من تحديات العمل السياسي والمدني في اللحظة الراهنة


معتز حيسو
الحوار المتمدن - العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 02:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كاتب وباحث
18/ 12/ 2024/.
شهدت سوريا بداية عهد الأسد الإبن نشاطاً سياسياً ومدنياً لافت. فانتشرت المنتديات بالتزامن مع نشاط سياسي مكثف للقوى السياسية الموجودة قبل ذلك التاريخ، وتوالدت تشكيلات سياسية ومدنية شملت عموم الخارطة السورية. وكانت تلك النشاطات والفاعليات تحمل هموم الوطن في محاولة منها للخروج من الأوضاع السائدة آنذاك. لكن تم القضاء عليها سريعاً من قبل سلطة الأسد, إضافة إلى اشتغاله على تجفيف منابع النشاطات والفعاليات أياً كان شكلها وأهدافها. مستخدماً بذلك القبضة الأمنية المتغولة والمنعكسة آثارها حتى اللحظة على كل مواطن سوري. ليتسيد المشهد /أحزاب الجبهة المرتبطة عضوياً بالسلطة الحاكمة/، ويعيد الأسد الإبن سيرة أبيه، بفرض القمع والقهر واعتقال الناشطين المدنيين السلميين وإفقار السوريين بشكل مرعب.وإن لم يتخلى عنها إلا ظاهرياً ولفترة جداً قصيرة.
ومع انطلاق الثورة السورية ربيع عام 2011 عادت الحياة للمجتمع من جديد بأشكال وتجليات سياسية ومدنية متنوعة. ومن جديد تعتمد السلطة الحاكمة سياستها المعهودة في القمع والتنكيل والإعتقال والقتل بأشكال وأساليب جداً وحشية. ومع انتشار الثورة السورية على كامل جغرافية الوطن شعر رأس النظام بتهديد مباشر لوجوده السياسي، فاشتغل إضافة لأساليبه القمعية على إدخال سوريا والسوريين في معارك أدت لدمار البلاد على كافة المستويات، وتزامن ذلك مع سياسية التهجير القسري والتغيير الديمغرافي للوصول لسوريا المفيدة من نظره. وكان لإيران وروسيا ومقاتليين من كافة الجنسيات دور واضح في إيصال سوريا والسوريين إلى ما نشده حالياً.
لكن بعد إسقاط الطغمة الحاكمة (8/12/2024) في دمشق من قبل هيئة تحرير الشام وفصائل اخرى متعددة مدعومة من أنقرة ودول أخرى فاعلة في الملف السوري، وإخراج إيران من المشهد السوري وكذلك روسيا. فإن الوضع السوري دخل مرحلة مختلفة بالكامل.
إن ما نشهده في اللحظة الراهنة من تحولات سياسية دولية وإقليمية وعربية بما يخص الملف السوري نرى إنه يندرج في سياق تمكين مشروع الشرق الأوسط الجديد. ويتجلى عنوانه العريض بالقضاء على/المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وتجفيف مصادر الدعم. وصولاً لمواجه عسكرية محتمله مع إيران . ما يعني بداهة إخراج إيران وروسيا من المشهد السياسي والجغرافي من لبنان وسوريا والعراق واليمن ومناطق أخرى. بالمقابل سنشهد نفوذاً لدول أخرى متعددة أبرزها تركيا ودول الخليج العربي وبمقدمتها العربية السعودية، إسرائيل ودول الإتحاد الأوروبي ودول أخرى ذات صلة. وجميعها يندرج تحت المظلة الأمريكية. وكل من تلك الدول له مصالح وأهدف مختلفة تتعلق بموضوعة النفوذ والمصالح الإقتصادية والأهداف السياسية، ويعملون على تمكينها من خلال اشتغالهم على الملف السوري. ويتقاطع ذلك وينعكس عليه أيضاً بشكل مباشر اختلاف الفصائل المسلحة المتواجدة فوق الأرض السورية وذلك من جهة الدعم العسكري والمالي وأيضاً الإرتهان السياسية للدول الداعمة.
أمام هذا المشهد المتداخل والمتراكب والذي يشكل بحد ذاته تحدياً أمام نشاط القوى السياسية والمدنية المستقل والحر، سنحاول عرض تحديات العمل المدني والسياسي في سوريا باللحظة الراهنة.
منذ اللحظة الأولى لسقوط سلطة الأسد، بدأت الحياة تعود للمجتمع السوري. فحملت النخب السياسية والمدنية والفعاليات المجتمعية على عاتقها تشكيل حلقات حوارية وأشكال من التجمعات المدنية تتكاثر بتسارع لافت. وذلك لبحث الوضع الراهن ووضع أهداف وآليات عمل لملئ الفراغ الذي تسببت به السلطة البائدة بفعل آلياتها التي كان هدفها الرئيس تجفيف منابع العمل السياسي وإقصاء المثقفين والمفكرين والسياسيين وأيضاً مؤسسات العمل المدني وجمعيات حقوق الإنسان عن المشاركة في صناعة القرار الوطني، مستخدمةً القمع العاري والقهر والاعتقال والقتل والتصفيات الجسدية .... لكل من يعلو صوته النقدي أو المعارض السلمي. فتلاشي العمل السياسي المعارض بأدنى مستوياته.
إن إنتصار الثورة فتح المجال أمام كافة فئات وشرائح المجتمع السوري، للتعبير عن مكنوناتها الفكرية المعبِّرة عن همّها الوطني. فتحولت سوريا بعض سقوط السلطة الحاكمة إلى وطناً حقيقياً يتسابق السوريين للمشاركة في إعادة بناءها بما يليق بهم ويعبّر عن تضحياتهم التي قدموها لنيل حريتهم. فهم يستحقون وطناً يتسع لهم ويكون حضناً دافئاً، لا رعب فيه ولا خوف ولا قهر أو جوع.لكن وبالقدر الذي يعبّر فيه تسارع تشكيل التجمعات المدنية والسياسية عن حالة صحية تعبر عن تمسك السورين بالحياة وبناء مستقبلهم. إلا أنه في ذات الوقت أن يقود إلى التذرر والتفكك. لذلك فإننا نحتاج بالضرورة إلى مزيد من التواصل والتنسيق بين تلك الفعاليات. للوصول إلى تشكيل أجسام سياسية ومدنية صلبة ومتماسكة قادرة على التعبير عن السوريين كافة، فهم تعبيراً عن المجتمع ومنه، ونتائج عملهم ستنعكس بالضرورة على المجتمع سلباً كانت أو إيجابية.
في ذات السياق نرى أنه من الضروري التشبيك مع الناشطين المدنيين والسياسيين والحقوقيين والفعاليات السياسية التي لم تَعد حتى الآن إلى سوريا. فهم يمتلكون خبرات وإمكانيات تساهم بشكل جدي في بناء سوريا المستقبل. ما يعني التأكيد على ضرورة التواصل والتنسيق المشترك بين كافة الفعاليات الداخلية والموجودة بالخارج. علماً أنه لم يعد من مبرر لوجودهم بخارج سوريا.
لكن ثمة تحدي آخر يتمثل في أن حكومة الإنقاذ تمارس السلطة بأدواتها الذاتية وبما يلبي توجهاتها وأهدافها، ويمكن أن يقود ذلك إلى تكريس أمر واقع يمكّنها من الإستئثار بالسلطة من خلال السيطرة على مؤسسات الدولة وفرض السياسات المعبِّرة عن أيديولوجيتها الدينية. ويتقاطع ذلك مع إمكانية فرض متخصصين تابعين لها لصياغة الدستور بما يتناسب مع تلك الأيديولوجيا. رغم أنه توجد مؤشرات تخالف ذلك، لكنها ضبابية وغير واضحة الملامح وتخضع لمصالح الدول ذات العلاقة. بالمقابل فإن الحراك الدبلوماسي الدولي والإقليمي والعربي يدفع حكومة الإنقاذ لعقد مؤتمر حوار وطني شامل وتشكيل حكومة إنتقالية تعبر عن مكونات المجتمع السوري، مهمتها قيادة المرحلة الإنتقالية وتشكيل لجان لصياغة الدستور والتحضير لتشكيل حكومة دائمة منتخبة وصولاً للانتخابات الرئاسية. وجميعها يمكن أن ينضوي تحت مظلة أممية. لكن وكما أسلفنا فإن المصالح الدولية والإقليمية تؤشر إلى مخاطر الهيمنة على قرار السوري وخطفه تلبية لمصالحها المتباينة. ومن الممكن أن تسهم التدخلات الخارجية في استمرار الصراع بين الفصائل المسلحة سواء كان ذلك في الجنوب السوري، أو في شرق الفرات. والخطورة الأكبر تكمن في نشوء ثورة مضادة من داخل هيئة تحرير الشام، أو من أطراف موالية مازالت تستحوذ على السلاح.
في ذات السياق ولكن على مستوى آخر مختلف.احتفل السوريين بغالبيتهم العظمى بإسقاط النظام البائد، وبإنتصارالثورة السورية. لكنهم بالتأكيد يختلفون فيما بينهم على مستوى الأهداف التي يريدون الوصول إليها. وكذلك فإن مصالحهم وآليات اشتغالهم مختلفة. وأيضاً يختلفون في درجة معارضتهم للنظام البائد وموقفهم من شكل وتركيبة وبنية النظام القادم وسياساته العامة التي بُدأ بتكريسها بغض النظر عن مواقف وأهداف المجتمع السوري وقواه السياسية والمدنية وتطلعاتهم المستقبلية ورؤيتهم لطبيعة نظام الحكم وشكل الدولة وتركيبتها وقضايا أخرى كثيرة تتعلق بالحريات والمشاركة ....ما يستدعي التأكيد على أهمية التواصل والتنسيق بين القوى الفاعلة لتحديد أهداف واضحة متكاملة ومتماسكة قادرة على المشاركة في صناعة مستقبل سوريا كدولة ونظام حكم. وفي السياق ذاته من الضروري والمهم التنسيق والتشبيك بين قوى الداخل والخارج السياسية والمدنية. والأخيرة مطالبة بالعودة لسوريا بأسرع وقت ممكن.
ويعلم من في الداخل إن بعض من القوى السياسية الموجودة في الخارج وفي مقدمتهم الإئتلاف المعارض يفتقد إلى الشرعية من قبل شرائح واسعة من السوريين. وذلك نظراً لمواقفه السياسية التي لم تعبر عن السوريين، إضافة للفساد السياسي والمالي والإرتهان للخارج.... وهو بذلك لم يكن يختلف في آليات اشتغاله وتركيبته السياسية... عن النظام البائد إلا بالشكل فقط.
أن موقفنا من تدخل دول إقليمية ودولية وعربية في رسم ملامح سوريا المستقبل، ومن القوى السياسية والمدنية المتشكلة قبل الثورة السورية أو أثناءها أو التي تتشكل حالياً، وصولاً إلى الموقف من هيئة تحرير الشام والفصائل التي شاركت معها في إسقاط نظام الطغمة التي حكمت السوريين بالنار والحديد. يقوم على دعوة السوريين كافة للعمل كل من موقعه وحسب إمكانياته للمشاركة بتحديد ملامح سوريا التي يريد غالبية السوريين المطلقة أن تكون دولة موحدة يتساوى فيها الجميع في حقوق المواطنة. وأن يكونوا ممثلين فيها وفاعلين. وبما يكفل لهم التوزيع العادل للثروة الوطنية لضمان كرامتهم في العيش الكريم.
أخيراً:يشكل ضمان حرية العمل السياسي والمدني والحقوقي، وحق المشاركة الفردية العامة، وحرية التعبير عن الرأي عبر كافة الوسائل.المدخل الرئيس لبناء سوريا التي ضحى لأجلها السوريين. ولن يكون ذلك دون ضمان تلك الحقوق دستورياً وقانونياً.