يمكن أن ينعكس على الأحاسيس والمشاعر في اتجاه السمو بها نحو الأفضل، ولا شك أنها أيضا ستفتح في المقابل المجال لإظهار كل التعابير والسلوكات المكبوتة حيث تقترب في ذلك من الأثر الذي تحدثه عادة المخدرات والكحول على الدماغ من حالة شلل أو قصور عن التركيز علاوة على اختلالات كثيرة قد تحدث على مستوى نبضات القلب وعلى مجرى الدورة الدموية كما تشير إلى ذلك الدراسات الطبية. ويظهر التأثير السلبي لهذا النوع من الغناء على فئة تلاميذ المدارس والمؤسسات التعليمية خاصة أولئك الذين يدمنون الاستماع لأغاني الهيبهوب والراب والميطال ويكثرون من استعمال سماعات الأذن. كما تظهر سلبياتها بشكل أكبر في السهرات الفنية والحفلات العامة أو في ملاعب كرة القدم حيث نلاحظ أن هذه الموسيقى تشكل خلفية مهيجة وعادة ما تؤجج انفعالات الغضب والرغبة في التدمير والاعتداء وهو ما أصبح يشعل فتيل أعمال شغب خطيرة تحدث بين المراهقين والشباب وتتحول أحيانا إلى مشاداة عنيفة مع رجال الأمن.
#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبا الخيزران.. إنهم يطرقون الجدران فعلا (!)
-
أبا الخيزران.. هاهم يطرقون الجدران فعلا (!)
-
جرح العنوسة.. الطوق والأسئلة
-
اللغة والمعنى.. القوالب التي تحكمنا
-
القضية تهمنا أيضا
-
الجار والمجرور والنكرة والمعرفة: درس في قواعد الاستوزار
-
موسم الهجرة نحو الوسط
-
في الحاجة إلى معارضة حزبية قوية
-
ملاحظات على هامش انتخابات سبتمبر
-
البذور المنتقاة لديمقراطية بوش
-
الانتخابات والأمية بالمغرب: -إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب-(
...
-
التعليم في المغرب: صانع السم لا يذوقه
-
تعديل الدستور: نحو حكومات تحكم وتحاسَب
-
السباق نحو تدبير الأزمة
-
باتش وورك
-
وعي العزوف السياسي
-
زبانية الجنة
-
الحكومة التي ننتظر
-
الحملة الانتخابية: فعل ديمقراطي بأدوات تواصلية
-
محاربة الفساد تبدأ من أعلى
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|