أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2031 - 2007 / 9 / 7 - 05:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
هناك مهن ذهنية شاقة لا يدري أحد بمدى مشقتها، و من تلك المهن مهنة كتاب السلطة، من العاملين في صحافة السلطة، المطبوعة و الإلكترونية، و لا أعني هنا المراسلين من نقله الأخبار المحلية و الإقليمية و العالمية، من تلك الطائفة التي تتعامل مع الأخبار بحيادية تامة، أو على الأقل تتعامل مع الأخبار و الأحداث غير المؤذية كالمعلقين الرياضيين، إنما أعني أولئك الذين عليهم أن يخدعوا الشعب، ليس لمرة أو مرتين، بل لمدة وصلت لبعض من هؤلاء إلى ما هو أكثر من الربع قرن، حيث إمتدت خدماتهم للسلطة السابقة على السلطة الحالية.
مهنة هذا الصنف من الكتاب مهنة شاقة، و ليس كما يتصور البعض، إنهم مثل الشخص الذي يريد أن يقنع فرد ما، لمدة طويلة أن ماء المجرور الذي يتجرعه غصباً ليس إلا ماء عذب فرات سائغ للشاربين، و أن ثقل النير، و الذي يزداد ثقلاً على كاهله مع كل طلعة نهار، إنما يتم تخفيفه تدريجياً، و أن عليه ألا يلتفت لما يشعر به و يعيشه، بل عليه أن يصدقهم.
إنني أشبههم بسحرة فرعون موسى - مع الفارق كما ستضح في المهمة و النهاية - فعليهم أن يقنعوننا بأن عصيهم و حبالهم الجامدة، ليست إلا ثعابين و أفاعي تدب فيها الحياة و تسعى، و علينا أن نكذب عقولنا و أبصارنا.
على إن مهمتهم أشق من من سحرة فرعون موسى، فسحرة فرعون كانوا عليهم خداع جمهور معين لمرة واحدة، و لبرهة زمنية وجيزة، أما سحرة الصحافة السلطوية، فعليهم خداع نفس الجمهور لمدة ربع قرن، و للأسف فإنهم أسوء من سحرة الماضي، الذين عادوا إلى صوابهم في يومهم، و أدركوا الحقيقة، و ذاقوا من أجل الحقيقة الويل، فتحملوا قطع الأطراف، و الصلب على جذوع النخل، و لم يستغرق الأمر منهم ربع قرن، ليدركوا الحقيقة، بينما سحرة آل مبارك لازالوا على غيهم، و محاولاتهم البائسة لإقناعنا أن مبارك الأب في أفضل حال، و أن إقتصادنا يتعافي بقفزات هائلة للأمام، و أن العالم يستلهم مسيرتنا الإقتصادية الناجحة، و إننا دولة العدالة و الحرية، و أن مبارك الإبن يسهر على راحتنا، و إنه الأمل الواعد.
الوعكة الصحية الأخيرة التي ألمت بمبارك الأب، هي أحد أفضل الأمثلة على مدى المشقة التي يعانيها سحرة صحافة السلطة، فالطلب الذي أرسله إليهم الديوان الرئاسي، إشتمل على أمرين، أولهما هو نفي الخبر على إطلاقه، أي أن مبارك الأب لم يتوعك و لو للحظة واحدة، إنما شبه لنا، و ثانيهما نسبة مصدر هذا الخبر، الذي تم تحويله إلى شائعة بفضل الطلب الأول، إلى الإخوانيين، ليصبحوا هم المسئولين عنها.
لقد تبسمت سخرية من سحرة آل مبارك، و بخاصة من أحدهم، و الذي يعد من الذين لهم ثقلهم بين سحرة العهد، و ليس ساحر مبتدأ لنعذره في ساذجة سحره، فقد كتب مكذباً الخبر كالمعتاد، أو كالمطلوب، فأكد على أن صحة مبارك الأب هي حديد، أو أشد بأساً، ثم إنطلق بعد ذلك لتنفيذ المطلب الثاني، فقرأت عندها العجب من مدى السذاجة التي يفترضها الكاتب في القراء، أو بالحري من سذاجة الساحر.
سيادته كتب أن الخبر - أو الشائعة بمسماه - تولد من عدة ملاحظات تجمعت، أولها إحتجاب مبارك الأب عن الأنظار لفترة، ثم ملاحظة هبوط طائرة الرئاسة في مطار ألماظة، ثم إقلاعها ثانية بعد فترة قصيرة، مع غياب طبيب العلاج الطبيعي، ثم إنطلق بعد ذلك متحدثاً عن إنتشار الخبر عبر رسائل البريد الإلكتروني، و رسائل الهاتف المحمول، و الذي قال عنها أن ناشري الإشاعة يعلمون حتى الأرقام الخاصة، غير المعروفة للبعض، بما يدل، حسب قول سيادته على إختراقهم لشركات المحمول، و لكن ربما لا يعي أنه يقول ضمنا، بأن الإخوان إما إنهم إخترقوا مطار ألماظة العسكري، أو يراقبون حركة الهبوط و الإقلاع من خارجه، و لمدة أربع و عشرين ساعة يومياً، لسبع أيام في الإسبوع، و يمتلكون فريق يستطيع تحليل المعلومات المجموعة عن حركة مطار ألماظة للوصول إلى قناعة بوجود حركة غير إعتيادية، و أنهم يراقبون و بإحكام تحركات الطاقم الطبي لمبارك الأب، و ربما الأسرة بأكملها، بعد أن إخترقوا حاجز السرية، و أن تلك المعلومات و التحليلات أوصلتهم لقناعة بمرض مبارك الأب أو وفاته.
هل سيادته عندما أراد أن يكحلها أعماها، أم أنه حقاً يعي ما يقول و يريد أن يلقي في روعنا أن الإخوان قد أحكموا الحلقة حول مبارك الأب، و أن كل نفس لآل مبارك هو معدود عليهم، و ذلك لمزيد من بث الخوف في التيارات المصرية المعارضة الأخرى، و لزرع تعاطف مع مبارك، فتلقي بأنفسها في التهلكة، أي أحضان آل مبارك، كما فعل البعض بالفعل، و أصبحوا يقفون معارضين و لكن من تحت عباءة السلطة؟؟؟
شخصيا، و كمنتمي لتيار سياسي و ثقافي يختلف عن التيار الإخواني، فإنني لا أعتقد بأن التيار الإخواني بنفس القوة، التي يصورونها به، أو التي يريدون أن يطبعوها في أذهاننا، نحن المنتمين إلى التيارات السياسية الأخرى.
التيار الإخواني - كما أرى - هو تيار سياسي له ثقله الذي لا يُنكر، و الذي جاء ثمرة عمل سياسي و ثقافي دائب منذ 1928، أي منذ ولد مبارك الأب، و لكن لا أستطيع أن أقبل بعقلي بأنه هو التيار الأوحد، أو أن الشارع المصري هو في أغلبه إخواني صميم، مثلما لا أستطيع أن أتصور بأن التيار الإخواني قد إخترق بالفعل الحلقة الضيقة المحكمة الإغلاق المحيطة بآل مبارك، فمبارك و آله ليسوا بمثل تلك الغفلة، و إلا لما بقوا في الحكم لربع قرن ويزيد، و يخططون لأربعين عاماً أخرى.
إن علينا ألا نقبل ما تشيعه السلطة عن قوة التيار الإخواني و خطره على الأخرين، و علينا رفض الإلقاء بأنفسنا على أقدام آل مبارك، و رفض الإحتماء تحت عباءة سلطة فاسدة خوفاً من أي تيار، لأنه حتى لو كان التيار الإخواني أو غيره، بمثل هذه القوة، فليس من المقبول من المختلفين مع الإخوان – و نحن منهم - الإحتماء بفاسدين مستبدين، لا يتحلون بأي شعور وطني، و باعوا مصر، شعباً و أرضاً.
علينا أن ندرك بأن الشعب المصري، في أغلبيته الساحقة، شعب غير مرتبط بأي تيار سياسي أو ثقافي، مثله في ذلك مثل أي شعب في العالم، ففي أي دولة ديمقراطية، سنلاحظ أن قلة من أفراد الشعب هي التي ترتبط بالأحزاب، و لا تحيد عن هذا الإرتباط، أما الغالبية العظمى من أفراد أي شعب فإن ميلها الحزبي، أي تصويتها في أي إنتخابات، يتغير حسب الأحوال الإقتصادية في المقام الأول، و نوعاً ما تبعاً للأحوال السياسية، السابقة على الإنتخابات، لهذا تتغير الحكومات، و تتغير الأحزاب التي تتشكل منها تلك الحكومات بين فترة، تطول أو تقصر، حسب مدى نجاح كل حزب، أو تحالف حزبي، في تلبية حاجة أغلبية الشعب أثناء تولي زمام السلطة.
هذه الحقيقة يجب أن تكون دافعا لنا لعدة أمور ترسم خطواتنا المستقبلية:
أولاً: عدم الخوف من أي تيار سياسي، و لو كان هذا التيار هو التيار الإخواني، مع إحترامنا لهم و لغيرهم. علينا التمسك بإن ما نؤمن به هو الصواب و هو الأصلح للشعب المصري.
ثانيا: عدم تصديق تهويلات سحرة السلطة عن خطر الإخوان، و أن آل مبارك هم صمام الأمان، و عدم الإحتماء بالسلطة الفاسدة الحالية بأي حال، أو التحالف معها، أو الإستسلام لها، و العمل على إسقاطها بكل وسيلة لا تتصف بصفة الإرهاب، ثم معاقبة المذنبين منهم، كبروا أو صغروا، من خلال محاكمات مصرية تحكمها معايير العدالة، و من أجل تحقيق الهدف و تسريع حدوثه، علينا القبول بالتعاون مع كافة التيارات السياسية و الثقافية، التي تقبل بدولة العدالة، و تؤمن بضرورة عدم مهادنة النظام الحالي، وإن إسقاطه ضرورة لا بديل عنها، أو مساومة فيها، أو تأجيل لها، دون أن يكون ذلك ذوباناً في أي تيار منها.
ثالثاً: أن نعمل في ذات الوقت بكد - كتيار سياسي واعي قائم بذاته - لكسب أكبر عدد من الأنصار في الشارع المصري، حتى نستطيع المساهمة في إسقاط النظام الحالي بأكبر نصيب، و حتى يكون لنا مكاننا بين الشعب المصري، في مصر ما بعد ثورتها القادمة.
رابعاً: عندما تأتي الدولة المرجوة، وليدة الثورة الشعبية السلمية، فعلينا ألا نصاب بأي إحباط في حال فوز أي تيار سياسي بالسلطة في البداية، لأننا يجب أن نؤمن بأن عملنا الدائب المخطط مع تفاؤلنا، و مع توفيق الله سبحانه و تعالى، سوف يجعل السلطة تأتي إلينا، بعد حين يطول أو يقصر، حسب قوة و إستمرارية جهدنا، وسرعة فشل منافسينا السياسيين، أيا كانوا، أي علينا أن نتحلى بروحية العمل السياسي النضالي، الذي يزرع في الحاضر ليجني في المستقبل.
كونوا واثقين بأنفسكم و مبادئكم و أهدافكم، و أعلموا إننا قادرين على تغيير الواقع بتوفيق الله لجهودنا.
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟