يوميات كورونية 2 لكن الربيع يأتي دوماً.
إلهام مانع
الحوار المتمدن
-
العدد: 6521 - 2020 / 3 / 23 - 16:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك أوقات في الحياة تشبه تلك اللحظة من الشتاء.
موحشة.
كلنا نعرف تلك اللحظة.
عايشناها.
وقت الشتاء عندما يكون قاسياً. في آخره. شديد البرودة. صقيع قارس ينفذ إلى العظم. أشجار يابسة والطبيعة عارية.
في تلك اللحظة يبدو لنا الربيع مستحيلاً.
نسأل أنفسنا بحيرة، كيف يمكن للربيع أن يأتي بعد ذلك؟
هذا البرد. هذا الصقيع. هذه الوحشة.
هذا الموت البارد.
كيف يمكن للربيع أن يأتي بعد كل هذا؟
لكنه يأتي رغم ذلك.
يأتي الربيع رغم الشتاء كل مرة.
كثير منا يعاني هذه الأيام. في بيوتنا. قابعين. والوباء لا يعبأ، ينتشر. يريد أن يُنهي مهمته غير مكترث.
حط رحاله بيننا، وتغيرت معه الحياة.
ووجدنا أنفسنا في مواجهة مع أنفسنا.
بعضنا يشعر بالوحدة.
تلك اللحظات تمر متثاقلة. إذا لم نملأها عملاً، تصبح كالزئبق خانقة.
هناك من يملأها بالكتب، والموسيقي والبرامج التلفزيونية، والألعاب، والغناء والقصص. ويبتسم رغم ذلك.
واخر يعايشها بالتأمل او الصلاة. وهو ايضاً يبتسم.
غيرنا يختنق.
وهناك من لا يطيق وجود من حوله.
المكان ضيق. ولا فسحة.
ويصبح الأمر كابوساً لو كانت العلاقات الأسرية مشحونة.
أما البعض فيشعر بالخوف. كيف نوفر لقمة العيش لأفواه جائعة؟ كانت لقمة العيش من قبل صعبة، فما بالك اليوم؟
هناك من يقدر على العمل من البيت. في عالم العولمة، والتكنولوجيا الحديثة اصبح من الممكن أن تعمل من المنزل كما لو كنت في مكتبك. لكن غيرك ليست لديه هذه الرفاهية؛ يتوقف عن العمل لحظة بقاءه في البيت. ولا مصدر للدخل بعد ذلك. فما العمل؟
والكثيرون والكثيرات في قلق.
ما لذي يحدث من حولنا؟ في العالم بأسره؟ ما الذي يعنيه هذا؟
أصبحنا نواجه إمكانية انهيار النظام الصحي؛ ندرك ذلك ونسأل ماذا نفعل إذا حدث هذا؟
هناك من يعايش هذا الانهيار واقعاً منذ سنوات وعقود. يخاف على فلذات كبده، يخاف على ذويه. مثلنا. لكن خوفه كان قصياً بالنسبة لنا، بعيدا بعيداً وراء الشمس. لا نراه.
ثم أصبحنا على العالم لنجده فجأة كما كان يجب ان يكون دوماً. واحداً.
مصيرنا واحد مع اختلافنا.
وكما كان بعضنا يُّصر قبل الوباء أن البشرية على اختلاف الوانها تَجُمعنا، وأن الإنسان فينا على تنوعنا واحد، فإن بقاؤنا يعتمد على تضامننا معاً، أينما كنا.
على الإنسان، والحب الذي فيه.
في كل البلدان من حولنا، انبثقت حركات مجتمعية تحاول أن تخفف من وقع المصاب على أكثرنا تضررا. كل حكومة اخذت التدابير التي تقدر عليها. هذا واجبها. لكن الأهم هو الحراك الاجتماعي في بلداننا لأنها تظهر الإنسان والخير الذي فينا.
هنا في سويسرا، بدأت حركة شبابية في كل كانتونات سويسرا في التطوع لشراء مقتضيات البقالة للفئات الأكثر عرضة للخطر، ولأنها غير قادرة على الخروج من بيوتها، فأن المتطوعين والمتطوعات يقمن بذلك نيابة عنهم/ن. كما بدأت حملة وطنية لجمع التبرعات لدعم الشرائح الأكثر ضعفا.
في مصر والمغرب وتونس والجزائر بدأ حملات شعبية لجمع التبرعات لشراء الطعام للأسر المحتاجة وذوي الدخل المحدود.
هنا أو هناك، كلنا في هذه الشدة واحد.
هنا أو هناك، كلنا واحد.
ألمنا واحد. فرحنا واحد. على تنوعنا.
نحن في هذا الأزمة معاً. شئنا أم ابينا.
وكغيرها من المحن والحروب، فإنها أيضاً ستمر.
كما في تلك اللحظة التي يبدو لنا فيها الربيع مستحيلاً، لكنه يطل علينا ببراعمه رغم الشتاء مٌدهشاً.
هذه ايضاً لا محالة سَتمر.