يَحدث أن تَضطر إلى التأقلم مرغماً - يوميات كورونية 4
إلهام مانع
الحوار المتمدن
-
العدد: 6559 - 2020 / 5 / 9 - 22:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يوميات كورونية 4
يَحدث أن تَضطر إلى التأقلم مرغماً
يَحدث أن تَضطر إلى التأقلم مرغماً.
وفي هذه فرصة لمن يتدبر.
وكما جاء الوباء متمهلاً في البداية، ثم حط علينا فجأة، بدا من الواضح وهو يدنو أن الأمور لن تستمر على ماهي، وأن علينا أن نبحث عن بدائل كي نستمر في فعل ما نعمله.
يوم 16 مارس كان علامة فارقة في سويسرا. اعلن المجلس الفيدرالي "حالة استثنائية" وحجرا صحياً شمل حظرا على جميع المناسبات الخاصة والعامة، وإغلاق المطاعم والحانات والمرافق الترفيهية والمحلات التجارية باستثناء متاجر البقالة والصيدليات. وقبل ذلك، طالبَ كلَ من يقدر من أصحاب العمل التحولَ إلى أسلوب "العمل عن بعد".
كلنا في مختلف ارجاء المعمورة شهدنا مثل هذا الوضع.
وكلنا كان علينا أن نتأقلم بصورة أو بأخرى.
بعضنا توقف عن العمل فترة.
غيرنا فقد عمله.
وبعضنا كان عليه أن يتعلم كيف يعمل عن بعد.
انا من هذا البعض.
بين ليلة وضحاها كان علينا في الجامعة أن نتحول من نمط التدريس داخل قاعات المحاضرات إلى التدريس عن بعد.
بين ليلة وضحاها.
إعلان المجلس الفيدرالي جاء يوم 16 مارس، لكن جامعتي استبقت القرار، توقعته في الحقيقة. كل الدلائل كانت تشير إلى أي اتجاه نسير فيه. ولذا جاءت رسالة رئيسة الجامعة إلى كل من يعمل في الجامعة، يدُّرس أو يَدرس فيها، متوقعة.
"سيكون علينا أن نعمل معاً كي نؤدي رسالتنا التعليمية على أكمل وجه".
كان هذا هو ملخص مضمون رسالتها.
أعيش في سويسرا منذ خمسة وعشرين عاماً. وإذا كان هناك جانب احترمه واقدره في طريقة العمل السويسرية، فهي طريقة التخطيط، التنظيم ثم التنفيذ التي تُدار بها الأمور هنا. كالساعة.
ما حدث في جامعتي، جامعة زيوريخ، وجامعة سويسرية أخرى أُدُرس فيها كأستاذة زائرة ضمن برنامج ماجستير مشترك، كان نموذجاً لفعل ذلك.
وصلت رسالة مديرة الجامعة، ومعها تعليمات واضحة.
مجموعات عمل تم إنشاؤها لمتابعة عملية التحول إلى التدريس عن بعد.
فريق تكنولوجيا المعلومات في الجامعة اخذ يعمل على مدار الساعة كي يجعل من هذا التحول التقني أمرأ واقعاً. كان هو ولازال شريان الحياة الذي مكننا من إنجاز رسالتنا التعليمية كما يجب أن تكون.
وللإنصاف، كلنا كنا نعمل بدون توقف. لا أعتقد أن أيا منا كان قادراً على التوقف عن العمل في نهاية الأسبوع.
خلال أسبوعين تحول التغيير إلى واقع فعلي بدون مشاكل تقنية.
وأنا؟
استغرقني الأمر نحو أسبوعين كي اتعلم كيف استخدم البرامج التقنية للتدريس عن بعد. وثلاثة أسابيع كي اشعر بالاطمئنان وأنا استخدمها. وأربعة كي اشعر بالمتعة وأنا أستخدمها. وخمسة كي أتساءل كيف يمكن استثمارها لكسر الحدود التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
واليوم وأنا اكتب هذه الكلمات أجدني اسال نفسي، هل كان ضروريا أن نواجه جائحة حتى أتعلم هذه التقنية الحديثة؟ كي اتعرف على طريقة تكسر الحدود والجدران في التعليم؟
لمَ لَمْ اتعلمها من قبل؟
يمكنني اليوم أن ادُّرس وأحُاضر واتَفاعل مع طالباتي وطلابي عن بعد. اراهم ويروني، يسمعوني وأسمعهن، وكلٌ في مكانه.
في الواقع تحدثت قبل أسبوع مع عميد جامعة استرالية (أيضا عن بعد)، الذي اقترح علي أن القي محاضرة في جامعته في الفصل الدراسي القادم.
هناك أمكانية للتدريس عن بعد ايضاً.
والتقنية المتوفرة المستخدمة من قبل جامعتي وجامعته تمكننا من التدريس دون عوائق.
اية إمكانيات واعدة؟
هائلة.
لو استثمرناها جيداً يمكننا أن نُزيل الحدود التعليمية ونوفر المعرفة والعلم لمن يبحث عنهما.
وأعرف أني أعيش على هذا الجانب المضيء من الأرض. لا أعتذر عن ذلك.
لكني لا انس ولن أنس من يعيش في جانب اخر من المعمورة.
هو أيضاً مطالب بالتأقلم لكن في واقعٍ لا يُشبه واقعي.
صديقة عزيزة، أكاديمية يمنية احترمها وأحبها، حكت لي يوماً كيف استمرت في العمل في زمن الحروب في صنعاء. وكيف تستيقظ يوم محاضراتها، تجهز لها، وتذهب إلى الجامعة رغم أنها لم تستلم راتبها منذ اكثر من عامين.
"غيري يموت جوعاً. وأنا محظوظة أن لدي قدر من الدخل يوفر لي الكرامة". قالت لي.
إلى يومنا هذا أنحني لها إجلالاً.
هي أيضاً تأقلمت.
لكن شتان ما بين التأقلم في زمن السلام وزمن الحروب.
إذن يحدث أن تضطر إلى التأقلم مرغماً.
في كل وقت.
في السلام والحروب،
وفي زمن الطاعون.
فرصةٌ لمن يتدبر.
واختبارٌ للطبائع.
والعاقلُ مَنْ يتَعلم.