-لا- كبيرة هزت اوربا!
فاتح شيخ
الحوار المتمدن
-
العدد: 1231 - 2005 / 6 / 17 - 11:48
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
"لا" مجلجلة بوجه الدستور الاوربي في استفتاء 29 ايار الذي جرى في فرنسا وبعدها في هولندا، ارقت الحكومات، الاحزاب والساسة الحاكمين في اوربا. وفي الوقت الذي تعصف تلك الازمة التي لم يسبق لها بالنسبة للاتحاد الاوربي يقولون وبمرارة كبيرة : لقد تغيرت اوربا!
نعم، لقد تغيرت اوربا بهذه الـ"لا" دون شك. بيد ان تفسيرات مختلفة، وبعض الاحيان متضادة بشكل كامل، تطرح من ناحية المعنى السياسي لهذا التغيير. لقد كان صف هذا الاحتجاج الاجتماعي كذلك متنوعا ومتضادا بصورة لم يسبق له مثيل: اليمين الاوربي المتطرف، اليسار الاصلاحي القومي والجماهير قد اصطفت بجنب بعض في هذه الـ"لا".
ان وسائل الاعلام الموالية للاحزاب الحاكمة، وفي ذروة يأسها، اعتبرت حركة الجماهير هذه جنوناً! اذ شبهت صحيفة "بارسيان" الفرنسية استفتاء 29 ايار بحركة ايار 1968. ان جمهوراً عريضاً في باريس تجمع من شدة نشوى النصر امام الباستيل و بالاحتفال والاستذكار احيوا ذكرى الانتصار على "النظام القديم" في الثورة الفرنسية العظيمة. ان هذه التفسيرات وان كانت مبالغ فيها، تشير الى حقيقة: ان هذه الـ"لا" هي نهاية مسار وبداية مسار جديد في الحياة السياسية لاوربا.
على النقيض من القوميين اليمين واليسار، ليست لجماهير اوربا اي مشكلة مع الوحدة الاوربية ومن بينها عملة "اليورو". انها تفضل العيش في اطار اوربي كبير على الالتصاق المتعصب لـ"بلدها". ان الصدح بـ"لا" للدستور الاوربي المقترح للاتحاد الاوربي لايعني معارضة الاتحاد الاوربي. ان الدستور هو هجمة يمينية للحكومات القائمة على "دولة الرفاه" والتامين الاجتماعي في اوربا. ولهذا السبب، كان مبعث احتجاج واسع. ان اليمين المتطرف واليسار القومي وقفا لسنوات طوال بوجه مشروع الاتحاد الاوربي، بيد انهم عجزا عن ابعاد الجماهير عن هذه السياسة. لقد بقى الاتحاد الاوربي في مكانه. بوسع معارضة دستور الاتحاد، بوصفه بلاتفورم ولائحة يمينية، والذي هو ضربة محكمة وردعلى هجمة الحكومات الاوربية على الحقوق والمكتسبات السياسية والاقتصادية للجماهير، ان يكون مستهل هجوم العمال والجماهير المضاد صوب فرض مطاليب رفاهية وسياسية اكثر طليعية. فمن فترة انهيار الكتلة الشرقية وزوال "دولة الرفاه"، وقف عمال اوربا وجماهيرها، بصورة سافرة ومستترة، بوجه سلب مكتسباتهم الرفاهية والسياسية. ان التحركات العمالية في فرنسا على امتداد عقد التسعينات، وبالاخص، تصديها المؤثر لهجمة البرجوازية والتي من بينها ادت الى تقليص ساعات العمل الى 35 ساعة اسبوعباً. ان سعي الحكومة اليمينية الفرنسية لانتزاع هذه التقدم عبر قناة زيادة سن التقاعد وفرض البطالة وغيرها كان عاملاً دفع العمال والجماهير الى المشاركة الواسعة في الاستفتاء والتصويت بالرفض.
لا يطلق الدستور الاوربي المقترح ايادي الحكومات في الهجمة على المستويات الراهنة للمعيشة والرفاه في المجتمعات الاوربية المتقدمة وفرض مستويات ادنى فحسب، بل يضيق الخناق اكثر مماهو قائم على ميدان التدخل السياسي للمواطنين، ويكبل ايدي المواطن الاوربي من التدخل في السياسة.
ان مبرر الحكومات لتخفيض المستويات الرفاهية والسياسية للجماهير هو تصعيد القدرة الاقتصادية للاتحاد الاوربي والوقوف بوجه امريكا وتفردها من جهة ومجابهة الكتل الاسيوية الحديثة (الصين والهند) من جهة اخرى. بينت الجماهير، عبر تصويتها بالرفض في هذا الاستفتاء، في الوقت الذي تعارض استفراد امريكا غير مستعدة على نحر مصالحها قرباناً لمنافسة الاتحاد الاوربي لامريكا والاخرين. ان لعمال وجماهير اوربا وسائر انحاء العالم مصالحهم المستقلة ويستحقون ان يرسى نظام عالمي يتطابق مع مصالحهم.
ان الـ"لا" الكبيرة لفرنسا وهولندا هزت اوربا! لقد رفعت فرنسا هذه المرة ايضاً الراية الطليعية الراديكالية لاوربا. لاينتمي المجتمع الفرنسي لجاك شيراك وجوسبان. انه حصيلة الثورة الفرنسية الكبيرة وكومونة باريس وحركة ايار 1968. ان التذكير بهذا التاريخ، عبر خطوة الجماهير من اجل تغيير الاوضاع وتامين مصالحها، هو امر ضرورياً. ان الاتحاد الاوربي بحاجة الى دستور ليس متخلفاً عن الدستور الفرنسي فحسب، بل، وبسبب من مرور اكثر من قرنين من تقدم المدنية والتكنولوجيا والمعرفة والوعي، ان يكون متقدما بمديات اوسع عليه. ان التصويت بـ"لا" لدستور الاتحاد الاوربي بوسعه في الوقت ذاته ان يكون مستهل مراجعة للحقوق الاساسية والعالمية للانسان المعاصر في مسار ارساء الحرية والمساواة والاشتراكية. ان راية الحرية والمساواة، راية الحقوق الشاملة والعالمية للانسان هي راية حية وموجودة. انها موجودة اليوم بيد الشيوعية البروليتارية والماركسية والحكمتية. ان الصدمة الكبيرة لاوربا التي جرت ونحن على عتبة اسبوع منصور حكمت، هي نداء لاصدقاء منصور حكمت للتعميم الاوسع للافق والهدف الذي رفع رايته منصور حكمت. العالم بامس الحاجة الى هذه الراية اكثر من اي وقت مضى.
ترجمة: ف. محمود