صعود حماس: الفاشية قبالة الفاشية
فاتح شيخ
الحوار المتمدن
-
العدد: 1459 - 2006 / 2 / 12 - 09:57
المحور:
القضية الفلسطينية
ان فوز حماس في الانتخابات التي جرت في 25 كانون الثاني، حتى بالنسبة لهذا التيار نفسه لم يكن امراً متوقعاً ويعبر حدود الحلم ايضاً. بحيث ترك قادته مبهوتين كيف يجمعون الثمار السياسي لهذا النصر! انها اول مرة تشارك حماس في الانتخابات البرلمانية، اذ انها قاطعت البرلمان الفلسطيني سابقاً تحت مبرر عدم الاعتراف بالنتائج السياسية الناجمة عن اتفاقية اوسلو. ان اتفاقية اوسلو، في الوقت التي جلبت لمهندسيها الفلسطينيين-فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عرفات وبعدها محمود عباس- اعتبار سياسي، جلبت للتيار "المليتانتي" حماس الانزواء. وبالعكس من ذلك ايضاً، ان اخفاق اتفاقية اوسلو وسياسات دولة اسرائيل تجاه جماهير فلسطين، خلقت ارضية لتنامي الفاشية الاسلامية لحماس. ان انسداد افاق وازمة سياسة اليمين المتطرف في اسرائيل، وبموازاة ذلك، مازق امريكا في العراق وظفر الاسلام السياسي في الانتخابات الاخيرة للعراق هي عوامل مؤثرة اخرى في النصر الانتخابي لحماس.
قضية فلسطين
بالنسبة للساحة السياسية لفلسطين وجماهيرها المضطهدة، تعد قضية دولة فلسطين قضية اساسية. ان تيار يطرح سبيل حل واقعي من اجل انهاء الاحتلال وارساء دولة فلسطين، ويحققه، سيحقق تفوقاً سياسياً. ان هذا التفوق كان تاريخياً من نصيب فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفات. اما اليوم، فان قيادة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعلى راسها محمود عباس، يواجهون، في اوضاع غير مساعدة، تحدياً ناجماً عن النصر الانتخابي لحماس ويسعون لصيانة تفوقهم السياسي. ان صعود الفاشية الاسلامية لحماس مدينة من جهة لفاشية شارون وحماية بوش لها، ومن جهة اخرى ناجمة عن الفساد والقيح الناجم عن المؤسسة الادارية لفلسطين. يفهم الان "ساسة" فتح ان "تصويت الجماهير" لحماس كان تصويت "عقابي" لهم.
ليس بوسع النصر الانتخابي لحماس ان يخل التوازن السياسي التاريخي في الساحة السياسية لفلسطين بين ليلة وضحاها. ليس لدى حماس سبيل حل لمسالة فلسطين. فعبر هذه المسالة، وبطرح توجه "مليتانت" قبالة اسرائيل والغرب، تنشد سيادة سلطة الاسلام السياسي على هذه الجغرافيا. ان حماس كتيبة الاسلام السياسي في الخط الامامي لجبهة حرب مع امريكا واسرائيل من اجل سلطة الاسلام السياسي. كذلك ان حرب امريكا واحتلالها للعراق ادى الى تنامي نفوذ الجمهورية الاسلامية ونمو التيار الاسلامي في العراق، وفي فلسطين مد يد العون ايضاً لصعود حماس (مثلما هو الحال في لبنان ومصر وسوريا ايضاً حيث جعل من ساعد حزب الله والاخوان المسلمين اكثر قوة). وعلى الرغم من تعقد معضلات الشرق الاوسط، وعلى الرغم من ان احتلال العراق من قبل امريكا جعل من قضية فلسطين ثانوية مقارنة بالسابق ، الا ان في فلسطين نفسها، لازالت مسالة فلسطين تحديداً، حكم هذه المسالة، باق على اهميته. من هذه الزاوية، ان حظوظ حماس للدفع بالنصر الانتخابي الى انتصار سياسي عام وشامل ليست بكبيرة. ان نفس تشكيل حماس للحكومة يواجه بعوائق داخلية واقليمية وعالمية كبيرة. لقد اكد عباس، وبالاضافة الى وضعه شروط جدية امام حماس لاحالة مهمة تشكيل الحكومة لها(من بينها الالتزام بالاتفاقيات الموقعة حتى الان)، ان امر التحكم بالقوى المسلحة سيكون من نصيبه. وقد قال دحلان وزير الامن الفلسطيني بان هذه الوزارة لن تمنح الى حماس تحت اي شكل من الاشكال! ان محمود عباس هو رئيس فلسطين حتى عام 2009. ومن هذه الناحية، سيوظف مكانته لحفظ التوازن المتصدع لصالحه ولصالح منظمته. في فلسطين نفسها، بوسع نصر حماس الانتخابي، وبعد انتعاش قصير الامد، ان يتراجع. ان عواقبه الاقليمية تسير نحو تصعيد صراع الارهاب الاسلامي والارهاب الامريكي وحلفائه وتجعله اكثر دواماً.
العواقب الاقليمية لنصر حماس
لقد جعل انتصار حماس الى هذه اللحظة ايادي الاسلام السياسي في المنطقة، وتحديداً ايادي الجمهورية الاسلامية، اكثر طولاً، وادى الى تعقد الاوضاع المعقدة اساساً في الشرق الاوسط. فمن جهة، تهدد امريكا والغرب حماس بانه اذا لم تعترف حماس باسرائيل واذا لم تتخلى عن الارهاب، سيتم قطع المساعدات المالية عن حكومتها. اعلنت حماس بالمقابل انها ليست مستعدة لقبول هذه الشروط. وفي حالة قطع المساعدات المالية الغربية عنها، ستطلبه من الدول العربية (وبالطبع من الجمهورية الاسلامية). وعليه، علاوة على الغيوم الكالحة التي ستخيم على مصير جماهير فلسطين، سيجعل النصر الانتخابي لحماس خطر تشديد السباق والمنافسة الارهابيين بين هذا التيار ودولة اسرائيل، واجمالاً، خطر تشديد صراع قطبي الارهاب العالمي اكثر وخامة وجدية. ان تأثير نصر حماس على الانتخابات الاسرائيلية المقبلة يتمثل ايضاً، والى حد كبير، بتصاعد حظوظ جناح نتانياهو وهيمنة اليمين المتطرف مرة اخرى. ان فاشية حماس الاسلامية وفاشية دولة اسرائيل، اليمين المتطرف في فلسطين واليمين المتطرف في اسرائيل يقويان بعضهما البعض. في الاوضاع الراهنة، مع انتصار حماس، في اوضاع الوخامة المتعاظمة لاوضاع الشرق الاوسط، سيثقل ضغط "كابوس انعدام الامن" على اذهان جماهير اسرائيل اكثر واكثر، مما يضعف اكثر واكثر من فرصة انتصار جناح يسار الهيئة الحاكمة الاسرائيلية.
وقبالة الخطر الجدي لاشتداد صراع اقطاب الارهاب، بوسع جماهير فلسطين واسرائيل والمنطقة التصدي وبصورة حازمة وقاطعة وواعية لجبهتي امريكا وحلفائها من جهة والاسلام السياسي من جهة اخرى، وان يكون لها القول الفصل. مايخص جماهير ايران، ان الاطاحة بالجمهورية الاسلامية وجز راس افعى الاسلام السياسي في بؤرته الاساسية في المنطقة هي مهمة بديهية وواضحة والتي، مع تقدم حماس في فلسطين وتقدم الاسلام السياسي في العراق، تصبح اهميتها وحياتيتها وحاسميتها لارساء سلم راسخ في الشرق الاوسط بارزة اكثر من اي وقت اخر. في السيناريو الكالح للشرق الاوسط، بالوسع رؤية كوة امل مشرقة في عزم جماهير ايران على اسقاط الجمهورية الاسلامية وعزم جماهير العراق على تحريره، من احتلال امريكا ومن سلطة الاسلام السياسي على السواء. ينبغي تقوية كوات الامل هذه.
ترجمة: فارس محمود