مهرجان جريدة الشيوعي النمساوي.. مشاركة واسعة ورؤية مشتركة للسلام والعدالة
رشيد غويلب
الحوار المتمدن
-
العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 00:13
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
احتضنت حديقة "براتر" في العاصمة النمساوية فيينا في الفترة 30 – 31 آب الفائت الدورة 78 لمهرجان جريدة الحزب الشيوعي النمساوي "صوت الشعب".
يعد المهرجان، الذي انطلق لأول مرة عام 1946، منتدى مفتوحا للحركات والمبادرات اليسارية، على غرار مهرجان اللومانتيه الفرنسي، أكبر مهرجان يساري أوربي. يشارك في المهرجان العديد من الأحزاب الشيوعية واليسارية، والحركات الاجتماعية. والمهرجان تظاهرة يسارية سياسية ثقافية اجتماعية فنية كبيرة. وقد شهد على مدى يومين، فعاليات سياسية وثقافية، وحفلات موسيقية ومسابقات رياضية وفقرات للأطفال، توزعت على خيم واجنحة الأحزاب والمنظمات المشاركة، التي احتضنت ندوات وفعاليات ونشاطات مختلفة.
برنامج حافل
وكما هو الحال في عام 2024، كانت مواضيع الحرب في غزة وأوكرانيا، ومشكلات ارتفاع أسعار السكن والطاقة والسلع الغذائية وقضايا اللاجئين والمرأة والشباب والبطالة والبيئة، بارزة في منصات الندوات الموزعة على أرض المهرجان.
بالإضافة إلى طاولات الحوار شهد المهرجان سياسيا، العديد من اللقاءات الثنائية بين قوى اليسار ونقابات عمالية ومنظمات شبابية وحركات من بلدان مختلفة. لقد عززت هذه اللقاءات فهمًا مشتركًا مفاده أن النضال من أجل السلام والديمقراطية والعدالة الاجتماعية يتطلب جهودًا مشتركة عابرة لحدود الدولة الوطنية. وإن بناء شبكات التضامن والاستراتيجيات الملموسة المشتركة ليس مهما فقط، بل هو أمرٌ لا غنى عنه..
تُعدّ القرية الأممية نقطة جذب قوية في المهرجان، حيث تُعرض أحزاب ومنظمات يسارية من مختلف بلدان العالم أهم التطورات الجارية فيها، بالإضافة إلى مواقفها من قضايا العالم المؤثرة، أو الملتهبة. وتضمن برنامج هذه الدورة مناقشات جوهرية. على سبيل المثال، طاولة حوار حول كيف التغيرات التي أحدثها الذكاء الاصطناعي على صعيدي الممارسة والنظرية، موضوعة "السلام بدلًا من السلاح"، الذي يتناول تزايد عسكرة أوروبا. وكذلك مبادرات السلام ومفهوم الحياد، إلى جانب مناقشة تطورات حركة التحرر الكردستانية، والقوانين الأوربية بشأن سلاسل التوريد وحقوق الإنسان، أو اليسار وشبكات التواصل الاجتماعي.
واحتلت النشاطات الثقافية والفنية المتنوعة حيزا كبيرا من فعاليات المهرجان.
أبرز الفعاليات السياسية
خلال يومي المهرجان، استضافت حزب اليسار الأوربي، وشارك في العديد من الندوات السياسية الهامة، تناولت قضايا السلام والعدالة الاجتماعية والديمقراطية في أوروبا. من أبرزها مناقشة "استراتيجيات اليسار اليوم"، التي شارك فيها: إينيس شفيردتنر، الرئيسة المشاركة لحزب اليسار الألماني)، وبيتر ميرتنز السكرتير العام لحزب العمل البلجيكي، وغونتر هوبفغارتنر زعيم الحزب الشيوعي النمساوي. وتم خلالها تناول التحديات والفرص المتاحة لقوى اليسار في ظل تفاقم التفاوتات والأزمة البيئية وتنامي العسكرة.
أكد بيتر ميرتنز على دور الأحزاب اليسارية كـ "مكبر صوت للطبقة العاملة" داخل البرلمانات، قادر على توجيه الحركات الاجتماعية في النضال نحو مجتمع اشتراكي حقيقي. وأكدت إينيس شفيردتنر، أن الحديث بصراحة عن الصراع الطبقي ليس حنينًا للماضي، بل هو القوة الأساسية القادرة على توحيد الناس وممارسة ضغط حقيقي على النظام الرأسمالي. وحذّر غونتر هوبفغارتنر من الحكومات التي تُهيئ المجتمعات للحرب، من خلال خفض المساعدات الاجتماعية، وإعادة تشكيل أولويات الصراع الاجتماعي، داعيا الأحزاب الشيوعية واليسارية إلى توحيد النضالات ضد حكومات الحرب.
ومن بين الفعاليات المهمة الأخرى طاولة حوار بعنوان: "السلام بدلًا من إعادة التسلح"، حيث وجّه فالتر باير رئيس حزب اليسار الأوربي، رسالةً واضحةً لا لبس فيها: لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يدّعي دعم السلام بينما يُطبّق القانون الدولي بشكل انتقائي، وشدد باير على أن: "يُطالب الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على روسيا، لكنه يغضّ الطرف عن حرب الإبادة الجماعية في غزة. ان هذا ليس جهلًا، بل تواطؤ".
وجرى مجددا تأكيد ً مطالب مثل: فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، والاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية، ونزع السلاح بدلاً من الانزلاق نحو حرب عالمية جديدة. وخلص باير إلى أن "أوروبا يجب ألا تعبث بالأسلحة النووية. لتحقيق شعارات من أجل السلام، لا للناتو. من أجل أوروبا الشعب، لا لأوربا الأوليغارشية ومناصري الحروب".
وتناولت طاولة حوار أخرى، أوضاع قوى اليسار وتصوراتها في وسط وشرق أوروبا، والتحديات الإقليمية في ظل أزمات متعددة. وللأسف، اقتصرت المشاركة على متحدثين من جمهورية التشيك، مما أدار النقاش بطبيعة الحال من منظور جيوسياسي وسياسي تشيكي. وضمت قائمة المشاركين التشيك ميلان كراجكا (نائب رئيس الحزب الشيوعي في بوهيميا ومورافيا)، وماركيتا جوريكوفا (الرئيس المشارك لحزب اليسار التشيكي، وجيري مالك من "ترانسفورم اوربا".
جرى التركيز على التطورات السياسية الراهنة في جمهورية التشيك، قبيل الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول المقبل، وتناول القانون المناهض للديمقراطية الذي يحظر الأنشطة الشيوعية، باعتباره تحديًا خطيرا للقوى التقدمية.
أظهر المهرجان حيوية القوى التقدمية في أوروبا والعالم، والتزام اليسار بتوفير الوضوح السياسي والمساحة التنظيمية اللازمة لنمو الطاقات.
وستستكمل الحوارات التي شهدها المهرجان، بعد شهرين، في فيينا خلال اعمال المنتدى الأوروبي السنوي للقوى اليسارية والتقدمية والخضراء، الذي سيعقد في مقر اتحاد نقابات العمال النمساوي. وستشارك في أعماله مجددًا الأحزاب والحركات والمثقفون الملتزمون ببناء أوروبا أكثر عدلًا.