خصام ونقاش مع فاخر فاخر١
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن
-
العدد: 5268 - 2016 / 8 / 28 - 13:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خصام ونقاش مع فاخر فاخر١
تمتع الاخ فاخر في تعليقاته الاخيرة بحقه في ابداء ارائه بحرية كما يعتبرها صحيحة علميا وادبيا واخلاقيا ومنطقيا واجتماعيا بدون قيد او شرط. كان من المفروض ان يسمح لحسقيل ايضا ان يبدي اراءه كما يراها صحيحة علميا بدون ان يتدخل فيها ثم يرد عليها ويناقشها بالشكل الذي يراه صحيحا. لكنه لم يسمح للمسكين حسقيل قوجمان بنفس الحق في ابداء ارائه كما يراها صحيحة علميا بل تعدى وتجاوز اصول النقاش الادبية الطبيعية والعلمية والاخلاقية واخذ يطلق الاتهامات والاوصاف الشخصية البذيئة في نظري على الاراء التي عبر فيها حسقيل عن ارائه مع اضافة عبارة الماركسي استهزاءا وسخرية. وانا لا اسمح لنفسي بالانحطاط الى نفس هذا المستوى والدرك من النقاش فاعود الى حسقيل قوجمان الذي يكتب ويقول اراءه كما يعتبرها صحيحة علميا. بهذا انتهى الخصام ويبدأ نقاش الاراء التي جاء بها فاخر فاخر للرد على حسقيل في تعليقاته الكثيرة التالية.
يقول فاخر فاخر "أسفت غاية الأسف لأن السيد قوجمان يلجأ للعبة الغماية كي يفوز على رفاقه وإليكم المثال". عزيزي فاخر فاخر انا لا اعرف ولا افهم ما معنى كلمة الغماية التي تستعملها مرارا وتكرارا في تعليقاتك. اننا نناقش اراءنا ولسنا نخوض حربا لكي يحتاج احدنا الى ان يفوز او ينتصر على الاخرين. فكل منا يبدي رايه الذي يعتقد بصحته وخلافاتنا هي في هذه الاراء. يحاول كل منا ان يقنع الاخر بصحة ارائه.
"أولاً . نحن نعيد ماركس يقول أن دورة الانتاج الرأسمالي تتحقق فقط من خلال تجميع النقد لتحويله إلى بضاعة ثم تحويل البضاعة إلى نقد أكثر والعمال يخلقون نعم يخلقون النقد الزيادة فهو لم يكن موجودا . قوجمان يعترف بهذه الدورة لكنه يعود للأسف إلى عصر المانيفاكتورة قول أن إنتاج البضاعة سبق النظام الرأسمالي . لئن كان هذا صحيحاً، وهو غير صحيح، فإن بحثنا يتركز في النظام الرأسمالي فقط ولا ضرورة للعبة الغماوة . علماً بأن الانتاج الحرفي ليس إنتاجاً بضاعياً بكل ما في الكلمة من معنى وليس إنتاجاً رأسمالياً "
ان القول المنسوب لماركس اعلاه غير موثق بل هو بلغة فاخر فاخر الشخصية. لكي يناقش المرء كلاما منسوبا الى كارل ماركس ينبغي ان يجد امامه نص كلمات ماركس الحقيقي وليس التعببير عنها بكلمات غيره. التعبير عن قول ماركس بكلمات فاخر فاخر يعني انه في انتقاده يناقش ما قاله هو وليس ما قاله ماركس. انه في هذا الانتقاد يقوم بانتقاد ذاته.
ما معنى "ان دورة الانتاج الراسمالي تتحق فقط من خلال تجميع النقد لتحويله الى بضاعة ثم تحويل البضاعة الى نقود اكثر"؟ انا مع الاسف لم ابلغ من الثقافة الاقتصادية الى درجة فهم هذه العبارة. اين كان النقد منثورا لكي يجري تجميعه في المرحلة الاولى من دورة الانتاج الراسمالي وعملية خلق النقود؟ من يقوم بتجميع النقود؟ اذا كان المقصود ان العمال يجمعونه فكيف يقوم العمال بتجميعه؟ وماذا كان النقد قبل ان يجمعه العمال ليحولوه الى بضاعة؟ وكيف يحولون النقد الى بضاعة؟ البضاعة في اللغة العادية هي شيء من الطبيعة، قمح، رز، سيارة، طيارة، قنبلة، قمر اصطناعي، صاروخ عابر للقارات. كيف يمكن تحويل النقود الى بضاعة؟ النقود هي نقود لا يمكن تجميعها لكي تصبح بضاعة. يمكن الحصول على بضاعة بتبادل بضاعة اخرى اي تحويلها الى نقود عن طريق بيعها وتحويلها الى نقود ثم تبادل هذه النقود للحصول على بضاعة اخرى بشرائها. وهذا هو التبادل الذي جرى في المجتمعات منذ المجتمع العبودي وما زال يجري اليوم وسيبقى يجري الى حين انتهاء وجود النقود والبضائع. ولا يجري الحصول على البضائع الا عن طريق انتاجها بالعمل على الطبيعة وليس عن طريق تحويل النقود الى بضاعة.
كيف يخلق العمال "النقد الزيادة فهو لم يكن موجودا" ومن ماذا يخلقونه اذا لم يكن موجودا؟ كل ذلك على حد علمي لا معنى له. ويتهمني الاخ فاخر باني اعترفت بهذه الدورة فكيف واين اعترفت بهذه الدورة يا عزيزي فاخر فاخر؟
الدورة الانتاجية الراسمالية كما تعلمتها في الاقتصاد السياسي هي ان يقوم الراسمالي الذي يملك النقود فيلقيها في السوق ليشتري بها سلعة او بضاعة العامل الوحيدة، سلعة قوة عمله، حيث يجدها معروضة في السوق للبيع. ويشتري بنقوده المصنع والمواد الخام التي يحتاجها لانتاج البضاعة التي يريد انتاجها. ويستخدم قوة العمل التي اشتراها التي لا يستطيع استخدامها الا بوجود وعمل العامل الذي باعها شخصيا. فكافة البضائع او السلع في المجتمع تنفصل عن بائعها عند بيعها وتصبح ملكا لمشتريها عدا سلعة قوة العمل اذ هي البضاعة الوحيدة في المجتمع التي لا تنفصل عن بائعها لدى بيعها بل يجب استخدامها بحضور العامل بائعها اثناء استعمالها. والعامل ينتج اثناء عمله البضاعة او السلعة التي يطلب منه الراسمالي انتاجها. دورة الانتاج الراسمالي اذن تبدأ بنقود الراسمالي يشتري بها البضاعة ويستخدمها في مصانعه التي يشتريها بنقوده ويمتلكها حيث نتج العمال بضاعة تكون قيمتها اعلى من قيمة قوة العمل التي اشتراها الراسمالي. العامل لا يخلق ولا ينتج ولا يصنع النقود وحتى لا يلمس من النقود غير ما يتقاضاه من نقود الراسمالي ثمنا لسلعة قوة عمله بشكل الاجور. وتاريخ الصراع بين العمال والراسماليين حول زيادة الاجور وتحديد ساعات يوم العمل تاريخ طويل قدم العمال فيه ملايين الضحايا وما زالت الاجور لا توفر للعمال الا المعيشة الفقيرة التي نشاهدها. فكلما ازداد انتاج العمال للبضائع ازداد فقرهم.
النقود موجودة لدى الراسماليين مشترين وبائعين. والنقود المعدنية كالذهب والفضة تنتج من قبل الحكومات او البنوك التي تخولها. اما النقود الورقية فلا تخلق بل تطبع في مطابع خاصة وعلى ورق خاص وباصباغ معينة وتخطيط خاص لغرض تحاشي تقليدها وتزييفها وكثيرا ما تفشل الحكومات في منع تقليدها وتزييفها. والعمال هم الذين يعملون في مصانع طبع النقود ولن يلمسون جنيها منها لانها ملك الحكومات الراسمالية التي تطبعها وتنزلها الى السوق ومن هنا نعلم ان دورة الانتاج في المجتمع الراسمالي هي نقود سلعة نقود (ن ـــ س ـــ ن).
العمال حين يعملون في مصانع الراسماليين ينتجون سلعا، بضائع. وانتاج السلع هو تحويل جزء من الطبيعة يقدمه الراسمالي بشكل معين لكي يحولونه الى شكل جديد من الطبيعة. يحولون القطن الى ملابس، يحولون القمح الى خبز، يحولون الحديد الى مدافع. ان العمال ينتجون قميصا، حذاءا، عمارة، طيارة، مدفعا، قنبلة ذرية، الخ... والراسماليون وحدهم يمتلكون ما يصنعه العمال في مصانعهم ويعرضونه في السوق لبيعه باكثر مما دفعوه للعمال لدى شراء سلعتهم وهو ما يسمى اقتصاديا فائض القيمة.
فهل يطلق الاخ فاخر فاخرعلى البضاعة التي ينتجها العمال في مصانع الراسماليين والتي تزيد قيمها لدى بيعها اكثر من قيمة بضاعة قوة العمل التي اشتراها خلقا لنقود زيادة لم تكن موجودة؟ العمال لا علاقة لهم بهذه النقود. العمال يصنعون البضائع المادية فقط ولا يخلقونها.
"العمال يخلقون النقد الزيادة فهو لم يكن موجودا" ان كلمة خلق بمعناها القاموسي هي ان يقوم شخص غير الانسان بصنع شيءا يقدمه الى البشر. فليس في تاريخ الحياة او الحركة البشرية ما يدل على ان الانسان خلق شيئا ليقدمه الى البشرية اثناء حياتها. ان الخالق مهما كان الاسم الذي يطلق عليه، الله جبرائيل عزرائيل الشيطان بوذا او الاف الاسماء الاخرى للخالق التي اطلقها البشر على الخالق، هو جسم او شيء لا يعرفه الانسان او يشاهده بل يتصوره فكريا وخياليا وهو حسب تصورالانسان ليس شيئا بشريا اوانسانيا من المفروض انه يخلق الاشياء حسب جميع الديانات ويقدمها الى البشر. فهو خلق الكون وجعل الارض تدور حول الشمس او جعل الارض مسطحة وجعل الشمس تدور حولها حسب درجة تطور الانسان العلمية. وخلق الجنة لايواء احبائه وخلق جهنم لايواء اعدائه. وليس هناك اله خلق شيئا حقيقيا قدمه للبشر اثناء وجودهم احياء على وجه الارض. كل ما خلقه معد للانسان بعد وفاته وعودته اليه لكي يقرر هو المقر الذي يستحقه.
ان تاريخ تطور الحياة الحقيقية للبشر على الارض لم تشر الى شيء خلقه الانسان. فالانسان يكتشف ولا يخلق. نيوتن لم يخلق الجاذبية بل اكتشفها. اديسن لم يخلق الكهرباء بل اكتشفه. كولومبوس لم يخلق اميركا بل اكتشفها. ماركس لم يخلق الماركسية بل اكتشفها. فهل خلق الانسان شيئا واحدا في تاريخه هو النقود؟
اننا تعلمنا من الديالكتيك ان كل حركة طبيعية في الطبيعة او في المجتمع لها بداية وتطور ونهاية. والنقود حركة موجودة في المجتمع لها بداية وتطور ونهاية. "لكنه (حسقيل) يعود للأسف إلى عصر المانيفاكتورة قول أن إنتاج البضاعة سبق النظام الرأسمالي". حسقيل بطبيعة الحال يتتبع تطور حركة النقود الواقعية في المجتمع لان العلم يتطلب ذلك. ولكن ما هو الانتاج في عصر المانيفكتورا؟ الاخ فاخر يقول "لئن كان هذا صحيحاً، وهو غير صحيح، فإن بحثنا يتركز في النظام الرأسمالي فقط ولا ضرورة للعبة الغماوة . علماً بأن الانتاج الحرفي ليس إنتاجاً بضاعياً بكل ما في الكلمة من معنى وليس إنتاجاً رأسمالياً". ماذا كان انتاج الحرفي قبل الانتاج الراسمالي؟ كان الحداد ينتج سكينا او مطرقة او مقصا لكي يبيعها ويحصل على ثمنها نقودا يشتري بها حاجاته لكي يواصل عمله الحرفي ويبقي على حياته وحياة ابنائه. لماذا يعتبر فاخر فاخر ان الانتاج الحرفي ليس انتاج بضاعة؟ هل انتاج القميص ليس انتاج بضاعة؟
كان نظام الانتاج البضاعي في المرحلة الاقطاعية انتاج الاصناف. وانتاج الاصناف كان يجري وفق شروط معينة بحيث لا يصبح الصانع فيه اسطى او صنائعيا معترفا به الا بعد ان يمر في مراحل معينة من تعلم الصنعة قد تستغرق جزءا كبيرا من حياته.
اول مظاهر المانيفكتورا كان الربا. كان المرابي يقرض النقود ويطلب اعادتها مع ارباح. ومعادلة هذه الدورة كانت نقود نقود (ن ــ ن). وقصة شكسبير تاجر البندقية هي اعظم تعبير عن عمل المرابي وعن جشعه المنقطع النظير. لي تجربة شخصية مع مراب. استاجرت بيتا من حاج له خان في سوق الشورجة للبيع بالجملة وخصوصا صناديق الشاي السيلاني المستوردة. ذهبت اليه لادفع له الايجار الشهري. وحين كنت جالسا الى جانبه في انتظار فرصة لدفع الايجار دخل رجل يطلب قرضا منه بمائة دينار. ففتح درج مكتبه الذي كان مليئا باكياس صغيرة من الحامض حلو قد لا يكلف احدها اكثر من فلس. اخرج من الدرج كيسا وقال للرجل بعتك هذا الكيس الحامض حلو بعشرة دنانير هل اشتريت؟ اجابه الرجل اشتريت. فاعطاه تسعين دينارا وقال له انت مدين مائة دينار. ان الرجل المحتاج الى القرض كان يعلم انه يقبض تسعين دينارا ويدفع مائة دينار. ولكن الذي حرم الربا هو الله وليس الانسان. وكان الحاج المتمسك في عبادته ومنفذ لفرائض الصلاة والصوم والحج في الواقع يخدع الله وليس الشخص المقترض.
بالطبع لم يكن الانتاج في عصر المانيفكتورة انتاجا راسماليا واضحا بل كان بداية الانتاج الراسمالي بشكله التجاري بدون التمسك بقواعد نشوء الاسطوات في صناعة الاصناف. كان التاجر المالك للنقود يجهز بنقوده الفلاحين وفقراء الريف بالمواد الخام ويطلب منهم تحويلها الى بضائع بالاتهم البدائية كالمغازل فيغزل له الفلاحون القماش او يخيطوا القمصان مثلا فياخذ التاجر منتجاتهم للبيع لقاء النقود فيجني الارباح من ذلك. تبدا العملية بالنقود التي يبذلها التاجر في شراء المواد الخام وفيما يدفعه الى الفلاحين مقابل عملهم له ويكون الناتج بضاعة ينتجها الفلاحون له ثم يحولها الى نقود مع ارباح. انها دورة الانتاج الراسمالية نقود سلعة نقود (ن ــ س ــ ن). الانتاج المركانتيلي عزيزي فاخر فاخر هو انتاج راسمالي رغم عدم تطوره بعد الى الانتاج الراسمالي الصناعي. كان التاجر المركانتيلي يلاقي المصاعب في تجوله بالبضاعة نظرا لان الاقطاعيين يفرضون عليه الضرائب عند مروره من اقطاعية الى اخرى. ولكن انتاج المانيفكتورا هذا كان انتاجا راسماليا تجاريا. وكان من اهم شعارات الثورات البرجوازية كالثورة الفرنسية "دعه يعمل، دعه يمر"، اي انهاء المضياقات الاقطاعية على تجارة المانيفكتورا.