عن العنصرية لدينا! إلى من عايرت ناشطة يمنية مخضرمة بهوية أمها الوطنية
إلهام مانع
الحوار المتمدن
-
العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 18:24
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
عن العنصرية لدينا!
إلى من عايرت ناشطة يمنية مخضرمة بهوية أمها الوطنية
يحدث أن تشعر بالغضب.
غضب لاسع.
تستشعره كطعم العلقم في فم من ذاق مراره العنصرية في بلداننا.
وانا لسعني ذلك الغضب، جعلني اجفل، وتحديداً عندما قرأت كلمات تلك التي تعيش في كندا، تسمي نفسها ناشطة حقوقية تدعو إلى السلام، ثم تعاير يمنية مثلها بهوية والدتها الوطنية.
كأنها شتيمة!
ذكرتني بذلك الذي يسمي نفسه باحثاً ثم أراد أن ينال من باحثة ناشطة يمنية مبدعة بعد مؤتمر في هارفارد، فلم يجد سوى دماءها اليمنية يعايرها بها!
الأولى تعاير باختلاط الدماء، والأخر يعاير بنوع الدماء، وكلاهما عار على نفسيهما.
في عروقي تجري دماءاً مختلطة.
افخر بها. وأجلها.
جدتي مصرية. من الإسكندرية. وأمي وانا وأخي وُلدنا في المحلة الكبرى، مهد الحركة العمالية المصرية.
ومصر أحبها، واعشق نيلها، وأحن إلى دفئها إلى يومنا هذا.
جدتي فيها دماءا تركية. لأن والدها كان إبن ضابط تركي حط رحاله في الإسكندرية. ماما تيته كنا نسميها.
وأبي يمني، من بني حشيش. وفي عروقه جرت دماءا قحطانية وأخرى فارسية، دماء الأبناء لو تعرفون تاريخ اليمن.
وأبي كان يقول "اليمن تشتي (تريد، والأصح تبحث عن) من يحبها"، وأنا لم أكف عن حبها رغم بعدي عنها.
مات أبي وظل حبي لها، حياً نابضاً، لا يموت.
دمائي إذن مختلطة. ليس في ذلك ما يخجل. ليس في ذلك ما يعُيب.
ولمن لا يعرف، وتحديداً أولئك الذي يعتبرون من التنوع عيبة يعايرون بها الغير، فإن اختلاط الدماء له فضائل، "تحُّسن من النسل"، كما يقول البعض. أقول ذلك وانا أكاد ابتسم.
والأهم، ان التقنية الحديثة أصبحت قادرة من خلال تقصي التركيبة الجينية لدمائنا على إظهار مدى تنوع اصولنا، حتى لمن يظن أنه دم خالص "غير متنوع".
وكما دمائي مختلطة. عشت بدوية أحط رحالي من بلد إلى اخر.
عشت في مصر واليمن، المانيا وإيران والمغرب والكويت الولايات المتحدة. إلى أن دققت أوتاد خيمتي في سويسرا. وتزوجت منها.
أعيش فيها مع زوجي السويسري المسيحي منذ خمسة وعشرين عاماً. حتى في زيجتي أعيش التنوع والاختلاف، ولا أتصور نفسي مع رجل غيره.
دراساتي الميدانية اخذتني إلى الشرق الأوسط، ومنها سوريا، وبعض دول شبه الجزيرة العربية، الخليجية تحديداً، ثم دفعتني إلى بريطانيا، وجنوب إفريقيا.
كل هذا الترحال جعلني ادرك امراً واحدا، أننا على اختلافنا وتنوعنا إنسان. قد نختلف في عاداتنا وتقاليدنا، وأذواقنا، لكننا في كل ذلك نظل إنسان، نحب ونكره، نقلق ونفرح، وبالتأكيد لدينا تحيزاتنا.
جعلني أدرك أيضاً أن الخير فينا كما الشر.
وأن هناك وحشٌ رابضٌ فينا، يحَسن بنا أن نتعلم كيف نروضه. نلجمه. ونطوعه حتي يتعلم كيف يكون الإنسان متحضراً، صادقاً، خّيراً ونبيلاً، لا ينطق لسانه بما يؤذي غيره.
ولذا تجدوني أصر على أهمية دولة القانون، تلك التي تلتزم بمعايير احترام المواطنة المتساوية، والحقوق الكاملة. وادافع عزيزاتي عن قيم حقوق الإنسان وضرورة غرسها في نفوسنا، لأنها إن ُّطبقت قادرة على حمايتنا من أنفسنا. من أنفسنا لا غير.
فأنا أيها الأعزاء لا أثق في حسن نوايانا، او اريحية وسخاء نفوسنا. تماماً كما أني لا اريدها صدقة.
كففت عن البحث عن الجنة في السماء. اريدها هنا على هذه الأرض، أساسها أنسان له حقوق وكرامة متساوية.
وكثيرا ما ارتكب الإنسان ابشع الجرائم وهو يبتسم يُصر أنه يدافع عن "عرقه". يبرر خوفه وجهله بأذيه من يعتبره غريباً عنه. يقول ذلك ويستخدم الدين، العرق، الأيديولوجية، والوطن لتبرير كل القبح الذي يسيل من قيح الكراهية الذي يبدر منه.
كل ذاك الترحال جعلني أفهم أيضاً أن أولئك الذين يخافون من التنوع، من الألوان في الإنسان، موجودون في كل ارجاء المعمورة.
هنا أو هناك، العنصرية موجودة.
فكلنا فيها إنسان.
وهي هنا كما أنها هناك.
لكنها لدينا أبشع، لأننا لا نريد ان نراها
وهي لدينا افظع، لأن الصمت لدينا دواؤها.
نجعر ونزعق ونتهم غيرنا بالعنصرية، لكننا قليلاً ما تأملنا ملامح انفسنا في المرآة، قليلاً ما تدبرنا في الأسماء التي نطلقها على من يختلف عنا، قليلاً ما شعرنا بالحياء والخجل من أنفسنا.
ولذا يحدث أن أشعر بالغضب.
غضب لاسع.
أستشعره كطعم العلقم في فم من ذاق مراره العنصرية في بلداننا.
وانا لسعني ذلك الغضب، جعلني اجفل، وتحديداً عندما قرأت كلمات تلك التي تعيش في كندا، تسمي نفسها ناشطة حقوقية تدعو إلى السلام، ثم تعاير يمنية مثلها بهوية والدتها. كأنها شتيمة!
ولو أنها نقبت قليلاً في التاريخ، ستجد أن تلك الدولة كانت امبراطورية شملت اليمن أيضاً، وأنها كما اليمن تتغنى بملكة سبأ.
لكن الجهل أنواع. وجهل العنصري بشع. يؤذي الروح.
ليتها تنظر إلى نفسها، ثم تسأل، "كيف أكون حقوقية وأنطق بكل هذا القيح؟"