حين يترشح متهمون بجرائم الحرب لجائزة السلام
حميد كوره جي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 17:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المحزن والمثير للسخرية في آن واحد، أن يصل الأمر بمتهمين بجرائم حرب وإبادة جماعية إلى ترشيح آخرين متورطين في جرائم مشابهة لجائزة نوبل للسلام. هذا المشهد يعكس تحديًا صارخًا لمبادئ العدالة والسلام، ويحوّل هذه المفاهيم النبيلة إلى مسرح للعبث والسخرية. إنه يسلط الضوء على فوضى عالمية تنهار فيها القيم الإنسانية والحضارية، تاركةً المجال لتبرير الجرائم الكبرى بدلًا من محاسبة مرتكبيها، في إشارة إلى أزمة أعمق في النظام العالمي.
تظل القضية الفلسطينية الإسرائيلية حبيسة حلقة مفرغة من الجمود، حيث تُستبعد الحلول الواقعية لصالح النهج العسكري الذي يُقدم كغطاء "للحقوق الدفاعية" ضد تهديدات غير مؤكدة. تلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في دعم هذا التوجه، بينما يسعى بنيامين نتنياهو لتعزيز الدعم الأمريكي عبر لقاءات مع دونالد ترامب، بهدف تأمين مواجهة طويلة الأمد مع إيران. ترى إسرائيل في المنطقة مسرحًا لإعادة التشكيل عبر أزمات وحروب مستمرة، لتحقيق طموحها في التفوق والهيمنة تحت شعار القوة العالمية.
الخطة المقترحة لأزمة غزة، والتي تركز على نقل السكان المحليين إلى معسكر جديد يتسع لمليوني شخص لفصلهم عن حماس وإعادة توزيعهم، هي جزء من رؤية أوسع لإحداث تغيير هيكلي شامل. إلا أنها تواجه تحديات هائلة تجعلها تبدو كـ "عبء ثقيل يستمر بلا نهاية، أشبه بعقوبة سيزيف".
تُظهر شخصية ترامب ديناميكية غير مستقرة، تتجسد في افتعال الأزمات بسرعة وخلق حالة من الفوضى، ثم المطالبة بإيجاد حلول بنفس السرعة. هذا النهج يعكس استراتيجية معقدة تجمع بين خلق المشاكل والسعي للتحكم بها.
عند تأمل مصطلح "الخيانة" في سياق وصف طبيعة ترامب بكونها "سريعة ومذهلة في صناعة الأزمات والمآسي"، لا يبدو الأمر خيانة مباشرة لشعب أو بلد من قبل القائد الإسرائيلي "بيبي". بل تُترجم الخيانة هنا إلى تقويض فرص الاستقرار والسلام، نتيجة الاعتماد على الطبيعة غير المتوقعة لترامب التي تُظهر قدرة استثنائية على صنع الأزمات ثم المطالبة بـ "حق" تحقيق المكاسب منها. يبدو أن التحالف مع قوة غير مستقرة مثل ترامب يعبر عن اختيار يفضل استمرار النزاع وتعميق الأزمات بدلًا من السعي الجاد نحو حلول عادلة ومستدامة.
تتضح رؤية بنيامين نتنياهو للسياسة كـ "لعبة يمتزج فيها الخداع والمكر كعناصر أساسية". هذا التصور يمهد الطريق لتبني استراتيجيات تعتمد على التحايل والتلاعب المتقن، مع استخدام أساليب ذكية تركز على تحقيق مصالح معينة دون التزام فعلي أو تقديم تغييرات جوهرية.
في هذا السياق، تشير الشائعات إلى استغلال نقاط ضعف دونالد ترامب، الذي يُعتبر سهل التأثير عليه بسبب حاجته الملحة لتحقيق إنجازات تُلمع صورته، ورغبته العارمة في الحصول على جائزة نوبل للسلام. تعتمد الاستراتيجية المطروحة على إعداد نص مصاغ بعناية فائقة يبرز ترامب في دور صانع السلام، دون أن تقترن الكلمات بأي تغييرات ملموسة في السياسات أو الالتزامات الحقيقية.
الهدف المعلن هو تقديم ترامب كمهندس للسلام في المنطقة والعالم، وهي صورة تجعله مرشحًا بارزًا لجائزة نوبل. تعقب هذه الخطوة زيارة رمزية يقدم خلالها هذا الترشيح علنًا لترامب، في إطار يهدف لتعزيز شعوره بالإنجاز عبر المناورة القائمة على المديح والإطراء.
ترتبط هذه التكتيكات ارتباطًا وثيقًا بمبادئ الفيلسوف توماس هوبز، الذي أشار في نظريته إلى أن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه إلا عبر المرور بمرحلة من الصراع. ومع ذلك، يظهر تفسير مشوّه لهذا المفهوم في نهج كل من بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب. فكلاهما يسعى لتبرير تحركاتهما السياسية المثيرة للجدل بادعاء أنها خطوات ضرورية لتحقيق السلام، رغم تورطهما العميق في تأجيج النزاعات وتصعيدها.
ثمة سؤال بلاغي ساخر: "إذا كان فريق نتنياهو قادرًا على إحكام قبضته على ترامب بهذه المهارة، هل يصح اعتبارهما أفضل المخادعين على مستوى العالم؟" هذه العبارة تكشف عن التناقض الحاد بين الخطاب السياسي المعلن والمساعي الحقيقية التي تركز على تحقيق مكاسب شخصية بدلًا من السعي الجاد لتحقيق السلام.
المشكلة ليست في تفوق أمة أو دولة أو عرق معين. الحل الحقيقي يتطلب تجاوز النموذج القائم الذي يُعّرف الدولة على أساس إثني أو ديني، سواء من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني. يجب الاتجاه نحو بناء تصور حديث لـ "الأمة المتمدنة"، التي تستند إلى مبادئ التعددية واحترام التنوع الثقافي، وتتيح لجميع الأفراد، مهما اختلفت خلفياتهم، العيش معًا في مجتمع مفتوح ومتسامح يتبنى التعايش كقيمة أساسية. هذا التعايش يجب أن يمكن الجميع من الإسهام في إثراء التنوع وتعزيزه بدلًا من استنزافه وتقسيمه.
التقدم الحقيقي لا يتحقق عبر التمسك بالماضي أو السعي لإحيائه، بل من خلال تجاوز إرث الماضي والعمل باتجاه مستقبل مشترك يحترم حقوق الجميع دون تمييز. ازدهار الجميع وحريتهم مرهونان بضمان الحرية والازدهار للآخرين على قدم المساواة.
أثار إعلان المتحدثة الصحفية باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بأن دونالد ترامب يستحق جائزة نوبل للسلام، جدلًا واسعًا. استندت ليفيت في ترشيحها إلى مقال يصف قصف ترامب لمنشآت إيران النووية في يونيو، معتبرة أن هذا الإجراء منع إيران من الحصول على سلاح نووي. كما أشارت إلى دوره المزعوم في وقف إطلاق نار مؤقت بين إسرائيل وإيران، وجهوده الحالية للتوسط بين إسرائيل وحماس. وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالفعل عن ترشيحه لترامب للجائزة.
وقد واجه تصريح ليفيت انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أشار المنتقدون إلى أن القصف المذكور حدث قبل التوصل لأي هدنة، مما يضعف الحجة القائلة بأنه ساهم في إحلال السلام. كما لفت البعض الانتباه إلى أن الأسلحة الأمريكية استُخدمت في الهجوم الإسرائيلي، وهو ما يتعارض مع فكرة تعزيز السلام. اعتبر العديد أن سياسة ترامب الخارجية كانت سببًا في تصاعد النزاعات بدلًا من إنهائها، مما يجعل ترشيحه لجائزة السلام محل تساؤل كبير.
إن المشهد الذي نراه حيث يقوم شخص متهم بجرائم حرب بترشيح آخر يُنظر إليه كـ "مجرم" لجائزة نوبل للسلام، يثير سخرية مريرة ويدفع للتساؤل عن مدى تدهور القيم والمعايير العالمية. هذه الظواهر لا تعكس فقط تدهورًا في فهم أو تطبيق مبادئ السلام والعدالة، بل تشير أيضًا إلى تآكل المعايير الأخلاقية والقانونية. عندما تصبح الاتهامات الخطيرة بجرائم حرب أو إبادة جماعية أقل تأثيرًا على الخطاب العام أو على إمكانية الترشح لجوائز مرموقة، فهذا يشير إلى تآكل خطير في المعايير التي من المفترض أن تحكم العلاقات الدولية والمبادئ الإنسانية.
هذا يعكس "انزلاق مسيرة الحضارة البشرية في حركة إلى الوراء نحو جانبها المظلم". إذا كانت المبادئ التي بُنيت عليها الحضارة الحديثة، مثل حقوق الإنسان والعدالة والسلام، تُصبح عرضة للتلاعب أو السخرية بهذا الشكل، فإن ذلك يثير تساؤلات حقيقية حول مستقبل هذه المبادئ وقدرة البشرية على التعلم من أخطاء الماضي. إن هذه "المزحة التاريخية المريرة" هي في جوهرها دعوة للتفكير النقدي والمساءلة حول كيفية تحديد قيمنا، ومن نعتبره مستحقًا للتكريم على المسرح العالمي.