أمميةٌ فاشية تتشكّل ومركزُها نظام ترامب


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 23:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

ترجمة وإعداد

قال عمدة شيكاغو، براندون جونسون، ردًا على تهديد دونالد ترامب بنشر الحرس الوطني في شيكاغو: "إنه متهور وخارج عن السيطرة"، معلنًا عن إرشادات واضحة "حول كيفية التصدي لهذا الاستبداد"، كعدم السماح لشرطة شيكاغو وموظفيها بالتعاون مع الجيش في الدوريات أو في ملاحقة المهاجرين.
فبحجة مكافحة الجريمة، يسعى ترامب إلى إخضاع المدن التي يحكمها الديمقراطيون من خلال نشر الحرس الوطني. وقبل أسابيع، حرّك ترامب الحرس الوطني في واشنطن ووضع الشرطة تحت السيطرة الفيدرالية. وهو نفس التهديد الذي يواجه مدينتي لوس أنجلوس وشيكاغو. كما أنشأ ترامب أيضًا قوة من الحرس الوطني "للرد السريع"، قابلة للنشر في حال وقوع اضطرابات. وتحدث نائب مدير موظفي البيت الأبيض، ستيفن ميلر، على قناة "فوكس نيوز" عن "سيادة الشرطة الفيدرالية"، أي هيمنة الشرطة الفيدرالية على البلاد. وتُذكّر هذه العبارة بمصطلح "سيادة البيض" العنصري. وفي الواقع، تلجأ هذه الإجراءات البوليسية إلى أساليب قديمة للسيطرة على الأقليات من خلال القمع. وهذا لا يُزعج أثرياء الفئات الوسطى في أمريكا.
وهناك خلاف داخل المعسكر الديمقراطي حول تقييم أفعال ترامب: هل الرئيس، كما هو الحال غالبًا، منشغلٌ بالإيماءات الاستعراضية؟ أم أنه يتصرف بثباتٍ تام؟ وهناك علق اللواء المتقاعد في الحرس الوطني، راندي مانر، بأن تصرفات إدارة ترامب ذكّرته بثلاثينيات القرن العشرين في ألمانيا.

هل تتشكل الفاشية؟
في مقالة حملت عنوان "تَشَكلُّ أممية فاشية مركزُها نظام ترامب"، نُشرت في جريدة "عالم الشعب" القريبة من الحزب الشيوعي الأمريكي في 21 آب 2025، والتي نشر موقع "شيوعيون" الألماني في 5 أيلول 2025 ترجمتها، يعتمد دافيد ليثبردج، تعريف الزعيم الشيوعي البلغاري جورجي ديميتروف، الشهير للفاشية، أساسًا لتحليل نموذج ترامب الفاشي المعاصر. وهو التعريف الذي اعتمدته الأممية الشيوعية (الكومنترن) في مؤتمرها السابع عام 1935.
لكن من المفيد الإشارة ايضاً الى التحليل الذي قدمته المناضلة الأممية الألمانية البارزة، كلارا زيتكن، في خطابها خلال الاجتماع الموسع للأممية الشيوعية في 20 حزيران 1923، والذي لم تتبنَّه الأممية، مع الأسف. وبهذا ضيعت إمكانية تفادي وصول النازية الألمانية إلى السلطة بعد عشر سنوات، وبالتالي تجنب ما ارتبط بذلك من دمار وكوارث إنسانية وتضحيات عظيمة، تحملت شعوب الاتحاد السوفيتي القسط الأكبر منها (27 مليون عسكري ومدني). فما الذي ميّز تحليل زيتكن، إلى جانب ريادتها في دراسة الفاشية التي وصلت إلى السلطة في إيطاليا في عشرينيات القرن الماضي؟

أهمية تحليل كلارا زيتكن للفاشية
كانت كلارا زيتكن على دراية بانشقاق الحزب الاشتراكي الإيطالي، لأسباب عدة، من بينها موقف الأممية الشيوعية الداعي إلى ضرورة تأسيس حزب شيوعي. وعلى الرغم من ذلك، دعت مبكرًا إلى ضرورة تجميع القوى في مواجهة الفاشية. وقدمت زيتكن رؤية جديدة للثورة المضادة، تجاوزت النمط الكلاسيكي:
"حامل الفاشية ليس طبقة صغيرة، بل شرائح اجتماعية واسعة، جماهير غفيرة تمتد حتى إلى البروليتاريا، ما جعلها ناجحة للغاية في أوروبا الغربية، إذ قدم الفاشيون رؤية لعالم أفضل في برنامج ثوري زائف".
ولأن إيطاليا لم تستطع الخروج من أزمة ما بعد الحرب، لجأت جماهير من مختلف الطبقات الاجتماعية إلى الفاشية. وأكدت زيتكن أن الفاشية أصبحت "ملاذًا للمشردين سياسيًا، والمُهجّرين اجتماعيًا، والمُعدمين، والمُحبطين".
"إذا فهمنا فقط أن الفاشية لها تأثير تحريضي ومثير على الجماهير الاجتماعية الواسعة التي فقدت أمنها الوجودي السابق، وبالتالي، في كثير من الأحيان، إيمانها بالنظام الحالي، فسوف نكون قادرين على محاربتها"، إذ كان واضحًا بالنسبة لكلارا زيتكن أن للفاشية خصائص مختلفة في كل بلد، تبعًا للظروف الخاصة. ومع ذلك، تشترك جميع البلدان في سمتين أساسيتين: برنامج ثوري زائف يستغل بمهارة فائقة أمزجة ومصالح ومطالب أوسع فئات المجتمع، واستخدام أشد أساليب الإرهاب وحشيةً وعنفًا.
واتبعت كلارا زيتكن نهجًا في مكافحة الفاشية: "لن نتغلب عليها بالوسائل العسكرية وحدها - إن صح التعبير - بل يجب علينا هزيمتها سياسيًا وأيديولوجيًا أيضًا. يجب أن نخوض المعركة بأقصى طاقة، ليس فقط من أجل أرواح البروليتاريين الذين استسلموا للفاشية، بل أيضًا من أجل أرواح الطبقات الدنيا والمتوسطة، وصغار المزارعين، والمثقفين - باختصار، كل تلك الطبقات التي، بسبب وضعها الاقتصادي والاجتماعي، أصبحت اليوم على خلافٍ متزايد مع الرأسمالية الكبرى". وهذا ما وصفه أنطونيو غرامشي لاحقًا بـ"صراع على الهيمنة".
وأضافت زيتكن: "لا يهم الفاشية ما إذا كان العامل في المصنع يحمل روحًا بيضاء وزرقاء بألوان بافارية، أو يعشق الجمهورية البرجوازية السوداء والحمراء والذهبية، أو الراية الحمراء ذات المنجل والمطرقة، أو يرغب في عودة آل فيتلسباخ، أو يفضل رؤية صديقنا براندلر رئيسًا للجمهورية السوفيتية الألمانية. يكفيه أن يكون أمامه بروليتاري واعٍ طبقيًا، فيقضي عليه. لذلك، يجب على العمال أن يتحدوا في النضال، بغض النظر عن الحزب أو التنظيم النقابي". أي ما أطلقت عليه "جبهة بروليتارية موحدة"، على عكس سياسة "التضاد" التي انتشرت في صفوف الأممية، مع بداية هيمنة الستالينية على خطابها الرسمي.
في شبابها، كان لكلارا زيتكن تواصل مع الشيخ فريدريك إنجلز، الذي كان يُحب وصف الجماهير المنظمة بأنها "قوات عنف" لا تُحقق القوة العسكرية ضدها الكثير. ولهذا ضمنت هذه الفكرة في تحليلها: "يجب ألا نحارب الفاشية على غرار الإصلاحيين في إيطاليا، الذين توسلوا إليهم: لا تفعلوا بي شيئًا، لن أفعل بكم شيئًا! كلا! العنف ضد العنف! ليس العنف كإرهاب فردي – فهذا لن ينجح، بل العنف كقوة نضال طبقي ثوري بروليتاري منظم".
بينما ركز البلاشفة دائمًا على الطبقة العاملة والفلاحين، ذوي النفوذ الساحق في روسيا، كهدفين رئيسيين لسياساتهم، وسّعت زيتكن نطاق ذلك. فبدلًا من الانقسام، كانت الخطوة الأولى بالنسبة لها هي "الجبهة البروليتارية المتحدة". لكنها لم تتوقف عند هذا الحد:
"يجب أن نسعى إما إلى دمج الطبقات الاجتماعية التي تستسلم الآن للفاشية في نضالنا، أو على الأقل تحييدها. لنُولِ أهمية قصوى لحقيقة أننا، بكل عزم وثبات، نخوض النضال الأيديولوجي والسياسي من أجل أرواح أفراد هذه الطبقات، بمن فيهم المثقفون البرجوازيون".
وقد حظيت كلارا زيتكن بتصفيق حار على خطابها، ومع ذلك، لم يكن لهذا الخطاب أي تأثير فعلي على أنشطة الأممية الشيوعية. فمنذ عام 1928، تبنّت الأممية شعار "الفاشيين الاجتماعيين"، وبالتالي لم يُنظر إلى الفاشيين على أنهم الخصم الأخطر، بل اعتُبر الديمقراطيون الاجتماعيون كذلك. وبدلًا من النضال من أجل أرواح الطبقات غير البروليتارية، كما أكدت زيتكن، كان الشعار السائد هو: "طبقة ضد طبقة".
عاشت كلارا زيتكن حتى شهدت وصول النازية إلى السلطة في ألمانيا عام 1933، وألقت خطابًا جريئًا في أول جلسة للبرلمان، بصفتها رئيسة السن، ثم عادت إلى موسكو، حيث توفيت في 20 حزيران 1933.

ما هي الفاشية؟
كتب دافيد ليثبردج في جريدة "عالم الشعب": في 3 أغسطس، ألقى رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، خطابًا في تجمع جماهيري حاشد لإحياء الذكرى الثمانين لانتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية. وكان موضوع خطابه: "حفظ التاريخ وتغيير المستقبل". وإذا أردنا أن نتذكر تاريخ الفاشية، وتطورها، وهزيمتها، ونهضتها من جديد اليوم – فيجب أن نبدأ بزعيم الحزب الشيوعي البلغاري والسكرتير العام للأممية الشيوعية (الكومنترن)، جورجي ديميتروف.
قبل تسعين عامًا، في الثاني من آب عام 1935، قدّم ديميتروف تقريرًا إلى المؤتمر العالمي السابع للأممية الشيوعية. وقد تضمّن هذا التقرير تعريفًا مفصلًا للفاشية. فما هو هذا التعريف؟ وما هي الفاشية؟
عرّفت الأممية الشيوعية الفاشية بأنها: "دكتاتورية إرهابية علنية لأكثر عناصر رأس المال المالي رجعيةً وشوفينيةً وإمبرياليةً". وأعلن ديميتروف أن الفاشية نشأت من احتدام الصراع الطبقي، وأنها: "ليست شكلاً من أشكال سلطة الدولة التي تعلو على الطبقتين، البروليتاريا (الطبقة العاملة) والبرجوازية (الطبقة الرأسمالية)"، بل على العكس "الفاشية هي سلطة رأس المال المالي نفسه".
ورأى ديميتروف أن الفاشية ليست مرحلة حتمية من مراحل تطور الرأسمالية، بل تعتمد على تطور "قوى البروليتاريا المناضلة". ومن هذا المنظور، تُعتبر الفاشية محاولةً استباقية لكبح نمو القوى الثورية.
وأكد ديميتروف أنه لا يوجد نموذج واحد للفاشية، بل إنها قادرة على الوصول إلى السلطة بوسائل متنوعة: فقد تُلغي جميع الأحزاب والحركات السياسية، أو تُبقيها شكلًا دون مضمون، وقد تتخفى بأقنعة مختلفة، وتُقدّم نفسها للجماهير بأساليب متنوعة.
في كتاب "ألف باء المصطلحات السياسية"، الصادر في موسكو عام 1982، يُكرَّر تعريف ديميتروف الكلاسيكي للفاشية، مع إضافة خصائصها النمطية: العنصرية، القومية المتطرفة، معاداة الشيوعية، تدمير الحريات الديمقراطية، وانتشار الديماغوجية الاجتماعية. وتشمل الدول الفاشية الأولى: ألمانيا النازية، إيطاليا الفاشية، إسبانيا في عهد فرانكو، البرتغال في عهد سالازار، اليونان في السبعينيات، تشيلي في عهد بينوشيه، ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

هل تتطور فاشية اليوم في قلب الإمبريالية، وخاصة في الولايات المتحدة؟
نحن ندخل مرحلة تاريخية جديدة. والسؤال الأهم، ليس فقط بالنسبة للأحزاب الشيوعية حول العالم، بل للطبقة العاملة العالمية، هو: هل تتطور اليوم، في قلب الإمبريالية – وخاصة في الولايات المتحدة – فاشية جديدة؟
في زمن ديميتروف والأممية الشيوعية، ظهرت الفاشية في سياق صعود الطبقة العاملة، وتنظيمها في أحزاب شيوعية، واستعدادها للثورة. ولحماية سلطتها، لجأت أكثر عناصر الرأسمالية رجعيةً إلى شكل أكثر وحشية من أشكال النظام الرأسمالي: الفاشية. فهل يمكن للفاشية أن تنشأ فقط في فترات صعود الثورة؟ وهل يشترط ظهورها اشتداد الصراع الطبقي وصولًا إلى حرب طبقية مفتوحة؟
في الوقت الذي كان ديميتروف يُقدّم فيه تحليله، كان الزعيم الشيوعي الإيطالي، بالميرو تولياتي، يُلقي سلسلة محاضرات في موسكو، استند فيها إلى تحليل ديميتروف، مؤكدًا أن "الفاشية قد تتخذ أشكالًا مُختلفة في بلدان مُختلفة"، وإنها "تتخذ جوانب مُختلفة في البلد نفسه وفي أوقات مُختلفة".
توصل تولياتي إلى أن جميع الأنظمة السياسية الرأسمالية تميل بطبيعتها نحو الرجعية، وبالتالي نحو الفاشية. وقال: "هذا الميل نحو شكل الحكم الفاشي موجود في كل مكان، لكن هذا لا يعني بالضرورة ظهور الفاشية في كل مكان". ومثل ديميتروف، رأى تولياتي أيضًا أن الكثير يعتمد على قوة نضال الطبقة العاملة.
لقد تغيّر الكثير وتعلمنا أكثر خلال القرن الذي انقضى منذ أن قدّم ديميتروف تقريره إلى الأممية الشيوعية، وألقى تولياتي محاضراته. ففي سبعينيات القرن العشرين، كتب الشيوعي اليوناني نيكوس بولانتزاس كتابًا مهمًا بعنوان "الفاشية والديكتاتورية"، تأثّر فيه بموجة الثورات التي امتدّت من أوائل الستينيات إلى منتصف السبعينيات.
حاجج بولانتزاس بوجود العديد مما أسماه "دول الاستثناء"، أي الدول والأنظمة التي تمثل استثناءات عن النموذج الكلاسيكي للرأسمالية. وقد شملت هذه الاستثناءات: الفاشية، البونابرتية، القيصرية، الأنظمة العسكرية الاستبدادية، وأشكالًا مختلفة من الدول البوليسية.
من وجهة نظره، كان من الضروري تحديد الشكل الدقيق للدولة اليمينية المتطرفة القائمة أو التي تلوح في الأفق، من أجل معرفة كيفية مواجهتها بفعالية. ورغم أن تحليله ينطوي على الكثير من الصواب، إلا أن التحدي الأكبر اليوم هو دراسة الواقع الفعلي والملموس في السياق التاريخي الراهن داخل قلب الإمبريالية.
لقد حلل كل من ديميتروف، وتولياتي، وبولانتزاس الفاشية من زوايا مختلفة وفي أوقات كانت فيها القوى الثورية للطبقة العاملة قوية نسبيًا، وكانت الرأسمالية ترى في الفاشية ضرورةً لضمان البقاء في السلطة آنذاك، كانت الفاشية التعبير الأقصى عن الوحشية الكامنة في الرأسمالية.
وكما قال الشيوعي الكندي نورمان بيثون: "هددهم بتخفيض مكاسبهم المالية، وسوف يستيقظ ويزأر الوحش بداخلهم". لكن ما نتعلمه اليوم، وما أصبح واضحًا بشكل متزايد، هو أن الفاشية يمكن أن تصل إلى السلطة حتى عندما تكون الطبقة العاملة بعيدة عن الثورة. ففي أغلب البلدان الرأسمالية، لا تشكّل القوى الشيوعية أو اليسارية تهديدًا مباشرًا، ولا يبدو أن الطبقة الرأسمالية مُضطرة إلى التخلي عن "الديمقراطية الليبرالية" – تلك الواجهة المزيفة للهيمنة البرجوازية. ومع ذلك، نرى زحفًا واضحًا نحو الفاشية.

أمريكا.. مسيرة ثابتة نحو الفاشية
هذا ما يحدث اليوم، خاصة في الولايات المتحدة. ففي العديد من الدول الأوروبية، تحقّق الأحزاب اليمينية المتطرفة نجاحات انتخابية كبرى. وفي دول مثل المجر، السلفادور، الأرجنتين، الهند، إسرائيل، وصلت قوى اليمين المتطرف إلى السلطة.
تتشكل الآن أممية فاشية عابرة للحدود، والولايات المتحدة تقع في مركزها، باعتبارها قلب الإمبريالية العالمية. ويتجلّى هذا بوضوح في صعود دونالد ترامب ونظامه، الذي يمثل نموذجًا متطورًا – وربما فريدًا – من الفاشية المعاصرة. ونشهد زحفًا بطيئًا ولكنه ثابت نحو شكل جديد من الفاشية. لم تتبلور بعد في نظام كامل، ولكن المؤشرات واضحة ومتسارعة. ويمكن لأي مراقب نبيه أن يلاحظ هذه المؤشرات. فالإعلام يُغطي الأحداث والتصريحات اليومية، لكنه غالبًا ما يفشل في فهم الترابط العضوي بين الوقائع، والتي تشكّل في مجموعها بنية فكرية وتنظيمية فاشية. حتى التصريحات الطريفة أو المقلقة، مثل دعوة ترامب لتغيير اسم خليج المكسيك إلى "خليج أمريكا"، أو تهديداته بضم غرينلاند، أو مهاجمة كندا، يتم نسيانها بسرعة، ويتم طمسها تحت وطأة أحداث يومية جديدة. هذه الديماغوجية المفرطة أصبحت وسيلة لخلط الأوراق، وإغراق الجمهور في دوامة الأحداث.
لكن الحقيقة المرّة هي أن الجامعات تُدمر، والمتاحف تُهدد، والمراقبة تتزايد، والمقاومة تُقمع، ووسائل الإعلام تُقاضى وتُجبر على الخضوع، والاحتجاجات تُجرّم، خاصة تلك المناهضة للإبادة الجماعية. نظام ترامب مشبع بـ الديماغوجية الاجتماعية. خصومه يُوصمون بـ"الشيوعيين" أو "اليساريين المتطرفين"، رغم أنهم لا يقتربون حتى من الشيوعية. فحين يصف ترامب أحدًا بالشيوعي، فهو يُعيد إنتاج خطاب مكارثي قديم يهدف إلى إثارة الكراهية والخوف، ودعوة مبطنة إلى العنف. وكما فعل كل القادة الفاشيين، من هتلر إلى يومنا هذا، يتم استخدام معاداة الشيوعية كأداة رئيسية للتحريض والقمع.
تمامًا كأي زعيم فاش أو شبه فاش، يؤكد ترامب أنه سيعيد "القانون والنظام"، وينشر الجيش في الشوارع. ويُخطط حاليًا لإنشاء قوة شرطة وطنية بدعم من حركته المتطرفة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، والتي تتحول شيئًا فشيئًا إلى ميليشيا فاشية. ومنذ اليوم الأول، حكم ترامب بالمراسيم، متجاوزًا الكونغرس والمحاكم، وكل ما يمثل المؤسسات الديمقراطية.

الطريق إلى مواجهة الفاشية
هناك طريق واحد فقط لهزيمة الفاشية. كان جورجي ديميتروف يُدرك هذا الطريق جيدًا: يجب على جميع القوى الشعبية، من الوسط إلى اليسار، من الديمقراطيين الاجتماعيين إلى الشيوعيين، ومن النقابات إلى الحركات الطلابية، أن يضعوا خلافاتهم جانبًا، ويشكّلوا جبهة جماهيرية موحدة لمقاومة الفاشية، بكل أشكالها. هذه المهمة ليست سهلة، لأن التعاون الطبقي والانتهازية منتشرة في صفوف اليسار الإصلاحي؛ والأحزاب الشيوعية لا تزال في مرحلة إعادة البناء في ظل ثورات مضادة مستمرة. لكن مع ذلك، فهذه المهمة ضرورية ولا غنى عنها. يجب أن تُهزم الفاشية، لا بالتحليل وحده، بل بالفعل السياسي والتنظيمي الموحد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة ختامية حول جريدة "عالم الشعب":
تعود أصول "عالم الشعب" إلى صحيفة "ديلي ووركر" التي أسسها شيوعيون واشتراكيون ونقابيون ونشطاء في شيكاغو عام 1924. تنقّلت الصحيفة بين أسماء مختلفة، لكنها حافظت على تقاليد الصحافة النضالية للطبقة العاملة. اليوم، توفّر "عالم الشعب" منصة يومية لأخبار الحركة الشعبية التي يقودها العمال، وتُعبّر عن أصوات: العمال، العاطلين، الأشخاص ذوي البشرة الملوّنة، المهاجرين، النساء، الشباب، كبار السن، العاملين الثقافيين، الطلبة، وذوي الاحتياجات الخاصة. كما تنشر الصحيفة تحليلات وآراء ماركسية طوّرها الحزب الشيوعي الأمريكي، بالإضافة إلى مساهمات من تيارات يسارية أخرى.
عن موقع الجريدة الإلكتروني.