الإبداع الغائب


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 8125 - 2024 / 10 / 9 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يستحيل على قوى الإسلام السياسى فى مصر أن تتحول إلى ما يشبه النسخة الإسلامية من (لاهوت تحرير مصرى) إلا إذا شطبت بالكامل على كل التراث الذى تركه محمد بن عبد الوهاب وحسن البنا وأبو الأعلى المودودى وسيد قطب ومن على شاكلتهم ، وأعادت توطين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم داخل حدود عصورهما الزمنية وأن تقوم بإعطائهما إخلاء طرف نهائى من حاضرنا عبر قراءة جديدة للدين الإسلامى تعيد إليه مركزية الإنسان كمدخل لأى مقاربة مع لاهوت التحرير تحقق (إسلام التحرير) وأن تبادر تيارات الإسلام السياسى والإسلام الدعوى إلى شطب القضايا الست التالية من جدول أعمالها كشرط مبدئى لإجراء هذه المقاربة ..
١ - قضية أن رابط الوطنية هو مجرد بدعة غربية وأن رابط الدين الإسلامى هو الرابط الوحيد وان الأمة الإسلامية هى اللحمة البشرية التى تشكل مجال عمل الجماعة ..
٣ - مبدأ الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة التى تعتبر أن الإسلام هو المذهب السنى واعطاء السنة وضعاً مركزياً حاكماً للدين والإنسان بحيث يصبح المذهب السنى هو الإسلام بل هو الدين وماعداه من مذاهب وأديان ليس إلا مراوحة بين الكفر والشرك ، ومن ثم تأجيج نيران الطائفية التى تتعارض تماماً مع قيم الإخاء الإنسانى .
٣ - مبدأ حاكمية الدين الإسلامى حيث أن الدين الإسلامى ليس ديناً للهيمنة والسلطة وانما هو دين شأنه كبقية الأديان وجدت لتنتصر للإنسانية وللحياة ، ويمكن قراءته وفقاً لمنهج يرى في قيمه العليا انتصاراً ضد الظلم الإجتماعى وضد كافة اشكال قهر الإنسان للإنسان بما فى ذلك القهر الدينى ، والكف تماماً عن اسباغ القدسية على اشكال سلطوية ماانزل الله بها من سلطان كالخلافة والإمارة أو سلطة أهل الحل والعقد وما إلى غير ذلك من اشكال سلطوية عفا عنها الزمن ..
٤ ـ أن الصراع الدائر فى المنطقة العربية هو صراع بين المسلمين واعداء الدين الإسلامى ، لأن الصراع فى حقيقته صراع شعوب بلدان المنطقة العربية ضد الهيمنة الإستعمارية وضد الصهيونية كقاعدة لهذه الهيمنة فى المنطقة وليس صراعاً دينياً بين المسلمين واليهود .
٥ - مبدأ أن الغرب والشرق عدوان للإسلام ، وأن الصراع العالمى هو صراع الإسلام ضد الكفار وان كلا المذاهبين الاشتراكي والليبرالي هو كفر ، ففى حقيقة الأمر أن هيمنة المراكز الإستعمارية الدولية لاتفرق بين مسلمين ومسيحيين وبوذيين ويهود ودروز وصابئة وتاويين وارثوذكس وكاثوليك وخلافه بالرغم من أنها فى سبيل هيمنتها على شعوب العالم قد توظف المذاهب الدينية فى خدمة استراتيجيتها وهو ماحدث فى حرب أفغانستان الذى انزلقت إلى التورط فيها قوى الإسلام السياسى فى المنطقة العربية من توظيف الدين الإسلامى فى خدمة أغراض الصراع ضد الإتحاد السوڤيتى ..
وإن الهيمنة الإستعمارية تعمل على تشديد هذه الهيمنة لخدمة النهب الإستعمارى للشعوب لا عداء لدين بعينه ، ولا انتصاراً لدين أو مذهب دينى ، وفى النهاية فإن الإشتراكية والرأسمالية وغيرها من مذاهب هى تراث إنسانى لايمكن الحكم عليه إلا من منظور اقترابه من تحرير المستضعفين فى الأرض ، وتحقيق مصالح الإنسان فى العدل والرخاء والتقدم والحرية من عدمه لامن منظور أن هذا كفر وذلك إيمان ، والإنفتاح على التراث العلمى والفكرى الذى أنتجته الإنسانية وعدم اغلاق ابواب التفاعل العقلى الجدلى المبدع مع الأفكار الإنسانية والابتكارات التى أنتجهتها الحضارة الإنسانية بمعيارية وحيدة هى مدى فاعليتها فى إنتاج قيم الخير والجمال والحق والرخاء والتقدم النبيل والإخاء والتعاضد الإنسانى .
٦ - استباحة العنف ضد أبناء الوطن على خلفية الحاكمية الإسلامية للطائفة المنصورة ، والتعامل مع القوانين التى حكمت مجتمعات المسلمون الأوائل كشرائع صالحة لكل زمان أو مكان ينبغى أن تسقى للشعوب رغماً عنها وباستخدام العنف ومن منطق الوصاية عليها انطلاقاً من مقولة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حول الشريعة أنها إذا كانت دواءاً مراً فإنه ينبغى ارغام الأمة على تجرعه وإن تطلب ذلك استخدام الوسائل العنيفة ، وهذا المسلك هو جوهر الإرهاب الدينى الذى ينبغى إدانته ورفضه ولفظه من قبل أى جماعة إنسانية وأى تيار سياسى محترم .