أديث سودرغران
Edith Södergran
(1892ـ1923)
ترجمة : حميد كشكولي
أديث سودرغران (1892- 1923) , ولدت لأبوين فنلنديين في سانت بطرسبورغ ، حيث دخلت مدرسة بنات ألمانية اللغة. كتبت في سنوات المدرسة قصائد تقليدية بعدة لغات غالبا بالألمانية. العام 1908 تأكد أنها مصابة بالسل الرئوي فأدخلت في سانتوريوم بدافوس , سويسرا ( 1911-1914) .
تأثرت سودرغران بالانطباعية الألمانية و المستقبلية الروسية و الرمزية الفرنسية.و في باكورة أعمالها الصادرة باسم "قصائد" العام 1916 يلمس المرء نشوة وحب الحياة و نكران الذات في الوقت ذاته ، و في سعيها لتعريف "المرأة الجديدة" ، قالت : " أنا همسة الدم في أذن الرجل" و " أنا لست بامرأة ، أنا الحياد".
فشلت أديث سودرغران في بتاء صلات مع الأوساط الأدبية في هلسنكي 1917 كما خسرت عائلتها كل أملاكها في ثورة نوفمبر ، ليبقى لها فقط المسكن الصيفي في"رايفولا" في خليج " كاريلسكا".، فساءت حالها بسبب المرض والفقر و العزلة, لكنها ابتنت لنفسها شعورا ذاتيا بالاستعانة بمثال البطل النيتشوي في حب الحياة.. و ينجلي ذلك في قصائدها " غنائية سبتمبر1918" ، إذ تعبر عن أنها تملك" سلطة الكلمة و الصورة بشكل كامل، و على حساب الإيقاع".
رأى النقاد في ادعائها " ليس من المهم أن أجعل ذاتي أقل مما أنا " سخافة و انبروا لمحاربتها بلا هوادة في المطبوعات ، لكنها لقت شفيعا لها في " هاجر اولسون" التي أصبحت تمجد شعرها و تدافع عنها . رسائل سودرغران إلى هاجر طبعت العام 1955.
تأثيرات نيتشة واضحة في مجموعتها الشعرية " مذبح الورد" 1919 و " ظل الزمن الآتي" العام 1920، إذ تنعكس كنايات الطبيعة كانطباع للمشاعر و الرؤى.
كما يلمس المرء مسحة مسيحية في ديوانها " البلد الذي لا يحضر" العام 1925. فبكل اختصار يمكن القول إن أديث تعتبر واحدة من أكبر مجددي الشعر السويدي الحديث.
يبرد النهار
1
يبرد النهار عند المساء ….
اشربِ الدفء من يدي،
فيدي لها ذات الدم مثل الربيع.
خذ بيدي , خذ ذراعي الأبيض،
و خذ شوق كتفيّ الرفيع …
رائع أن أحس لليلة واحدة، ليلة كهذه الليلة،
برأسك الثقيل على صدري.
2
رميتَ وردة حبك الحمراء في حضني الأبيض –
أمسكُ في يدي الحارتين بوردة حبك الحمراء التي لا تلبث ستذبل على عجل …
فيا أيها الحاكم بعيونك الباردة،
أنا آخذ التاج الذي تهبني،
فيسجد رأسي لقلبي…
3
رأيتُ اليوم سيّدي لأول مرة،
مرتجفة لم ألبث عرفته ثانية.
أشعر الآن يقينا بيده الثقيلة على ذراعي الخفيف…
فأين ضحكتي العذراء ذات الرنين،
و حريتي النسائية الشمّاء؟
الآن أشعر بمسكته المحكمة لجسدي المرتعش،
الآن أسمع خبطات الواقع القوي على أحلامي الطريّة.
4
بحثتَ عن زهرة
فوجدتَ ثمرة.
بحثتَ عن نبع
فلقيتَ بحرا.
بحثتَ عن امرأة
فلقيتَ روحا….
أنتَ خائب.
البيت القديم
مثلما ترى العيون الجديدة إلى الزمن القديم
كغرباء لا قلوب لهم…
أتشوّف أنا إلى قبوري القديمة،
و عظمتي الحزينة تنشج بدموع أليمة
فلا ترى شيئا.
بقيت أعيش في حلاوة الأيام القديمة
بين غرباء يبنون مدنا جديدة
فوق روابي زرقاء تسمو إلى حواف السماء،
أتحدث بهدوء إلى الأشجار الأسيرة
و أسلّيها أحيانا.
بأي هدوء يستهلك جوهر الشيء الزمن،
و في صمت يدوس على كعب القدر القاسي.
عليّ أن أنتظر الموت اللطيف الذي يأتي بالحرية لروحي!
الشفق البنفسجي
أحمل في أعماقي الشفق البنفسجي من الماضي السحيق،
عذارى عاريات يلعبن مع قناطير تعدو…
ضوء الشمس الأصفر بنظرات بديعة،
أشعة الشمس فقط تحفل بلهفة بجسد المرأة الغض ….
لم يأت الرجل، لم يتواجد قط، و لن يكون أبدا….
فالرجل مرآة زائفة ترميها فتاة الشمس بغضب بوجه الجدار الصخري،
الرجل كذبة، و الطفل الأبيض لا يفهم،
أن الرجل فاكهة فاسدة ترفضها الشفاه الأبية.
يا أيتها الأخوات الحسناوات، هيا إلى الأعالي فوق الصخور القوية،
فنحن محاربات و بطلات و فارسات،
و عيون البراءة و جبين السماء و يرقات الورد،
نحن موجات ثقيلة تتكسر على الصخور ،
نحن الغرانيق العلى،
نحن أقلُّ من يكونون بانتظارنا و حمراوات بأعمق ما يمكن,
نحن لطخات النمور و أوتار متوترة و نجمات لا تخبو أبدا.
دربان
عليك أن تتخلى عن دربك القديم،
فدربك خبيث:
إذ يمر الرجال فيه بنظرات شهية،
وعبارة : حظا سعيدا ! تسمعها من كل الشفاه،
و إلى الأمام لمسافة من هذا الدرب ،
ثمة جسد امرأة تنهشه النسور .
ها قد لقيت دربك الجديد،
فهذا الدرب نظيف:
هناك يسير الأطفال اليسارى ؛ يلعبون مع أزهار الخشخاش،
و النساء يجلن متشحات في سواد و يتحدثن عن الحزن،
و في الأمام شيئا ما؛ يقف قديس شاحب ،
قدمه تدوس على رقبة تنين ميّت.
ثلاث أخوات
إحدى الأخوات أحبت الفراولة الحلوة،
و الثانية أحبت الزهور الحمراء،
و الثالثة أحبت أكاليل الموتى.
الأخت الأولى تزوجت :
يقال إنها سعيدة.
الثانية أصبحت عاشقة بكل روحها،
يقال إنها أصبحت تعيسة.
الثالثة أصبحت قديسة ،
و يقال إنها ستفوز بتاج الحياة الأبدية.
الآلام
ليست للنجاح أغنية ، ليست له أفكار،
ليس له أيّ شئ.
دع نجاحك يتحطم ؛ فإن النجاح شر.
يأتي النجاح على مهل مع همسات الصباح في أجمات هاجعة؛
ينحدر النجاح في سحابات رقيقة على العمق الأزرق،
النجاح حقل ينام في جمر الظهيرة أو البحر اللامتناهي تحت سرير من الأشعة العمودية،
النجاح مجرد من السلطات، أنه ينام ويتنفس ولا يعرف شيئا أكثر…
أما الآلام ، فهل تعرفها؟
إنها قوية ومهابة بقبضات حديدية معقودة سرا.
هل تشعر بالآلام ؟ أنها بسمة مفعمة بالآمال بعيون باكية.
فالآلام تهبنا كل ما نحتاج…
إنها تعطينا مفاتيح مملكة الموت،
تقذفنا من على البوابة ، إذ نشك لحد الآن فيها.
الآلام تعمّد الأطفال وتشارك الأم السهر و تصيغ كل أساور العرس الذهبية.
الآلام تسود العالم توسّع جبين المفكّر،
تقلّد الزينة في عنق المرأة الجذابة ،
وهي في انتظار الرجل حين يرجع من عند عشيقته.
فما الذي تهبه الآلام لأحبتها أكثر مما أعرف؟
لا أدري .
إنها تمنح اللآلئ و الزهور ، أنها تهب الأغاني و الأحلام،
تعطينا ألف قبلة ، كلها فارغة،
و تمنح القبلة الوحيدة التي هي حقيقة.
تعطينا أرواحنا العزيزة و نزواتنا الفريدة.
إنها تمنحنا فوائد عالية جدا:
الحب و الوحدة و وجه الموت.
لمَ النصر …
ممَّ أخشى أنا؟ أنا جزء من اللاتناهي.
أنا جزء من قوة الكل الهائلة،
عالم وحيد بين ملايين العوالم،
نجمة من الدرجة الأولى تنطفئ في الأخير.
فالنصر لأجل الحياة ،
و في سبيل التنفس ، و لأجل الوجود!
النصر للشعور بالزمن باردا يسيل في شرايينه
ولسماع نهر الليل الساكن
و الوقوف على الجبل تحت الشمس.
لا أعرف سوى الشمس.
فيا أيها الزمن - زمن التحويل- و – التعطيش- و زمن السحر- ,
تأتي بمؤامرات جديدة ، وألف خدعة لتدعوني إلى تواجد مثل تواجد بذرة صغيرة ، مثل حبة متكوّرة ، مثل صخرة في وسط البحر.
الزمن – أيها القاتل- دعني وشأني!
فالشمس تملأ صدري بعسل حلو حتى الحافة و تقول:
تنطفئ النجوم مرة،
لكنها تنير دوما دون وجل.
وردة أُمّ الإله
ثمة وردة في حضن أم الإله.
وريقة منها تشفي القلوب المشلولة.
و ثمة وردة في حضن أم الإله.
ذات العيون المشعة تبتسم—
فمن سيشفي قلبها العليل.
لا شئ
اهدأ يا طفلي، لا شئ هناك،
وأن كل ما تراه إنما هو الغابة و الدخان و هروب الحواف.
و في الأقاصي سماء أكثر زرقة و سور ذو ورود
أو نخلة و ريح أكثر فتورا---
هذا كل ما هنالك.
ليس هناك سوى الثلج على أغصان الراتينجية.
ليس هناك شئ لتقبيله بشفاه دافئة،
لتبرد كل الشفاه بمرور الوقت.
لكنك تقول ، يا طفلي، إن قلبك قدير،
وأن تعيش عبثا هو أقل مما أن تموت.
ماذا ابتغيت من الموت؟ هل تشعر بالغثيان الذي تنشره ثيابه،
و ما من شئ مقزز أكثر من الموت نفسه.
علينا أن نحب ساعات الحياة الطويلة من المرض
وسنوات الضيق من الانتظار
مثل اللحظات الصغيرة حين يزهر القفر.
أمل
أريد أن أكون حرة طليقة دون هموم،
لهذا لا أعير أهمية للأناقة الأصيلة،
فأركم الأكمام.
يختمر عجين الشعر ….
و حزن----
أن لا يمكننا أن نخبز كاتدرائيات !
سموّ الأشكال---
أهداف الانتظار المثابرة.
فيا طفل العصر---
ألا لأنفاسك المقياس الصحيح؟
و قبل أن أموت
أخبز كاتدرائية.
صباح نوفمبر
الرقائق الأولى سقطت.
إذ نقشت الأمواج كتاباتها على رمال مجرى النهر الذي مشين فيه بورع.
وقال الساحل لي:
أنظر أنك قد سرت هنا في طفولتك وأنا ظللت نفسي دوما.
و شجرة عاشقة الماء التي تقف عند الماء هي نفسها دائما.
فل لي أين هاجرت في بلاد الغربة وتعلمت طقوس البتر؟
ما الذي كسبت؟ لا شئ على الإطلاق.
ستطأ قدماك على هذه الأرض،
هنا دوائر سحرك،
وتأتيك الحكمة و أجوبة الألغاز من شجيرات الماء.
و ستسبح بحمد الله الذي يسمح لك الوقوف في معبده بين الأشجار والحجر.
و ستمجد الله الذي دعا الجبال تسقط من عينيك.
يمكنك تجنب حكمة العبث،
لأن الآن غدت الصنوبرات و الخلنجات معلمتك.
هات بالأنبياء الدجالين و الكتب التي تكذب،
لنشعل حريقا شبقا يرفرف على الشاطئ.