سعد علي حياوي
الحوار المتمدن-العدد: 1989 - 2007 / 7 / 27 - 08:52
المحور:
الادب والفن
اللغة الخارجة ........اللغة الذات
سعد علي حياوي
قصيدة ( موطني ) لـ ( يحيى الشيخ زامل ) أنموذجاً
اللغة ، في كل نص أدبي ، هي كل شيء ، هي ما تثيره الهزة وهي بعد ـ انطفاء الحرائق ـ تكوّن دلالتها ، وكلما تحددت دلالتها فأنها تدخل في قفص ( اللغة الذات ) وهو فخ كبير ، تعاني منه أغلب النصوص المقرؤة في الصحف الثقافية .
وإذا جاز لي أن أفصل ، الفصل القديم ، بين الذات والموضوع فأن الموضوع هنا هو الأشياء وبمقدار ما تتحول إلى لغة وبمقدار ما تتحول اللغة إلى شيء ، يضمن النص الحديث نجاحه ، نجاحه الجمالي ، التكويني أي أصبح له كيان مبتعد عن الذات بمقدار اقترابها منها ، قريب من الأشياء حتى الاندماج فيها ، فلا ذات ولا موضوع ، اللغة في صورة التشيؤ والأشياء في صورة اللغة .
هذه المقدمة القصيرة دعت إليها مقدمة نص ( موطني ) المنشور في جريدة البيان العدد 871 في 3/ أيار / 2007 لـ ( يحيى الشيخ زامل ) و بداية النص :
( نفس الريح
تدفع أغصان السدرة
لتسقط حبات النسيان
نفس السدرة
ترفض أن تهتز
أو ترمي الذكرى . )
ما هي هذه الريح ؟ وما هي هذه السدرة ؟
النص لا يوضح وفي الحقيقة إذا أوضح فلن يكون نصاً أدبياً ، ولكننا نعلم أنها أشياء ، تفقد بعضاً من بريقها وحياتها إذا تحولت إلى رموز ويتحول النص كله إلى شيء حقيقي ، كـ (الريح ) وكـ (السدرة ) لو بقي محافظاً على شيئيتها الدالة التي قد تكون الريح فيها رمزاً لكل ما يريد أن يقتلع الحياة الرامز أليها بالسدرة ، الوطن الذي يقاوم ، ( وترفض أن تهتز ) أو يكون الإرهاب والقتل الوحشي للإنسان والوطن معاً ، هذا ليس هو المهم في النص الأدبي بمعنى أن الأدب لغة أشارية ، وكلما انفتحت اشاريتها اغتنى النص وامتلاء، فما هو السبيل في نقد النص لهذا الانفتاح الاشاري ، أنه الأشياء ،والريح والسدرة خارجيا ( الذكرى ، بذرة حلم ) داخلياً .
ولكن النص وللأسف لا يذهب بعيداً ، ولا يكمل انفتاحه الأشاري في اقترابه من القصيدة ( الشيئية ) ـ إذا جاز التعبير ـ .
لقد استعان ، بأشياء ، لا خارجية رامزة ولا داخلية تمنح النص حرارة الإحساس بها ـ الأشياء ـ .
وأعني بالأشياء الخارجة عن بداية النص وتكوينه الداخلي ، بالتناص مع النص القرآني .
في التناص ( intertaxaules ) :
التناص في النص الحديث ، أحد وسائل أغناء النص وإعطائه دفعة مهمة للانفتاح ، بدلاً من الانغلاق في مدلول ذاتي ـ غير مندمج كلياً ) مع بينات ( أنثروبولوجية ) مثلما يقول شتراوس : أن كل نص هو بيئة أنثروبولوجية ولكن هذه الوسيلة من جانب أخر قد يفقد النص تكوينه الداخلي ، ويؤدي إلى تفكيكه ،إذا لم يوظف بحاجة استدعتها البنى الداخلية ، العميقة في النص نفسه .
بمعنى أخر ما هو مبرر استخدام ، بنى لغوية لنصوص في النص المكتوب ( المبرر الجمالي ، المبرر اللغوي ، المبرر الدلالي ) فأن فقد النص أحد هذه المبررات يكون التناص لعبة شكلية ، تغلق الدلالة أو الأصح الإشارة على مدلول واحد ، والأصح كذلك تهشم المدلول إلى فضاء أشاري لا يشير إلى شيء .
وهنا تكمن مهمة القاريء ـ البحث عن المبررات الثلاث ، وسنرى ـ مقترحين ـ مبررات للتناص في نص ( موطني ) مع النص القرآني .
( كانت بذرة حلم ،
طاعنة في الزهد ،
تمتد بذراعيها ،
أسفل ثاني أثنين . )
قصة الغار :
تناص النص مع قصتين وردتا في القرآن الكريم ، الأولى قصة الغار الذي لجأ أليه النبي وصاحبه من مشركي قريش ، فهل كان في لا وعي الناص وفي البنية العميقة للنص ، الاحتياج إلى (غار ) كغار ( حراء ) للنجاة من القتل والتدمير والموت .
غير أن الإشارة ،وهنا يكون المبرر الجمالي والدلالي واللغوي معاً ، لم تكن للغار بل للوازم من لوازم القصة القرآنية ( ثاني أثنين ) إذ ( هما في الغار ) ..... لقد ترك المسكوت عنه للقاريء ، أو كما يسميها ، كال بوديت ( الخفاء والتجلي ) ، التجلي ( لثاني أثنين ) والخفاء لـ ( الغار ) .....ولكن أية حياة في غار ؟ يأتينا الجواب هذا ممكن إذ أن ( بذرة الحلم ، طاعنة في الزهد ) ، يطلب هذا الوطن البقاء حياً ، الحياة إنجازا ، الحياة حلماً بحد ذاته .
ولكن هناك طرف أخر لا يريد لهذه الحياة أن تكون ولا للوطن أن يتعافى ،وهنا يبدأ تحول دلالي في النص ، يتبعه في تحول التناص إذ ليس من المعقول أن يبقى التناص مع نفاذ دلالة لغته .
قصة امرأة العزيز :
فهي لم تكن هنا قصة يوسف ، وإنما أتجه إلى نقيضه ، كمعادل موضوعي للشر مقابل الخير ، الإرهاب مقابل السلام ، الموت مقابل الحياة ، والريح في الحقيقة لا تعني إلا نفسها والحياة غير عابئة بوحشية الموت ، فكان أن تحولت أو حولها الناص ، من رمزها الدلالي ، ودخل التناص من قصة قرآنية إلى النص نفسه ، هذا التحول الدلالي واللغوي الأول في سلخ الرمز الأول من أرضيته الأولى ، كما يقول (علي جعفر العلاق ) التحول الأخر هو أن ( القد ) هنا حدث من ( قُبل ) لا من (دُبر ) كما في أصل القصة ، أن الريح قاصدة للشر نفسه ، لا لرغبة أو شهرة ، حتى لو كانت محرمة .
( ضحكت تلك الريح ،
وقدت قميصها .....
من.... قُبل ،
ونسوة المدينة ،
يقطعن قصائدهن ،
قد شغفتهن تلك السدرة بغضا .)
وتداعي القصة الأصلية ، أستدعى تداعي النص في ( نسوة المدينة يقطعن ، قصائدهن بغضا ) وهنا نكتشف ـ أثناء الكتابة ـ تحول تناصي ـ نصي ثالث ، ومعروف أن القصة تقول : ( يقطعن أصابعهن لا قصائدهن ) ، التي هي رمز الحياة والسمو والجمال .
وتقول ( قد شغفهن حباً ) فتحولت ، في تحويل رابع إلى (بغضاً ) .
فالسدرة ، في أجراء طريق ـ افتراضي ـ أو تحويلي هو الأخر ، أي أن التناص يتبادل المواقع ، وتكون السدرة هي الرمز الأول فأننا نؤشر بسهولة ، أن السدرة هي يوسف ، في معادل موضوعي للخير والجمال .
وإذ لا نجد في ( قصة الغار ) تحويلات لغوية ودلالية إذ أن مبرر التناص أو مقدار التحامه بالنص ( موطني ) هو في إشارته إلى غيره ، ولذا لم يتحول ( ثاني أثنين ) ، بينما وجدنا في قصة ( امرأة العزيز ) الأشياء نفسها هي المعنية بالتحولات وهي الفاعلة ، فكرياً في القصة ، وترتيباً ودلالياً ، أشارياً في النص ، فكان أن أجريت عليها تحولات لسلخها من أرضها الأولى وزرعها في أرض النص .
وكل هذه التحولات ، أعانت النص إذ خلقت له أرضاً أشارية ( ضحكت تلك الريح ، من قبل ، يقطعن قصائدهن ، بغضا ) غير أن المفاجأة بتحول أخر إذ يحدث تحول في النص الذي تناص معه النص وإنما يحدث تحول في النص نفسه ، هذا التحول ، يعيد الإشارة العلامتية إلى نبعها المباشر ، إلى الذات ....... إلى لغة الذات ، ولذا فهنا بداية مثلاً لنهاية سابقه ( فكان أن بدأ التحول بـ(في نهاية البداية ):
( في نهاية البداية
أراقب صحوي
يتسلل عبر النافذة
يهشم زجاج المطر
وحريق من المسافرين
يغادر إلى اللا جدوى
الدخان يعلوا .........
وأنا أعلوا من مكان مغاير . )
أنه الآن يبدأ من حيث انتهت الرموز انتهى الأول . انتهى التناص ولذا ـ أيضاً ـ نجد صيغة المتكلم تبرز بينما لا نجدها فيما سبق ، ( أراقب صحوي ......... وإنا أغفو ) النص يصبح قسمين ، وفي الحقيقة نصين ، الأول توصل للأشياء والأفكار بالأشياء وبالتناص مع نصين قرآنيين ، النص الثاني نص ذاتي ، كأنه تفسير للنص الأول ، مما أفقده شكل النص نفسه ، شكلاً مفتوحاً ، وضيق إشارته إلى أبعد الحدود ـ أي أنه ـ على الرغم من اللغة الجميلة ، إلا أنها نص غنائي ، لا يندرج مع أسلوب متطور كأسلوب التناص في الجزء الأول من النص أو في الحقيقة في النص الأول الدرامي ودليل ذلك لو جعلنا النص نصين الأول من البداية إلى بغضاً ، والأخر من نهاية البداية إلى الأخير ، لاحظنا كم أنحنى التناص إشارات النص وكم ساهم في اقتناصه ودراميته ، وكم كان النص الثاني ، دلالته واضحة مباشرة أراد أن يكسرها ( الناص ) بإدخال الرنين الموسيقي في نهاية النص الثاني ( تن ......تتن ) الذي أنقذ النص الثاني من غنائيته فهو هنا يدعو القاريء للمشاركة ، إذ سيكون مضطراً إلى أكمال النشيد بعد المقدمة الموسيقية ، فلا بد له من العودة إلى العنوان ( موطني ......موطني ) , إذ حول دلالات القصص التي تناص معها فلنحاول نحن التحويل مع نص ( يحيى الشيخ زامل ) ونقول في بنية العنوان التي كانت من المفترض أن نتناولها أولاً فتناولناها أخر المطاف ، بنية العنوان كانت مرتكزة على النشيد ، ولذا كانت مأخوذة منه فلم نكن أو لم يكن العنوان ( وطني ) مثلاً وإنما موطني .
(وعند قرع الطبول
يرتمي الانتظار
وينشد الصغار
في الساعة الثامنة
موطني ...... موطني
تن ........تتن )
إن الرغبة في الإيضاح شديدة في العنوان وفي القسم الثاني من النص مما جعلت دلالة النص الأول الدرامي واضحة لو لم يسعفها التناص ولذا وبصلاحية القاريء ( أعادة كتابة النص ) نكتفي بالنص الأول جمالياً وبالثاني ، كلغة جميلة .
#سعد_علي_حياوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟