بخصوص الوطنية والمواطنة
معتز حيسو
الحوار المتمدن
-
العدد: 8303 - 2025 / 4 / 5 - 02:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
معتز حيسو كاتب وباحث سوري
لماذا نربط بين مفهوم الوطنية ومبدأ المواطنة؟ وفق أية معايير يتم ضبط مفهومي الوطنية والمواطنة؟ لماذا يتم اختزال ودمج الوطن،الوطنية،الدولة بشخص الحاكم ووفق أية آليات.
تساؤلات كثيرة تثار حول مفهوم الوطنية،الهوية الوطنية،الاتحاد الوطني،والرابطة الوطنية.لكن بشكل عام يتم تأطير تلك المفاهيم وغيرها في سياق القطع مع مبدأ المواطنة وبما يتناسب مع رؤية الحاكم الأيديولوجية ومصالحه السياسية.
إشتغلت السلطة الأسدية على تأطير السوريين وفق آليات تؤبد سيطرتها بالضد من مصالح السوريين وآليات تفكيرهم وطبيعة انتماءاتهم.وكان يتم ضبط وتأطير مفهوم الوطنية بما ينسجم مع رؤية البطانة الضيقة والمغلقة للسلطة الإحتلالية المخلوعة، ووفق آليات تمنع تشكّل الهوية الوطنية الجامعة. بتعبير آخر كانت الطغمة المخلوعة تُعيق تشكّل إطار وطني جامع للسوريين، وتدَّعي الوطنية والسيادة الوطنية وسيادة القرار الوطني رغم استمرار احتلالات خارجية لأجزاء من الجغرافيا السورية، وارتهان (القرار السيادي)حتى لحظة إسقاط السلطة.
إن إسقاط السلطة الأسدية الإبادية فتح على تشكُّل وعي سياسي مدني بالتزامن مع إعادة بناء الدولة، وتأثير الوعي المتشكل يتجاوز سطح التفكير السياسي المتوارث إلى بنية الوعي المجتمعي وآليات التفكير السائدة وأشكال تجلياته،ولذلك علاقة باعتماد خطاب وطني جامع يعمل على تمكين هوية وطنية تستند إلى مبدأ المواطنة.
تقف سوريا في اللحظة الراهنة أمام مفترق يحدّد مستقبلها الوطني إما تنزلق إلى التقسيم على قاعدة تمكين كانتونات متخارجة تحمل بذور الصراع البيني، وإما بناء دولة موحدة أرضاً وشعباً على مبدأ المواطنة وإطلاق الحريات العامة وتحقيق العدالة الانتقالية والاجتماعية. وكلا المسارين يتحدد بعاملين: داخلي: يتمحور حول وعي السوريين لمصالحهم الحقيقية وقدرتهم على بناء دولة ديمقراطية تقوم على نبذ العنف وخطاب الكراهية والطائفية واعتماد مصالحة وطنية تعتمد التسامح بالتزامن مع تحقيق العدالة الانتقالية. خارجي:مازالت سوريا حتى اللحظة ساحة لتصفية صراعات إقليمية ودولية من أجل تحقيق مصالح خاصة بكل دولة. وذلك له علاقة بأهداف الثورة السورية وطموح السوريين في بناء دولة ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية،ولم تزل غير دولة تعمل على توسيع دائرة نفوذها وتمكين مصالحها والاستثمار بدماء السوريين، ويتجلى ذلك في سياق عملها على تحويل سوريا إلى كانتونات وظيفية متخارجة. فالكيان الإسرائيلي مثلاً يتذرَّع بحماية الأقليات لتمكين مشروعه الإحتلالي التوسعي والتقسيمي للمنطقة.
لقد عرتّ الثورة السورية منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها وحتى الآن الأوضاع الدولية ومواقفها المتناقضة وغير الإنسانية، ويكشف عن ذلك ما نشهده حالياً في سياق إعادة تشكيل سوريا. مما يؤكد على أن تباين الموقف الدولي من السلطة الساقطة ومكونات الثورة السورية يظلُّ مشروطاً بتحقيق مصالح الدول صاحبة النفوذ. ومن الممكن أن يكون ما نشهده حالياً مرتبطاً بتهديدات (مخططات) خارجية بأن بديل الأسد سيكون إسلاماً جهادياً. ما يعني إمكانية إدخال سوريا والسوريون أتون صراعات مفتوحة تخدم مشاريع ومصالح قوى وأطراف أجنبية. لقد بات واضحاً بأن من أهداف تأجيج الصراع بين مكونات المجتمع السوري، هو إعادة رسم الخارطة الجيو سياسية لسوريا وتشكيل المجتمع السياسي على قاعدة مكونات دون وطنية. أي تكريس تقسيم جغرافي،وتحويل المكونات المجتمعية إلى طائفية سياسية. ومن المعلوم بأن مشروع إعادة توضيب منطقة الشرق الأوسط بدأ من لحظة الدخول العراقي للكويت وتأكد بالحرب الثانية على العراق مروراً بالحرب على غزة وحزب الله والحوثيين في اليمن ومن المتوقع أن تمتد الحروب إلى إيران ودول أخرى.أي أن ما يجري في سوريا وغير دولة محكوم بمشاريع خارجية كبرى.
انطلاقاً من ذلك نرى أن وضع أسس عقلانية لتجاوز الأوضاع السورية الراهنة يستوجب الإقرار بأننا نواجه أزمة متعددة المستويات. وطبيعة مواجهتها يحدّد شكل الهوية الوطنية المستقبلية والانتماء الوطني وتركيبة الدولة وبنية النظام وشكله السياسي وطبيعة العلاقة بين تشكيلات المجتمع السوري.انطلاقاً من ذلك نؤكد أن مواجهة التدخلات الخارجية يستوجب التمحور حول خطاب وطني جامع يعيد تشكيل هوية وطنية جامعة في سياق تجاوز التموضعات ما قبل وطنية. وهذا يفترض إنضاج وعي مجتمعي عابر للطوائف، رافضاً لخطاب الكراهية والتنابذ.وبنفس الوقت يقع على عاتق القيادة الجديدة تقديم رؤية سياسية وطنية جامعة تعبّر عن طموح السوريين في بناء دولة يحمي وحدتها وسيادتها جيش وطني احترافي لا يتدخل في السياسة،تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية.
إن بناء سوريا شأن سوري سيادي مستقل يقوم على ربط البناء الوطني بالمواطن بوصفه قيمة سامية لا يجوز المساس بها، وتكريس هوية وطنية جامعة بكونها الأساس الصّلب لبناء الدولة السورية الموحدة بشعبها ولشعبها لمواجهة مشاريع خارجية من أهدافها تحويل المجتمع السوري إلى تجمعات طائفية سياسية متخارجة متناقضة ومتصارعة.أمام هذا التحدي المصيري هل السوريون قادرون على بناء وعي عابر للطوائف، هل ينجحون في بناء هوية وطنية جامعة؟ هل تستطيع القيادة الجديدة تجاوز وعيها الأيديولوجي والتخلي عن لغة المنتصر وتوحد السوريين على أساس مشروع وطني عابر للطوائف والأديان.
إن مواجهة التحديات المذكورة وتجاوزها ديمقراطياً، يستوجب القطع مع مخلفات العقود الماضية، وبناء وعينا الذاتي في سياق بناء مجتمع حر ودولة تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية والقانون والالتزام بالمعايير الإنسانية.
ختاماً أن تمكين السلم الأهلي وضمان الأمان المجتمعي وإنجاز مصالحة وطنية شاملة وعميقة يبدأ من إقامة محاكم مستقلة تعمل على تطبيق عدالة انتقالية تشمل كافة أطراف الصراع، العمل على تمكين لغة التسامح كونها أحد المداخل لترسيخ العيش المشترك بين السوريين، الإقرار بمبدأ التداول السلمي للسلطة، الفصل بين السلطات،إطلاق الحريات العامة، حماية حرية الاعتقاد، رفض الخطاب التمييزي بين السوريين، المساواة أمام القانون، تجريم خطاب الكراهية، ضمان حق المشاركة السياسية للسوريين كافة وتحقيق العدالة الاجتماعية.