|
الإنسان أخطر من أيّ حيوان مفترس على وجه الدُّنيا
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2217 - 2008 / 3 / 11 - 11:22
المحور:
الادب والفن
الإنسان أخطر من أيّ حيوان مفترس على وجه الدُّنيا إلى الصَّديق العزيز صبحي درويش
أيُّها الغائص في وهاد المعرفة، نابشاً نفائس طيّبة من قاع الذاكرة المتناثرة في وجدان مكلَّل بنضارة الرَّبيع، كمَن يبحث عن فسحة مفعمة بهواء عليل وسط عواصف مغبرّة، ليقدِّم رؤية إنسانية راقية في هذا الزَّمن اللاهث خلف سياسات مشرشرة بالعفونات المادّية، بأنياب معفَّرة بالدم، دامجاً رؤاك السَّمحة، انفتاحك المنساب نحو قيم العدالة والخير والسَّلام والمحبَّة، كأنكَ صديق الأطفال ومنكسري القلوب، وصديق فقراء وكادحي هذا العالم!
أراك تبحث عمّا يحتاجه الإنسان من قيم نبيلة حضارية، جانحة نحو رفاهية واستقرار حياة المرء، في عالم تسوده حرية مقرونة بعطاء غير مشروط إلا بقيم إنسانية وارفة تحت ظلال تليق بنا كبشر، بعيداً عن الاضطهاد والظلم والحروب التي دمَّرت وخلخلت إنسانية الكثير من البشر، تريد أن تعيد للإنسان إنسانيته الراقية.
نحنُ نحتاج يا صديقي إلى إنسان عاقل وعادل وحكيم، حكيم إلى أقصى درجات الحكمة، يسخِّر جلّ رؤاه وتطلُّعاته لنشر قيم الخير والمحبة والعدالة والحرية والمساواة، بعيداً عن سياسات آخر زمن، سياسات قابعة فوق رقاب البشر، تُحْكِم عليهم الخناق وكأننا في عصر الظلمات، تسبغ تطلُّعاتهم ورؤاهم بالأغلال، وتجرِّدهم من الفردانية الخلاقة، هذه الفردانية التي تسعى وتهدف إلى فتح مسارات الحياة نحو آفاق التحضُّر والتواصل بين البشر ضمن إيقاع إنساني راقي بعيد كل البعد عن الخلافات والحروب والرؤى السقيمة التي تصبُّ في دمار الكثير ممَّا حقَّقه الإنسان عبر مسيرته على هذا الكوكب المهدَّد بحروب وصراعات لا تليق بشرائع الغاب ولا بالوحوش الضَّارية، فكيف ستليق بالبشر، هذا الكائن ـ الذي على الأساس ـ أنه مخلوق سامي، وسموّه ينطلق من كونه يملك عقلاً، وهو بحسب ما جاء في الأديان أنه مخلوق على صورة الله، ما هذا الكائن المخلوق على صورة الله وهو أكثر ضراوة من الضِّباع والذِّئاب في نهش بني جنسه على امتداد كل العصور، فكيف لو كان على صورة الشَّيطان؟!!!
أتساءل، هل فعلاً أنَّ الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله، ما هذه الصورة المهترئة التي أراها تلطّخ سمعته كمخلوق من نسمة الله، وعلى صورة الله؟! كيف يسمح الله لهذا المخلوق الذي خلقه على صورته ومثاله، أن يدنِّس الصورة التي خلقها الله؟ لماذا لا يضع الله حدّاً لهذا الإنسان ـ الرعديد، الذي خرج عن مثالية وعدالة السَّماء؟ تراودني أسئلة ورؤى ممكن أن نصيغ منها حوارات مفتوحة ونكتب مجلدات عن هذا التنافر الكبير من جانب الإنسان عمَّا هو عليه ككائن سامي ونبيل، أين سموّه ونبله من كلِّ هذا الدَّمار والخراب الذي أراه ينشره على وجه الدُّنيا؟!
بدأت اغتاظ جداً من التراخي الكبير من جانب مبدعي ومفكّري وفنَّاني وحكماء هذا العالم على مختلف صنوفهم ومشاربهم ووجودهم، بأن يتركوا سياسيي هذا الزَّمان على حلِّ شعرهم، لماذا لا يتم إطاحة أغلب سياسيي وسياسات هذا العالم المجوَّف بالخراب والدِّماء، سياسات تدنِّس دماثة الإنسان ورؤية الإنسان ومعايير الإنسان، حيث يبدو واضحاً كيفية زجِّ الإنسان لأخيه الإنسان في بُؤَرٍ قميئة لا تناسب تجلِّيات الإنسان العاقل الحكيم؟! أين منّا من معايير العدالة والمساواة والسَّلام والمحبَّة والحضارة والسمُّو؟ إنني أرى أن سياسات هذا الزَّمان وقبل هذا الزَّمان وخلال أزمنة قادمة وغابرة في القدم، تفتك بالإنسان أكثر ممَّا تفتك الثعالب والضباع والذئاب بعضها بعضاً، ولم أجد في حياتي ولم أسمع في حياتي ذئباً قتل ذئباً من نفس الفصيل، ولا ضبعاً قتل ضبعاًً من نفس الفصيل، فجُلّ ما يطمح إليه الذئب، هذا الوحش الضَّاري هو الحصول على غزالة برِّية، يصطادها كي يسدَّ جوعه، حفاظاً على البقاء، لكنه لا يقتل ذئباً من بني جنسه وفصيله حتّى ولو ماتَ جوعاً، تخيَّل! حتى الوحوش المفترسة ليست مفترسة مثل الإنسان، لأن الإنسان أثبت افتراسه لبني جنسه أكثر من أي حيوان ضاري على وجه الدُّنيا!
لهذا أرى من الضرورة بمكان، إعادة النَّظر في سياسات العالم على مرِّ التاريخ البشري، وإعادة صياغة سياسات جديدة تليق بإنسانية الإنسان، بما يليق حكمته ونبله وعقله، لا أن نترك هذا الإنسان المتوحِّش يسير في غيّه، إلى أجلٍ مفتوح، فقد آن الأوان أن نضعَ حدّاً لمهاترات الكثير من سياسيي وسياسات هذا العالم، ونعيد صياغة رؤى انسانية الإنسان، بطريقةٍ تليق بأبجديات العيش في حالة سلام ووئام على هذا الكوكب المتأرجح على كفِّ عفريت، كي نصنع حضارة مكلَّلة بالوئام بين البشر، ونضع حدّاً لهذه الشرور المتفشّية في أركان المعمورة، ويدهشني جدّاً كيف كل هذه التقينات ووسائل وسبل التطوير والتواصل متوفرة بين البشر، ومع هذا ما يزال الإنسان بعيد كل البعد عن هدفه الأسمى الذي يليق به كإنسان، خيّر وعادل وسامي، فمتى سيفهم المرء، أن حياته على الأرض مجرد رحلة عابرة، تنتظره حفرة صغيرة وقليلاً من الخشب، لينام نوماً عميقاً تحت كومة من التراب، فلماذا لا يتّعظ من تاريخه الحالك، كي يرقدَ بسلام تاركاً خلفه سلامه وعدالته ومحبته مرفرفة فوقَ كومة التراب، كي يأتي عناق التراب منساباً ولائقاً بأصلهِ التُّراب؟!
ستوكهولم: 11 ـ 2 ـ 2008 صبري يوسف كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم [email protected]
www.sabriyousef.com
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنشودة الحياة ج8 ص 747
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 746
-
سركون بولص في مآقي الشعراء
-
سركون بولص من نكهةِ المطر
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 745
-
أنشودة الحياة ج 7 ص 744
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 743
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 742
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 741
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 740
-
أنشودة الحياة ج8 ص 739
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 738
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 737
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 736
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 835
-
أنشودة الحياة ج 7 ص 734
-
أنشودة الحياة ج 7 ص 733
-
أنشودة الحياة ج 7 ص 732
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 731
-
أنشودة الحياة ج8 ص 730
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|