|
رسالة من موسكو: إلى الغالية دانا،
محمد نبيل
الحوار المتمدن-العدد: 2158 - 2008 / 1 / 12 - 08:33
المحور:
الادب والفن
أعتذر عن جوابي المتأخر على رسالتك الموجعة التي وصلتني في زمن لا أتوقعه. حروفك وأسئلتك المحملة بنار الشوق قهرتني، وأعاقت السبل التي تقودني إلى قلمي وأوراقي القديمة. كنت أرغب في وضع هذا الرد على الورقة، قبل أن تحتضر أفكاري أو تنتحر تحت ضغط النسيان. تساؤلاتك عن عشقي لصمت القبور، أضاعت عني فرصا عديدة. وأنت تكتبين هذا الخطاب، لم يخطر على بالك أنك تتحدثين عني بصيغة المتكلم. إنهم لم يذبحوا أمالنا، ولم يحطموا أحلامنا التي بنتها براءتنا أو غباءنا، إنهم زادوا في أنوارنا وأشعلوا نيران تحرقهم. لن يستطيعوا قتل آمالنا التي لها أجنحة تطير في كل مكان ، فالزهرة وإن ذبلت واعتقدنا أنها ماتت، فعندما تمطر السماء، فإنها تبعث من جديد من جذورها، في حلة فريدة ، فندرك أنها لم تمت بل بقيت متشبة بالحياة. أنسيت طائر الفينيق كيف ينبعث من رماده مهما مات وقتل واعتقد الناس أنه راح للأبد؟ صحيح جدا، أن الذي يحول مجرى المياه، لم يستطع الوصول للنبع، ومن يحطم الجبال فلأنه لم يستطع صعوده. لا تيأسي فحتى إن نجحوا وأقفلوا هذه الثقوب الدائرية التي بدأت تنتشر في جميع زوايا بيوتنا ، فالنور في داخلنا... عباراتك رائعة و مستفزة في آن واحد، تذكرني بلحظات كنت أحفر في التراب حتى أكتب اسمي و ألعب بالحجر، قبل أن ألعب مع القطط. كانت قطتي هي رمز الرقة، لكن اغتالها المجرمون في صبيحة يوم ممطر. كان ذلك، قبل أن ينكحها المتسكعون ويحولونها إلى جثة مجهولة. إنها لعنة القضيب تطارد بعض الآدميين. لماذا تجعلينني أقرأ رسائلك مرات عديدة دون أن أجد النهاية ؟ أحيانا، أقرأ حتى تلك الرائحة الساحرة التي ترافق أوراقك. اشتقت إلى هذا النوع من الروائح، في مكان يشبه الوطن، ليس فيه كائنات ليلية تخاف أشعة النهار. أنت تعرفين أنني كائن ليلي في غرفة كلها أضواء، وحدودها معروفة، أما مصابيحها فمعطلة و غير قادرة على الكلام. كائناتها مجهولة الإسم و الهوية، يرقصون من شدة الضحك ، يبكون من فرط السهر. أسمائهم تتغير كل ثانية ، و أجسادهم أعياها الانبطاح . لقد ملوا من النظر إلي . لقد وجدوني قبيحا للغاية. لا ألعق ثيابي و لا أنهش لحمي، و أصمت حتى كدت أقتلهم. عزيزتي دانا ، لا أريد أن أكون متهما بالقتل أو إنسانا ينهي حياته مجرما. لا أخفيك أن كتبك التي يبعثها لي صديقنا العزيز حليم، قرأتها كلها. من تاريخ و فلسفة مرورا بالسينما والفن. كان لدي وقت كافي للقراءة، لأنني لم أجد من أخاطبه، وأحكي له عن حكايات قتل المعاني، واغتيال الكلمات في مشرحة سموها فضاء التحكم. إنهم يتحكمون فقط في الرقاب والألسن الخرساء. يا له من عالم يلبس فيه البيَّاع ثوب كائن ورقي، يحب إصدار الأوامر، و كأن كل الأوراق متشابهة. ضحك يشبه البكاء، في زمن الطاعون، وفقدان كل شيء إلا نزعة المهزوم، المنبهر بصوته... أشكرك على تلك الرسوم الموحية . لقد استمتعت ببورتريه جميل، وأنا أشهر قلمي في الهواء. إبداع شقي يرسم وجوها كلها محفورة. أخبرك أنه لا أحد يريد أن يواجه نفسه. ذهبوا كلهم إلى المرحاض ،وبقي حمدان يقرأ الفاتحة ويصلي في صمت. أما علوان ، فانزوى قرب الرئيس، وهمس في أذنه بصوت فيه نسمة الخوف : ـ سيدي، اسمح لي أن أذهب إلى المرحاض لألحق بزملائي. لقد جاءت الفرصة كي أتقيأ مثلهم الرصاص... نظر الرئيس يمينا وشمالا و رد عليه : ـ أسرع حتى لا يراك أحدهم ويعتقد أنك تشرب أو تأكل في تلك المراحيض النظيفة جدا... الخوف المريع كان يمزق سحنات وجوههم. أطيافهم كالخنازير، و أصابعهم أصبحت ألعوبة في أيادي صاحبنا، المعروف بمحفظته المليئة بكل أنواع بخور الموت. الغالية دانا، لماذا تسألين كل مرة عن أيمن ؟ لقد رحل عنا منذ سنوات .لقد بعث بخطاب إلى أبو جهل، يحثه على النوم قليلا و النظر من شرفته كثيرا. لقد وضًّح بما فيه الكفاية كيف أن مشاهدة منظر إنسان يتحرك كآلة تحمل معطفا، يوحي بأشياء عديدة... أيمن لم يترك الفرصة تضيع ، كي يلح كعادته على قراءة كل الرسومات المنقوشة على أسوار المدينة ،وحتى الموجودة في خيال شيوخ المدينة . سأعود إليك يوم تنتصر الفراشات على المجانين. أما هنا وهناك ... كلهم واقفون، أصواتهم صماء ،و أجسادهم مكدسة كصناديق الخضر، تنتظر من يُخلِّصها من ركامات الثلوج السوداء . ابتعدي عن كل الغرف الكئيبة التي عشَّش فيها الألم، ونامي قليلا قبل أن يأتي مساء عشاق الحياة.
سلامي الحار إلى كل أصدقائنا الموجودين وراء القضبان، و بلغي رسالتي إلى رفاقهم : ـ أيها الراقدون تحت الأشجار الميتة، انهضوا وترقبوا لحظات التحرر.
ألف تحية من عزيزك ، المغترب دوما : محمد نبيل
[email protected]محمد نبيل صحافي وكاتب مقيم بين برلين وموسكو
#محمد_نبيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة من موسكو : عندما قرر خُرْمَة العودة إلى جهلموت
-
سؤال الصحافة
-
هنا موسكو : الراحلة
-
هنا موسكو : كيف نحلم بصوفيا ؟
-
هنا موسكو :العمر مجرد كلمة !
-
متاهات الحب
-
على هامش الملاحقات القضائية ضد صحافيي -الوطن الآن :
...
-
طنجة تتغير....طنجة تختنق
-
مقدسات ألمانية
-
هل ما زال التغيير ممكنا في المغرب ؟
-
سيدي علي وحكاية زواج الرجال بالمغرب
-
مأزق الجاليات الإسلامية بألمانيا
-
الراب و الحجاب وأشياء أخرى
-
في حوار مع نائب رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد عزام
-
كيف يدفن الموتى العرب بالمقابر الألمانية ؟
-
اللاجئات العربيات بألمانيا و حكاية الخوف من المجهول
-
علي الضاحك
-
عندما تحب كلاوديا
-
حلاق للكلاب فقط
-
حفار القبور
المزيد.....
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|