لقد بدأت في مصر مرحلة ثورية جديدة
فاتح شيخ
الحوار المتمدن
-
العدد: 4155 - 2013 / 7 / 16 - 00:32
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لقد بدأت في مصر مرحلة ثورية جديدة
حوار صحيفة كمونيست الأسبوعي مع فاتح شيخ*
حول التطورات الأخيرة في مصر
كمونيست الاسبوعي**: لقد أدهشت الأحداث الأخيرة في مصر، العالم. ما هو تقييمك لمكانة هذه التطورات في التأريخ المعاصر؟
فاتح شيخ: إن الأمواج الإنسانية الهادرة التي غطت شوارع القاهرة والمدن الأخرى في الثلاثين من يونيو لكي تجرف معها سلطة مرسي والأخوان، كانت غير مسبوقة وباعثة على الدهشة بكل تأكيد. لقد خلقت مشهداً رائعاً، مليئة بالحماس والشموخ، أضافت صفحات مضيئة لتأريخ ثورة مصر وأحدثت تحولاً عظيماً ستُسَجل بالطبع إلى جانب الثورات والتحولات العالمية العظيمة. إن الثلاثين من يونيو قد أسقط سلطة مرسي المعادية للثورة في الحال، وتدخل الجيش في الأول من يوليو والمراسيم الرسمية لسقوط مرسي في الثالث من يوليو، لا يغير قيد أنملة من حقيقة إن الثلاثين من يونيو هو التأريخ الحقيقي لسقوط مرسي. إن الإرادة الثورية للجماهير قد أنهت أمر مرسي والأخوان، و جاء تدخل الجيش بعد النتائج الثورية لتلك العملية، كرد فعل عليها وفي مواجهتها. فرد فعل الجيش لم يقلل من أهمية إنتفاضة الثلاثين من يونيو، ليس ذلك فحسب، بل كان أعترافاً صريحاً بأهمية وعظمة تلك الإنتفاضة. سقوط الجناح الإسلامي للثورة المضادة للبرجوازية المصرية في الثلاثين من يونيو 2013، سواء من حيث عمقها والبعد السياسي والأجتماعي لمنجزاتها أو من حيث الأبعاد الجغرافية لتأثيراتها وتداعياتها، هي أعظم وأكثر أهمية بدرجات من سقوط مبارك في 11 فبراير 2011. لقد بدأت في الثلاثين من يونيو مرحلة ثورية جديدة في مصر تختلف المواجهات والصدامات الطبقية فيها مع المرحلة الثورية التي أعقبت سقوط مبارك بصورة كبيرة.
أول وأهم المواجهات في المرحلة الثورية الجديدة هي مواجهة الطبقة العاملة، الجماهير المحرومة والكادحة، النساء والشباب الثوري مع إجراءات حكومة الثورة المضادة الأنتقالية بعد الثلاثين من يونيو. لقد قام الرئيس المؤقت عدلي منصور في الثامن من يوليو، بإعلانه ذات ال33 مادة، برسم الخطوط الاساسية للدستور المؤقت للمرحلة الأنتقالية وخارطة الطريق لهذه المرحلة. البند الأول من هذا الإعلان الدستوري والذي يتناول هوية دولة مصر، اعتبر الإسلام الدين الرسمي للدولة، والشريعة الإسلامية على أساس مذهب السنة والجماعة، المصدر الأصلي للتشريع في مصر. هذا يعني بأنه وبدرجة تعلقها بمساعي الحكومة الأنتقالية والجيش والأزهر والسلفيين، فإنه من المقرر أن يتم الإبقاء، في هذه المرحلة أيضاً، على مكاسب هجمة الجناح الإسلامي الأخواني للثورة المضادة على الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين التي تم شنها أثناء حكم مرسي بمباركة ودعم الجيش، و أستطاعت أن تسجل نقاط لها في الدستور "المعطل". في اولى ردود الفعل على الإعلان، قامت قيادة حركة تمرد برفض الإعلان الدستوري، كما رفضته "جبهة الإنقاذ" في البداية، لتسارع في سحب رفضها بعد ذلك و تطلب بدلاً عنها إجراء تعديلات. و قام تيار نقابي محافظ في صفوف الطبقة العاملة في مصر في بيان بلسان "الأتحاد المصري للنقابات المستقلة" بإعلان دعمها للرئيس المؤقت، بل وعدت بأنها سوف تدفع بالعمال في المرحلة المقبلة بدل الاحتجاج والإضراب نحو العمل والإنتاج. رفضت فاطمة رمضان إحدى القيادات العمالية الراديكالية في مصر ذلك البيان بشدة وأعتبرت كذلك الإعلان الدستوري مرفوضاً نظراً لعدم وجود إي إشارة حتى ولو بسيطة للطبقة العاملة ومطالب العمال. تلك ستكون المواجهة الكبرى في الأوضاع الثورية في المجتمع المصري خلال المرحلة المقبلة.
إن إحدى المكاسب المهمة لإنتفاضة الثلاثين من يونيو، هي التفعيل الثوري لمبدأ "حق العزل". الأخوانيون يدعون بأن عزل مرسي، الذي أصبح رئيساً للجمهورية عن طريق "صناديق الأقتراع"، قبل أن يكمل دورته، أي أربع سنوات من الحكم، غير قانونية و قد أسموا عزله من منصبه "إنقلاباً" عسكرياً ضد الشرعية. أما المؤيدين للتصدي للثورة عن طريق "الديمقراطية البرلمانية" و صناديق الأقتراع"، وخصوصاً في الأوساط الإعلامية الغربية، فأما دافعوا بصورة صريحة عن الأدعاءات "الديمقراطية" للأخوانيين، أو أكدوا على إن العملية "الديمقراطية" يجب أن تستمر في المرحلة المقبلة. في مواجهة هذه الديماغوجية المعادية للثورة، يحاجج المدافعون عن ثورة مصر بأنه حتى لو كان مرسي قد حصل على منصب رئاسة الجمهورية في أنتخابات مقبولة، فإنه من حق الجماهير أن تعزله عن منصبه إحتجاجاً على ما قام به خلال سنة من حكمه من الهجوم على الثورة والحقوق الأساسية للمواطنين. كتبت نوال سعداوي قبل أيام من إسقاط مرسي: "كان مبارك أيضا رئيسا شرعيا منتخبا بالصندوق، فما الفرق بين صندوق وصندوق؟" لقد كان الثلاثين من يونيو يوم تفعيل الإرادة الثورية للجماهير لتنفيذ مبدأ "حق العزل" عملياً. إن مبدأ "حق العزل" ظهر أول مرة في بيان كومونة باريس (في 19 من ابريل 1871) وتم إعلانه تحت عنوان "الحق الدائم للمراقبة والعزل" (the permanent right of control and revocation) للمواطنين في الكومونة. لقد ربطت الجماهير الثائرة في مصر صفحة مضيئة من تأريخ الثورة العمالية لكومونة باريس بتأريخ الثورة في مصر. إن عزل مرسي بالإرادة الثورية للجماهير، كانت ضربة موجعة لمساعي معسكر الثورة المضادة البرجوازي لاجل فرض الديمقراطية النيابية والبرلمانية وصناديق الأقتراع، على المواطنين في مجتمع قام بثورة وما زال يعيش فصولها.
لقد شهد العالم تأثيرات الزلزال العظيم للثلاثين من يونيو على نفسية و معنويات الجماهير الثائرة، على الحماس والأعتداد الثوري المتجدد بالنفس لدى الجماهير، وعلى تطور الوعي والأستعداد في صفوف الطبقة العاملة في مصر لأجل التدخل في التحولات السياسية والمعارك الطبقية المقبلة في المجتمع. كذلك فإن تأثير هذه الإنتفاضة على المعنويات الثورية لجماهير تركيا واضحة للعيان.
إضافة إلى هذه المكاسب، فإن إنتفاضة الثلاثين من يونيو، لها تداعيات وتأثيرات مهمة على أصطفافات الأجنحة المختلفة في معسكر الثورة المضادة في داخل مصر وكذلك على الاستقطابات بين دول المنطقة والعالم. ما زالت وبعد حوالي أسبوعين من الثلاثين من يونيو، الأصطفافات بين أجنحة البرجوازية غير واضحة. ما يمكن تأكيده في الوقت الراهن هو إن الجيش قد سحب دعمه للأخوان لكنه يحاول بالأعتماد على مؤسسة الأزهر الدينية وعن طريق فسح المجال واسعاً أمام السلفيين، أن يحافظ قدر المستطاع على تقدمه السابق في التضييق على الثورة وكبحها. فيما يتعلق بالأصطفافات بين الدول على صعيد المنطقة والعالم أرتباطاً بتطورات الأسبوعين الأخيرين في مصر، فقد حدثت تغييرات مهمة. أمريكا التي ظهرت كمدافعة عن نظام مرسي ومناهضة لـ "أنقلاب" الجيش مالت تدريجياً نحو القبول بالواقع وأعلنت بعد عشرة أيام عن إنها تبحث في الموضوع لترى ما إذا كانت التطورات الاخيرة في مصر إنقلاب أم لا!! الحقيقة هي إن إدارة أوباما بعد رؤية دعم ومساندة السعودية والأمارات والكويت، أدركت بأنها باتت تجازف بنفوذها على الجيش المصري، لذا توقفت وتراجعت. الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحكومة تركيا دعمتا مرسي ، ومازالوا يدعمونه. وصل قلق وإنزعاج حكومة أردوغان من سقوط مرسي إلى حد القيام بتنظيم مظاهرات داعمة للأخوان مما حدى بالحكومة الأنتقالية في مصر أن تستدعي سفيرها من تركيا أحتجاجاً على تلك التحركات. إن الدعم الملياري (12 مليار دولار) من قبل السعودية والأمارات والكويت للحكومة الانتقالية في مصر، دليل على حقيقة إن الإجابة على معضلة الأزمة الأقتصادية الخطيرة في مصر، هي أكبر التحديات أمام حكومة و برجوازية مصر في المرحلة المقبلة، والتي ليس لها أي حل آخر للأزمة سوى السعي إلى فرض آثارها و نتائجهاعلى العمال والجماهير المحرومة في مصر.
كمونيست الأسبوعي: لقد تم قطع الطريق على الأحتجاجات الجماهيرية من قبل الجيش مما أثار جدلاً واسعاً. ماذا يجب فعله في نظرك، لأجل السير إلى أمام، ما هي النقاط التي تود التأكيد عليها في هذا المجال؟
فاتح شيخ: الأحتجاجات الثورية للجماهير الغفيرة ليست بظاهرة عرضية يستطيع الجيش أحتواءها و قطع الطريق عليها فوراً وتنهيها، بحيث يعود الناس بعد ذلك إلى البيوت خالي الوفاض. إن الأحتجاجات الثورية التي كانت مستمرة، على الرغم تذبذباتها بين الصعود والهبوط، طوال السنتين والنصف الماضية، وأبرزت إحدى نقاط ذروتها في الثلاثين من يونيو، هي إحدى تجليات المسارات الأساسية لتناقضات الرأسمالية المتكية على العمل الزهيد والمعتمدة على الأستبداد السياسي السافر في مصر. هذه التناقضات البنيوية التي دفعتها تأثيرات الازمة الأقتصادية العالمية نحو الأنفجار الثوري في يناير 2011 وسقوط رأس الحكومة البرجوازية، غدت في المرحلة السابقة، أي المرحلة التي أعقبت إسقاط مبارك، أكثر حدة بإطراد. إن الفقر والفاقة أصبحت اوسع وأعمق من زمن مبارك. نسبة البطالة أرتفعت أكثر من السابق. الجنيه المصري فقد الكثير من قيمته التبادلية وأرتفعت على اثر ذلك أسعار السلع الأساسية. "الخبز و البنزين و السولار" أصبحوا عناوين لسخط العمال والجماهير المعدمة والمحتجة ضد الأوضاع. الغلاء الفاحش للسلع الأستهلاكية الأساسية باتت، واكثر من أي وقت آخر، غير قابلة للتحمل من قبل أغلبية المصريين الذي لا يتجاوز معدل دخل الفرد منهم دولارين في اليوم.
إن الجيش والحكومة البرجوازية في المرحلة الثورية الجديدة لا تستطيع أن تترك هذه الأوضاع والمعضلات دون جواب، وأن تقطع الطريق على الأحتجاجات بسهولة. علاوة على ذلك فإن الاحتجاجات الثورية الجديدة التي بدأت في الثلاثين من يونيو مازالت في أولها. إن الجيش في مصر، بسبب مكانتها كعماد أساسي للدولة البرجوزاية في مصر، إضافة إلى الأرباح التي تجنيها، كجزء أساسي للبرجوازية المصرية، من الأقتصاد المصري (أكثر من ربع أقتصاد مصر هي تحت يد وإدارة الجيش)، قد حاول خلال السنتين والنصف الماضية كما ستحاول في المستقبل أيضاً أن تقطع الطريق على الأحتجاجات وثورة الجماهير المنتفضة. إن الجيش كان ولازال هو الفصيل الأساسي في معسكر الثورة المضادة للبرجوازية الأمبريالية في مصر. منذ سقوط مبارك وحصول المجلس العسكري على السلطة برئاسة طنطاوي، مروراً بإنتقال السلطة إلى مرسي والأخوان بدعم كامل من الجيش، وحتى يومنا هذا، يتلخص نهج الجيش في مواجهة ثورة الجماهير في السعي إلى إخمادها بالإعتماد على أئتلاف من الأجنحة المختلفة للبرجوازية. من هذه الزاوية فإن الجيش هو أكثر أجنحة البرجوازية قوة وسطوة، وهو الممثل النموذجي لمصالح البرجوازية، البرجوازية العالمية والأقليمية وقبل كل تلك البرجوازية المصرية، في مواجهة الثورة. لكن الجيش لم يكن المقتدر الجبار في المرحلة الثورية التي أعقبت سقوط مبارك و لن يكون كذلك في المرحلة الثورية الجديدة بعد الثلاثين من يونيو، بكل تأكيد. خصوصاً إن الجيش قد أختار هذه المرة لنفسه الظهور بمظهر المؤيد والمدافع عن إنتفاضة "الشعب" والمُنَفِذ لحكم الجماهير في إنتفاضتها، و الظهور بدور "الوسيط." إن الأوضاع الواقعية وموازين القوى الواقعية والمتغيرة في هذه المرحلة الثورية الجديدة، يحد ويحجم مساعي الجيش في مواجهة الثورة. مع كل ذلك، فإن مصير الثورة في مصر ومآل الإنتفاضة الجديدة، تتحدد في خضم المعارك والمواجهات الطبقية الجدية والجديدة والتي ستنشب في المرحلة المقبلة بين الطبقة العاملة وكل الأجنحة البرجوازية المعادية للثورة. إن درجة الأستعداد السياسي والتنظيمي للطبقة العاملة، وخصوصاً حصول القسم الطليعي والراديكالي والأشتراكي للطبقة العاملة على حزبها السياسي الشيوعي، حزب طامح للسلطة السياسية وذا ستراتيجية واضحة لإدامة الثورة حتى الظفر بالسلطة السياسية وتحقيق الثورة العمالية، هو الشرط الأساسي لإنتصار الطبقة العاملة والثورة الراهنة في مصر.
كمونيست الأسبوعي 188
12-7-2013
*فاتح شيخ سكرتير اللجنة المركزية للحزي الشيوعي العمالي الإيراني- حكمتي
** كمونيست أسبوعي: صحيفة أسبوعية يصدرها الحزب الحكمتي