ملاحظات حول الراسمالية وتطوراتها
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن
-
العدد: 6793 - 2021 / 1 / 20 - 16:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
2016 / 7 / 19
في مقال سابق اقترحت على القراء الاعزاء ابداء رايهم في موضوع يودون مني مناقشته فاستجاب الاخ فاخر فاخر باقتراح الموضوع التالي:
"أود أن أقترح على شيخنا الجليل ... أن يكتب في موضوع الرأسمالية فهل امتد عمرها متوحشة كما يدعي البعض أم انها انهارت كما يدعي الآخرون. مثل هذا الموضوع هو في صميم علم الماركسية"
اشكر الاخ فاخر فاخر على اقتراح هذا الموضوع. ان الراسمالية نظام اقتصادي وسياسي في الصرح العلوي للمجتمع وهي احدى نتائج تطور الاساس الاقتصادي. لا يمكن بحث امتداد عمرها الا بامتداد ضرورة وجودها في الاساس الاقتصادي للمجتمع. فطالما لم تتغير ظروف الاساس الاقتصادي التي تجعل نشوء الراسمالية ضرورة لن ينتهي عمر الراسمالية.
ان تغير الاساس الاقتصادي عملية طبقية ينبغي ان تتغير الطبقة السائدة كشرط اساسي حتمي لتغير الاساس الاقتصادي. وقد كانت المجتمعات الطبقية تاريخيا مجتمعات تتخذ اسم الطبقة المتسلطة. تسلط طبقة اسياد العبيد كان اساس المجتمع العبودي وكان تسلط الطبقة الاقطاعية اساس المجتمع الاقطاعي وتسلط الطبقة الراسمالية كان اساس النظام الراسمالي.
لم تعرف في التاريخ طبقة متسلطة تتنازل عن سلطتها لتسمح لطبقة اخرى ان تحتل مكانها في التسلط على المجتمع. في تاريخ المجتمع البشري كان من الضروري الثورة على الطبقة المتسلطة التي اصبح وجودها عائقا في سبيل التطور واسقاطها لكي تحتل طبقة اكثر منها تقدما تسمح لاستمرار تطور المجتمع. وتاريخ الثورات الاجتماعية معروف ومدروس تاريخيا.
فكل تغير في الاساس الاقتصادي كان يتطلب ثورة تقضي على الاساس الاساس الطبقي القائم وانشاء نظام طبقي غيره. ما دام النظام الطبقي القائم في الاساس الاقتصادي للمجتمع مستمرا يبقى النظام االاجتماعي القائم في الصرح العلوي للمجتمع مستمرا.
ان المجتمع البشري اصبح راسماليا نتيجة للثورات البرجوازية اي منذ الثورة الفرنسية اعظم واسبق ثورة راسمالية في التاريخ قضت على النظام الاقطاعي الذي كان سائدا في فرنسا وتبعتها ثورات برجوازية في جميع بلدان اوروبا فاصبحت اوروبا كلها دولا راسمالية.
ومرت الراسمالية مذ ذاك بجميع مراحلها من المرحلة المركانتيلية الى المرحلة الصناعية والى المرحلة الامبريالية. ولم تبق مرحلة اخرى تتطور اليها فكانت مرحلة الامبريالية اعلى مراحل تطور الراسمالية.
ادت دراسات كارل ماركس لتطور المجتمع الانساني الى ادراكه بان النظام الراسمالي هو اخر الانظمة الطبقية التي يمكن للمجتمع ان يمر بها. وادت نظرته الديالكتيكية الى ادراكه للتطور الحتمي الذي يجب ان يتحقق لكي يتحقق انتهاء الراسمالية. وعلى هذا الاساس ادرك ان التحول الذي ينبغي تحقيقه لكي يتحقق انتهاء النظام الراسمالي هو تغير ينبغي ان يتحقق في الاساس الاقتصادي للمجتمع. ينبغي انهاء الملكية الخاصة للانتاج وتحويلها الى ملكية اجتماعية عامة.
الملكية الخاصة في الاساس الاقتصادي حيث يمتلك جزء من البشرية نقودا يستطيعون بها شراء سلعة قوة العمل المعروضة في السوق والتي لا يستطيع بائعها ان يحقق معيشته بدون بيعها فلا يمكن ان يتحقق انهاء الراسمالية. ان انهاء وجود البشر الذين يمتلكون النقود التي يشترون بها سلعة قوة العمل واستخدامها في الانتاج، المصدر الوحيد لوجود الارباح الراسمالية ولفائض القيمة، هو الشرط الضروري والحتمي لانهاء الراسمالية.
بين ماركس ان تحول الاساس الاقتصادي للمجتمع، وانهاء وجود بشر يمتلكون النقود تجعل بامكانهم شراء سلعة قوة العمل، تحقيق الملكية الاجتماعية للانتاج الاجتماعي، المجتمع الاشتراكي، هو الشرط الحتمي لانهاء النظام الراسمالي.
وادرك كارل ماركس ان السلطة الراسمالية لا يمكن ان تتنازل عن سلطتها وسيطرتها على النقود وبواسطتها على كامل الانتاج الاجتماعي، لا يمكن تحقيقها بدون ثورة عنفية على النظام الراسمالي، الثورة الاشتراكية، ما دعاه الى اطلاق شعاره، ياعمال العالم اتحدوا. وعلى هذا الاساس عمل على تكوين الاممية الاولى للعمال لتحقيق هذا الهدف. ان هذا الهدف لم يتحقق بعد. لذا لا يمكن انهاء النظام الراسمالي. والعالم حاليا يعيش النظام الراسمالي وان من يدعي انتهاء الراسمالية خاطئ فلا يمكن تحقيق القضاء على نظام طبقي مثل النظام الراسمالي عن طريق قرار في مؤتمر تعقده بعض الدول الراسمالية خرافة لا حقيقة لها.
حدثت في ثورة اكتوبر الروسية اول تجربة لتحقيق نظرية كارل ماركس في الثورة البروليتارية وتحقيق الملكية العامة للانتاج الاجتماعي. وتحقق النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي ونجح نجاحا رائعا خلال عشرين سنة من عمره. الا ان الظروف السياسية الداخلية في الاتحاد السوفييتي عند قتل ستالين ومجيء حكومة خروشوف والضغوط الهائلة من قبل العالم الامبريالي اديا الى سقوط النظام الاشتراكي. ولكن التجربة الناجحة اصبحت درسا ودليلا للبشرية الى الطريق الصحيح لانهاء النظام الراسمالي وتحقيق ثورة اشتراكية تشمل البشرية كلها هو امكانية قابلة للتحقيق وتحقيق انقاذ البشرية من مخاطر النظام الامبريالي الذي يعمل على انهاء الحياة على الكرة الارضية.
ان البشرية تجابه اليوم خيارا ثنائيا لا ثالث لهما، اما القضاء على النظام الراسمالي بثورة اشتراكية عامة، او تعرض الحياة على الكرة الارضية كليا لخطر الزوال. وكان كتاب الاستاذ فوزي ابراهيم الذي صدر في السنوات الاخيرة كتابا علميا رائعا لهذا الوضع الذي تواجهه البشرية في كتابه بعنوان، "الراسمالية او الكوكب".