حول سقوط القذافي


فاتح شيخ
الحوار المتمدن - العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 23:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حوار مع فاتح شيخ حول سقوط القذافي

كومونيست الاسبوعية: ان الجزء الاغلب من عاصمة ليبيا بايدي معارضي القذافي. وتوارى القذافي ومن حوله. الحرب لازالت مستمرة في العاصمة ومدن اخرى، يبدو ان التقدم والمبادرة بيد القوى المعارضة للقذافي، واصبحت سيطرتهم التامة على الحكومة امراً محسوماً. بعد سقوط القذافي، اية معضلات ستواجه جماهير ليبيا، من المؤكد ان سقوط ديكتاتور هو مبعث فرح، ولكن أستكون نتيجة ذلك تحسن في حياة الجماهير؟ هل سنشهد تنامي تطلعات الجماهير اثر ذلك، تدخلها في تحديد مصيرها، وسيتغير اجمالاً ميزان القوى بينها وبين السلطة الجديدة؟

فاتح شيخ: بعد انتهاء خمسة اشهر على اندلاع الحرب في ليبيا، اذا كانت هزيمة القذافي هي امراً محسوماً، فانه امراً محسوماً كذلك ان انتصار الطرف الاخر من الحرب ليس انتصار عمال وجماهير ليبيا. من الواضح ان الناتو انتصر، بلغ ساركوزي وكامرون واوباما اهدافهم الخاصة بشن الحرب، وان ائتلاف عريض من الحكومات العربية، الحكومة التركية وغيرها التي وضعت راسمالها في هذه العمليات، قد كسب كل منهم نصره. ومن الواضح ان الحكومة المؤقتة لمعارضي القذافي وطيف التحالف الرجعي الذي تحت مضلته، وذلك "التاجر المجهول" لاهل بنغازي الذي وضع جائزة قدرها مليون دولار لراس القذافي، قد نال نصيبه من النصر. بيد ان كل هذا ليس سوى انتقال السلطة بين قسمين من الحكومة الليبية والتي لاتحوي اطلاقاً النصر لعمال وجماهير ليبيا. رغم كل البطولات والتضحيات، ان هذه الطبقة وهذا القسم من المجتمع الليبي ليسا شريكاً في انتصار الحرب الجارية. ان هذه التغيرات تخلق، دون شك، فرصة ذهبية لتوسيع نضال العمال والتحررين وهو ما ساتناوله، ولكن قبل هذا، ان التطرق السريع لتحولات الاشهر الستة الاخيرة سيساعد على توضيح اللوحة اكثر.

بعد ايام قلائل من الاطاحة بمبارك، وتحت تاثير الانتصارات الاولية لثورات تونس ومصر، انطلقت في ليبيا هبة جسورة للشباب والجماهير المتعطشة للحرية مثل نار اضرمت في خيمة الرجعية. اتخذت هذه الهبة ابعاد جماهيرية بسرعة، وخلقت هوة مميتة بين حكومة وجيش القذافي الاستبداديين. في غضون عدة ايام، بلغت الهبة الثورية لليبيا منعطف حاسم: اما ان تتمتع القوى الدافعة للثورة بالاستعداد السياسي والتنظيمي اللازم بحيث تستفاد من الشق الحاصل في السلطة الاستبدادية المنقسمة لصالح تقدمها وانتصارها؟ او على العكس من ذلك، ان يقوم القسم المنشق من الرجعية الحاكمة ركوب موجة هبة الجماهير ولجمها؟ ان ما حصل هو الثاني. في ظل غياب الحد الادني من الاستعداد السياسي والتنظيمي للعمال والجماهير التحررية، صودرت الهبة الثورية بسرعة من قبل قسم من حكومة القذافي والرجعية الاسلامية العشائرية الحاكمة، واخرجت الهبة عن مسارها. استطاع القسم المنشق من حكومة القذافي، وعبر الاعتماد على دول فرنسا وبريطانيا والناتو، وباسم الثورة، حوّل الهبة الثورية الى سيطرة ثورة مضادة اسلامية عشائرية منظمة ودفع، بقواها، صراعه حول السلطة ضد القذافي. وبالاستيلاء التام على مدينة بنغازي من قبل جزء من الجيش المستقر في تلك المدينة، سيطر "المجلس الوطني الانتقالي" المتأسس من العناصر المنشقة من الجيش ومن مجلس الوزراء على جزء من السلطة من 17 شباط، اعترفت بريطانيا وفرنسا رسميا به وتحول الى الاداة التنفيذية لسياساتهم الامبريالية وحلفائهم.

ومنذ اواخر اذار، حيث شرع الناتو باعمال القصف، غدا امراً واضحاً ان مقاومة بقايا حكومة القذافي ايلة الى الاندحار. انضمت يومياً عناصر اخرى منها الى صف المعارضة. ان التقدم النظامي لهذه "الحكومة المؤقتة" اصبح امراً ممكناً في ظل اعمال القصف العنيف للناتو، وفي اكثر الاحيان، بمساعدة العناصر المتعاونة معهم في حكومة القذافي. ان عملية الاستيلاء السريع على طرابلس في الايام الاخيرة قد غدا امراً ممكناً بعون ومساعدة انضمام وحدات من الجيش المسؤول عن "حماية" العاصمة الى المعارضين، وعلى قول مصطفى عبد الجليل رئيس "المجلس الوطني الانتقالي" قد اتفقت معه قبل اشهر. انضمام عبد السلام جلود وعدد من الوزراء الاخرين في تلك الايام، حادثة اعتقال سيف الاسلام ومحمد اولاد القذافي وفرارهم اللاحق والتحاقهم بابوهم وبقية افراد العائلة ومن حولهم تبين كلها التعاون المتقابل بين عناصر متسللة داخل طرفي صراع السلطة هذا. وان اكثرها مبعث انتباه هو حديث وزير الصحة في مساء الاربعاء المنصرم علنياً الى وسائل الاعلام عن اتفاقه منذ اشهر مع مصطفى عبد الجليل حول موعد انضمامه للمعارضين. ثمة سيناريوا جلي يتم تنفيذه. ان مصطفي عبد الجليل، رئيس "المجلس الوطني الانتقالي" هو نفسه وزير "عدل" سابق في حكومة القذافي، وان ممارساته السابقة والراهنة تدلل على ان العدالة التي ينفذها هي عدالة القذافي ذاتها. كما ان تركيبية "المجلس الوطني الانتقالي" هي ائتلاف من عناصر حكومة القذافي مع طيف من الاسلاميين المعروفين مثل عبد الحكيم بلحاج (مجاهد سابقاً في افغانستان) والذي اوكلت اليه مهمة قيادة العمليات العسكرية للاستيلاء على العاصمة. من الواضح ان انتصار هذا الائتلاف الرجعي لنخاع العظم واحلاله بدل استبداد القذافي ليس له صلة بمصالح العمال وجماهير ليبيا وانتصارهم.

على اية حال، ان الشق الحاصل جراء هبة الجماهير المنتفضة في حكومة قذافي المتهالكة والمنزوية، والتي ادت الى الاطاحة بالحكم الاستبدادي لطيلة اثنين واربعين عام، هو تغيير مهم وواقعي يوفر فرصاً للعمال والجماهير في ليبيا لدفع وتقدم نضالهم صوب تحقيق مطاليب سياسية تحررية وكذلك تحسين اوضاعهم المعيشية. من الان، اصدرت الحكومة المؤقتة لـ"المجلس الوطني الانتقالي" دستور رجعي يستند الى "الاسلام المعتدل" وخارطة طريق انتخابات برلمانية ورئاسة جمهورية يقطع الطريق تماماً على تدخل العمال والجماهير التحررية في عملية تحديد النظام السياسي المقبل. من بين ذلك رهن حرية الاحزاب بـ"اطار ضوابط التقاليد الاسلامية". ان العمل الذي لم تتمكن الثورة المضادة الحاكمة من فرضه على المجتمع والثورة في مصر وتونس لحد الان، تنظر اليه هذه الحكومة المؤقتة الرجعية على انه امراً منتهياً ولانقاش حوله.

ولكن بين اصدار قراراتهم الرجعية حتى تنفيذ هذه القرارات على الارض الملتهبة لليبيا المحررة من استبداد القذافي، طريق ينبغي سلوكه عبر الحاق الهزيمة بالنضالات المقبلة للعمال والجماهير التحررية، وان نجاحهم في عبور هذا السبيل ليس امراً غير حتمي فحسب، بل ليس سهلاً من الاساس. انها فرصة للتدخل الثوري والتحرري للعمال والشباب والتحررين بوجه الرجعية التي هي جزء من استبداد النظام السابق. اي بمعنى ان انتقال السلطة مابين قسمي النظام الاستبدادي الحاكم في ليبيا، بوسعه ان يكون مقدمة نضالات حاسمة والتي ستكون الطبقة العاملة والشباب التحرريين في ليبيا حامل الراية الحقيقي لمرحلة مابعد القذافي. ينبغي ان لايفوتنا ان مليونين عامل مصري يعملون في ليبيا، رفاقهم ورفيقاتهم في مصر اسسوا عشرات المنظمات المستقلة في غضون ستة الاشهر ذاتها، وقاموا باضرابات واحتجاجات بتوجه ادامة ثورة مصر، وتركت بصمة المطاليب العمالية على ثورة مصر ومجتمع مصر. ان تقدم الطبقة العاملة في مصر وتونس يكمن ببقاء الاف الناشطين العماليين والاشتراكيين في الميدان في هذين البلدين المجاورين لليبيا، وهو ما بوسعه ان يكون مسند واقعي لنضالات العمال والتحررين في ليبيا.

كومونيست الاسبوعية: بمقارنة مايجري في ليبيا مع مصر او تونس، اين تكمن الاختلافات، وماهو درجة ومدى تاثير هذه الاختلافات على مسار التحولات في هذه البلدان، وماهي التجارب التي تطرحها امام الطبقة العاملة في ايران؟

فاتح شيخ: الاختلافات واضحة: الحضور النشط للطبقة العاملة بحدود من التنظيم والوعي في ثورتي تونس ومصر على السواء وغياب مثل هذا الحضور النشط في ليبيا هو ابرز هذه الاختلافات. من الجهة المقابلة، استعداد الجزء المنشق عن حكومة القذافي للسيطرة على الهبة الثورية للجماهير في ليبيا مقارنة بعدم استعداد كل الدولة والبرجوازية في تونس ومصر هو ثاني اختلاف مهم. ثمة اختلاف كبير اخر يتعلق بعدد ضحايا الجماهير: في ليبيا اجتازت ارقام الضحايا لحد الان 25 الف، ولم يبلغ في مصر الف، وفي تونس 200. اما الدمار الناجم عن الحرب والقصف فهو مذهل. ان خلاصة الاختلافات تتمثل بان في العالم المعاصر والذي الراسمالية في كل المجتمعات هي العلاقات السائدة والمتقدمة للمجتمع، فان الصراع الطبقي وتوازن القوى الواقعي بين معسكري البروليتاريا والبرجوازية اثناء اي ثورة، قبل حدوث الثورة واثنائها على السواء، هما العمود الفقري لاصطفاف معسكري الثورة والثورة المضادة ولهما دور حاسم في تحديد مصير الهبة الثورية. ان التجربة السلبية لليبيا، مقابل التجارب الايجابية لثورات تونس وبالاخص مصر التي لازالت الثورة فيها مستمرة، هي حالة محددة لاينبغي اعطائها ثقل اضافي، وان يكن على الطبقة العاملة وشيوعيي جميع البلدان ان يتعامل بجدية مع جميع دروسها المرة. ان حالات اليمن وسوريا في ثورات الشرق الاوسط لاتتبع تجربة ليبيا وان النشطاء الشيوعيين والتحرريين يتمتعون بحيز ان يسعوا الى عدم تكرار تجربة ليبيا في هذين البلدين. بالنسبة للطبقة العاملة في ايران، ان الاتعاظ من التجربة السلبية لليبيا وابراز نقاط قوة تجربة معسكر الطبقة العاملة في مصر وتونس تتمثل بان كلما علت كفة ميزان الاستعداد السياسي والتنظيمي لمعسكر الطبقة العاملة في اوضاع ماقبل اندلاع الثورة، وترفع اكثر في مرحلة الثورة، ستتعاظم بنفس الدرجة وستؤمن اكثر ادامة الثورة صوب تحقيق المطاليب السياسية والاقتصادية للطبقة العاملة وفي مسار التقدم صوب ثورة عمالية مظفرة. ان هذا درس نفيس، ويعد العمل به وتنفيذه من هذه اللحظة امراً حياتياً.
ترجمة: فارس محمود

حوار اجرته كومونيست هفتكي-الشيوعي الاسبوعية- مع فاتح شيخ رئيس المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي الايراني-الحكمتي. العدد 92 الصادر في السادس والعشرين من اب 2011.