أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - على جفن البنفسج يولد قوس قزح














المزيد.....

على جفن البنفسج يولد قوس قزح


نبال شمس

الحوار المتمدن-العدد: 2144 - 2007 / 12 / 29 - 10:30
المحور: الادب والفن
    


على جفن البنفسج يموت الانتظار ويولد قوس قزح في فجر ماطر جديد, وعلى صدر القمر يحترق العمر وما القمر والعمر سوى سيمفونيات صامتة لايقاعات كلها من صخب.
هناك رقد على أمل بأن يستفيق يوما ليعود ويتحسس ألوانه وألعابه وأوراقه او ربما اجهزته التي تساعده على السير او التنفس او الحياة.
رقد على أمل أن يعود ليصرخ صرخته الاولى من جديد. تلك الصرخة التي تعلن له الحياة وما هي سوى سكرات تخرخ من فاه مغلق وعيون شبه مفتوحة.
كنت أتساءل هل هو فعلا لا يشعر بوجودنا حوله, هل لا يشعر بوجود بقية الاطفال؟ صراخهم وبكائهم وفرحهم وغضبهم وأصواتهم العالية؟
اخر مرة مررت من جانبه مع ممرضته قالت لي:" لم يبق له سوى أيام معدودة في هذه الحياة, فحالته الصحية من السيء الى ألاسوأ".
هذه هي سكرات الموت, فهو يعاني من سكرات الموت وأنا كلما مررت من جانبه عانيت من سكرات الحياة. استطعت النظر اليه كثيرا فشكله كان مقبولا جدا, هو جميل الطلعة رغم ضعف جسمه, فبدا للناظر اليه كأنه نائما نوما هادئا لكن أحدا لا يعلم بماذا تمر أعضائه الداخلية من أمراض وفايروسات تنهش بجسمة وتشرب من دمه فلم يعد بأستطاعة الاطباء مقاومة اي فايروس او جرثومة, فهل جسده هو القوي؟ أم روحه تلك التي ما زالت متمسكة بذلك الجسدالصغير, فكيف لجسد صغير كجسده ان يتسع لكل تلك المعاناة والامراض؟ لكنه لا يشعر بشيء فهو شبه ميت أو ربما شبه حي في العالم الاخر.
رقدته كانت وهو في عمر ثلاثة سنوات, ومنذ ذلك الحين بقي على حاله غير معروف اذ كان يصارع المرض أم أن الأمراض تصارع جسده الصغير.
في البداية كان لا يفارق فكري, كنت أفكر به ليلا ونهارا, لكن مع مرور الوقت تعودت على الحال كسائر الموجودين في المكان. تعودت ان اراه وانظر اليه واتحدث عن مشكلته .
الاسّرة في المكان قليلة فالمكان ليس مستشفى أو مصحة عقلية, بل مدرسة علاجية لكن نادرا ما أتى طفلا بهذا العجز الى هنا. الاطفال من حوله كانت تلعب وتصرخ وتبكي بأصوات مختلفة وهو مكانه لا ندري اذا كان يشعر بشيء من هذه الضوضاء, او ربما يعلمها لكنه لا يستطيع الاستجابة لشيء منها. الاطفال من حوله لا يشفقون عليه فأجهزتهم العصبية غير مهيئة للشفقة أو المساعدة, لكن أحدا منهم لم يقترب اليه ولم يؤذه, فقط طفلة واحدة بعمر ستة سنوات كانت تقترب اليه خلال ساعات النهار تنظر اليه مليا دون ان تفعل شيئا وعندما كانت تمل كان ذلك يبدو على تقاسيم وجهها, فتعود الى مكانها والعابها وعالمها الصغير.
هذه الطفلة اسمها دانييلا, لا تجيد سوى التأمل والبكاء, نادرا ما كنا نراها فرحة فحتى عن فرحها كانت تعبر بالبكاء وأحيانا بعدم السيطرة على تصرفاتها بالحركة الزائدة من القفز والنط في ارجاء الغرفة.
دانييلا طفلة جميلة جدا لكن هل سيبقى جمالها هذا أم انه سوف يفنى مع تقدم دانييلا بالسن, لست أدري سوى ان دانييلا اتت الينا جميلة وسوف تبقى جميلة, ففي عيون دانييلا رأيت زرقة السماء وعلوها.
دانييلا جعلتني اعود اليه يوميا فهذا الطفل علمني الكثير عن العالم الاخر, علمني كيف اتحدث عن الموت وكيف لا اهاب الموت. علمني ان الموت هو نعمة للبشرية, علمني ان الموت نور وسماء تنعتق فيها الروح وتحلق الى الفضاء, علمني كيف اعود للفلاسفة اللذين كتبوا عن الموت وأقرأ ما كتبوا. هذا الطفل علمني كيف أقترب لبقية الأطفال في المكان واحضنهم وأقبلهم رغم ما يخرج من ثغورهم من زبد ومن أفواهم المفتوحة بعض الحروف غير المفهومة, فما هذا الزبد سوى مد وجزر معاناة سجينة لا تخرج ولا احدا من هذا العالم يراها أو يعلم عنها شيئا سوى القلائل فيه.
هذا الزبد هو خلاصة صراعات يومية لا يجيدون الكلام عنها أو بثها على الورق.
أتساءل أحيانا عن عالمهم ما هو هذا العالم وهل به اي فرح, كيف يفكرون وكيف يفرحون؟ ماذا تقول عيونهم وماذا يحدّث صمتهم, لكنهم مثلنا يفرحون ويشعرون, انا متأكدة من ذلك دانييلا قالت لي ذلك بعيونها, فعيونهم تقول اشياءا كثيرة جدا, نعم تقول, اسمعها أحيانا وأشعر بها, أقرأها وأحيانا أكتبها وأحيانا اتعلم عنها الكثير لكني افقد طريقة التعبير على فهمها فأشعر اني مثلهم عاجزة عن التعبير عما يقولون او يفكرون بل انه ذلك الشعور الروحي او الارتباط الروحي ما بيني وبين هذا العالم الطاهر الذي يجيد الصمت ببراعة, فأن تشعر بطفل أو بانسان يعني انك تكلمه, يعني انك تقص اليه شيئا ما, وهو ايضا يقص لك الكثير من الاشياء, يقص لك عن مشاعره وعن مأساته ومعاناته, لذا أنا أسمعهم يتكلمون لغتهم الغير محكيه لغة الصمت التي تعلمتها, لغة الصمت التي أيقظت حبري وحروفي ومعاناتي في الولوج الى خفايا هذا العالم الرائع ,الساحر والابيض.
لغة صمتهم وزبدهم الذي يسيل على أناملي دون ان البس واقيا كل ذلك ربطني بهم وجعلني أحبهم.
اليوم عدت اليهم بعد غياب دام ايام معدودة عدت اليهم وكلي شوق لضمهم. وصلت السرير , لم يكن فارغا بل كانت به طفلة اتت حديثا الينا ومن فوق السرير علقت صورته وعلق صمته وبرودة جسده. ايقنت في داخلي ما أيقنت رحل نائما عن هذا العالم. رحل دون أن يشعر عانى دون أن يتفوه. تألم دون أن يصرخ اتى بصمت وانعتق بصمت. نظرت الى الاطفال فكانوا لا زالوا على حالهم كل شخص في عالمه نظرت الى دانييلا نظرت في عيونها وانتظرت اقترابها الى السرير لكني فوجئت انها اتتني بالزهري والاحمر والاصفر لنلون سوية قوس قزح.



#نبال_شمس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيَا ليلى...
- نهر النور
- تناثر
- عبور نحو الشتات
- تَ..ج..ل..ل..ي
- نحو الأمس البعيد
- حُرُوفٌ غَجَرِيَّةٌ
- اللاَّزَوَرْد
- سرير ورقم (12)
- كأنه عبور
- سَرْمَديَّة قَمْرٍ مُعَتَّقْ
- أَزِيْزٌ صَامِت
- سر الذئبة
- المتنبي وألكترا المغايرة في تجاوز الاسطورة 2
- محاولات اعتكاف 2
- محاولات اعتكاف: هو الفيلسوف الراحل كمال جنبلاط أمدّني بكلم ...
- امرأة لا تعرف التقشف
- المتنبي والكترا المغايرة في تجاوز الاسطورة
- الكاتبة نبال شمس في حوار خاص مع جريدة الحياة الثقافية
- ماري والحجاج بن يوسف الثقفي... علاقة تبحث عن إثبات


المزيد.....




- وزير الثقافة التركي: يجب تحويل غوبكلي تبه الأثرية إلى علامة ...
- فيلم -استنساخ-.. غياب المنطق والهلع من الذكاء الاصطناعي
- بردية إدوين سميث.. الجراحة بعين العقل في مصر القديمة
- اليمن يسترد قطعة أثرية عمرها أكثر من ألفي عام
- -قره غوز.. الخروج من الظل-.. افتتاح معرض دمى المسرح التركي ف ...
- لقطات -مؤلمة- من داخل منزل جين هاكمان وزوجته وتفاصيل مثيرة ح ...
- من السعودية إلى غزة.. قصة ’فنانة غزية’ تروي معاناة شعبها بري ...
- سفير روسيا في واشنطن: الثقافة يجب أن تصبح جسرا بين الدول
- شطب سلاف فواخرجي من نقابة الفنانين السوريين -لإنكارها الجرائ ...
- -لإنكار الجرائم الأسدية-.. نقابة الفنانين تشطب سلاف فواخرجي ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - على جفن البنفسج يولد قوس قزح