اللقلق

شهاب رستم

الحوار المتمدن-العدد: 2218 - 2008 / 3 / 12 - 09:56
المحور: الادب والفن
    

قصة قصيرة
الحرب الكونية الثانية كانت على وشك الانتهاء، كثيرون يلبسون البزات العسكرية ، ثم اختلاف فيما بينهم ، فهذا موميائي البشرة وذاك ابيض البشرة والثالث اسود وهذا يلبس عمامة الراجا الهندي .
احمد الصبي الوديع لم يتجاوز العاشرة من العمر ، أهله لم يرسلوه الى المدرسة ،والده كان يريده أن يتعلم مهنة الحدادة .
لذلك كان يصطحبه معه الى للدكان أو العمل عند الانكـليز. ربما يتعلم المهنة ويصبح اسطة بحق وحقيقي ، الدنيا غدارة لا رحمة فيها .
فليعتمد الولد على كسب قوته بذراعه .
الجنود يسيطرون على كل شيء في المدينة .
شركة النفط تحت سيطرة الانكليز ، رجال المدينة يعملون عندهم ، الغريب اصبح مالك الخيرات واهل المدينة غرباء في مدينتهم .
اجراء عندهم يأخذون اليومية من المالك الغريب .
احمد الطفل الصغير، كان يحلم ، عندما يعود الى البيت من الدكان ، يجلس منزويا ، لا يكلم احد ، ولا يلعب مع الاطفال .
الدكة المبنية من اللبن في الطابق العلوي كانت مكانه المفضل، يجلس عليها ، ياكل طعامه ايضا على الدكة .
سألته اخته الكبيرة
مالك احمد ؟
قال ... لماذ ؟
الاخت ماذا قلت ؟
لماذا .. لا يبني اللقلق عشه على سطح بيتنا ؟ ، لماذا لا نرى اللقلق ؟
انا احب اللقلق .
المدينة مكتظة باغراب يلبسون البزات العسكرية ، الاسواق ، المحلات فارغة من المواد ، القصاب ما عاد يعلق الذبيحة امام دكانه وينتظر المشترية من اهل المدينة .فهناك من ياتي في الصباح الباكر ويشتري كل اللحم بالجملة ، دكاكين البقالة لم تعد لديها الكثر من الخضار للفقراء من اهل المدينة ، بل وحتى للاغنياء منهم .
قنينة الخمر كان الصديق الحميم لأبو احمد وجوقـته ، يجتمعون في نهابة كل اسبوع في البستان ، يتبادلون الانخاب ، يغنون ، يتحدثون عن كل شيء ، فصديق الكأس لا يخون صديقه ، وطاووس العجمية ترقص لهم مقابل مبلغ زهيد . ولكنها لم تاتي هذا الاسبوع ، ما الامر !! ؟
رلما دفع لها الانكليز مبلغا اكبر ، ولم لا وهم يسيطرون على كنوز البلد .
الانكليزي جورج يسلم عليهم بحرارة في الطرقات .
انه لا يعرفهم ولم يكونوا من الذين يعملون لديه .
احمد يرجو اخته ان تشتري له لقلقا فيدفع لها يوميته لذلك ، اخ لو ان اللقلق يبني عشه فوق بيتنا ن لو يبني عشه على التنور ، لا عندما تشعل امي التنور يحترق اللقلق ، الافضل ان يبني عشه في تلك الزاوية البعيدة .. لا .. هناك الاطفال يرمونه بالحجارة فيكسرون جناحه او رجله ، احمد منشغل ببيت اللقلق ,,,,وووو
جورج يسأل عن ابو احمد وجوقته ، اين يجلسون نهاية الاسبوع و ماذا يفعلون
، ماذا يشربون ، .....ووووو
يتأخر ابو احمد عن الركب هذا الاسبوع بسبب امر هام في العمل ، جورج يحمل قنينتين ويسكي اسكتلندي ، وهو يذهب الى البستان ، حيث يجلس ابو احمد والجوقة لاحتساء الخمر ، يجلس مع الجالسين ن الجميع يستغرب لحظور هذا الضيف الثقيل ، كل ينظرؤ لصاحبه ... من استضافه ؟
ربما ابو احمد ... ولكن لماذا ؟
عندما ياتي ابواحمد سنعلم ذلك .
ويأتي ابو احمد والربعية في جيبه ، والتعب هد حيله ، يسير وكأنه يحمل ثقلا على ظهره ، ينظر الى جورج ... باستغراب !
يسأل بغضب شديد
من استضاف هذا الخنزير ؟
خليل ألم تستضيفه انت ؟
ابو احمد ... أنا ، ولماذ استضيف خنزيرا
ابو محيسن ، دعه الان لننتظر ماذا وراءه ، ثم انه جلب معه مشروبه معه ، فلن يثقل علينا كثيرا".
الكؤوس تمتليء وتفرغ في الاحشاء ـ وكلمات باردة تتسرب من الافواة ، كل شيء بارد ، من الكلام وعدم حضور طاووس للمرة الثانية .
ابو محيسن .. كم يدفعون لها لتبتعد عنا ؟
يا لها من .... نست الخبز والملح
ابو احمد ، ها .. ماذا تقول انت ... خبز وملح مع طاووس ؟
ولكن الذي يشغلني يا ناس هذا الرجل .. الطير الغريب ... والله انه يخفي شيئا وراء مجيئه .
ابو شكر .. كم انت شكاك يا ابو احمد
الرجل يحب مجلسنا ويريد ان يشرب معنا .
ابو احمد .. هه هه .. يحب يشرب معنا .. ولماذا لا يشرب في النادي الذي بنوه لهم خصيصا ، حديقة الرياحين واحواض من الماء فيها اسماك ملونة . حمراء وصفراء .. لم نرى منها ابدا ... هه
يحب يشرب معنا ... ليس هناك دخان بلا نار
جورج يوزع الويسكي على الجميع ، اشربوا .. تفضلوا ، الخير كثير ، تذوقوا العرق الانكليزي ، اشرب ابو اخمد .. اشرب
اني ابو احمد ولست ابو اخمد
ماكو فرق ، اخمد احمد كله يك حساب
نعم عندكم بالتأكيد كلنا يك حساب
جورج ابو اخمد ( افوا ) عفوا ابو اهمد اصبي ( عصبي ) كلش اهواية.
اشرب .. عرق انكليز اهواية
ثم يؤكد .. عرق مال احنه مو طيب ؟
خليل طيب .. بس مو شربنة افندي
ليش مو شربك ؟
لانه غالي .. واحنه ما عدنة
جورج بسطة ، اني ادبر لكم شغل بسيط وتربحون فلوس كتير من ورا.
وتشربون عرق مال انكليز.
ابو أحمد غاضبا .. مستاء .. وشنو الشغل مولانة .. هيج بسيط وبيها فلوس بلاوي ؟
جورج بسيطة ... كل يوم يجي الواحد منكم الي ، بعد الظهر ويكول شنو شاف بالمدينة ، احنة نعطي راتب شهري ن مثلا 70 او 80 دينار .
ينهض ابو احمد .. ثائرا" .. يمد يده تحت سترته فيخرج مسدسا ويصوبه على رأس جورج .
اتريدنه نتجسسس على اهلنا با ابن الكلب !!!!!!!!
جورج لا يتفوه بكلمة ، ينهض وينسحب من الجلسة ، ولكنه يختفي عن الانظار ولا يشاهده احد في المدينة ( يذهب الى بغداد سرا )
يسمع الجوقة عن ذهابه الى بغداد ، يخافون على ابو احمد .
ابو احمد والله اللي يصير خلي يصير ، بس اني ما اتجسس على اهلي
ابو رشيد .. يا ابواحمد منو يقبل .. يتجسس الا الـــــٍٍٍســــــــــــــ ....
خليل .. خوش اوادم اهواية
اللقالق تظهر .. احمد يصرخ باعلى صوته على اخته .. تعالي
انظري هناك لقلق .. وذاك البيت العالي اللي يسمونه بيت القلعة ، بنى اللقلق عشه هناك ، والآخر بنى عشه في الصوب الصغير من المدينة ، ولقلق آخر بنى عشه على سطح المسجد .
لم يشاهد احد جورج منذ اسبوع ، ازداد خوف الجوقة على ابو احمد .
ولكن ما العمل ؟
ظهر جورج في المدينة ،ولم يقترب من ابو احمد وجوقته .
ولم يتحرش بهم مرة اخرى .
استمر ابو احمد و الجوقة على جلساتهم الاسبوعية في البستان ، ابو احمد ابن الشدائد لا يخاف الموت من اجل الخير ، كلا والف كلا .
وطاووس عادت لترقص من جديد ، بعد غياب طويل ، لسبب او لآخر ولكنها قالت انها سافرت لزياره اهلها ، بل زيارة امها المريضة ، قالت الا يحق لي زيارة اهلي ؟
هل صرتم مثل الانكليز لا تريدون اعطاء الاجازات للناس .
شوهد جورج يجالس الملالي ورجال الدين خفية .
عندما سأل ذات مرة لماذا يجالسهم ، اجاب لقد كنت مخطئا باختياري شرابة العرق للمهمة ، انهم يسكرون ولكنهم لا يبعون اسرارهم .
ورحلت اللقالق من جديد ورحل الجيوش ، وانتهت الحرب .
وطرد جورج من المدينة .

#شهاب_رستم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات