مقاييس التعاسة في مصر والعالم
فؤاد قنديل
الحوار المتمدن
-
العدد: 4649 - 2014 / 12 / 1 - 10:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أعلن معهد جالوب الأمريكي مؤخرا نتائج الدراسة التي أجراها لسنة 2014 على 148 دولة لمعرفة أكثرها سعادة وأكثرها تعاسة ، وكانت النتائج لأسعد الدول على النحو التالي ، الأولى النرويج والثانية الدنمارك ثم السويد فاستراليا ونيوزيلندا وبعدهم فنلندا ثم لوكسمبرج وأيسلندا وسويسرا ، وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية عشرة وقد تراجعت عن العام الماضي وكانت تحتل المرتبة العاشرة ، وليس غريبا أن تحتل الدول التسع الأولى المراكز ذاتها على مدى سنوات طويلة دون أن تتبدل أو تتراجع .
أما أتعس الدول في العالم فتحتل دول كثيرة من العالم العربي المراكز الأولى ، فتأتى العراق في المركز الأول بعدها اليمن فمصر فسوريا وغيرها حتى لبنان التي تحتل المركز العاشر، و تهمنا الإشارة إلى أن المعهد الذي ليس الوحيد في العالم الذي يقوم كل عام بمثل هذه الدراسة يعتمد في أبحاثه على مؤشرات شبه ثابتة تتكئ على إحصائيات تخص مستوى التعليم والوضع الاقتصادي و حالة الإدارة ونصيب الفرد من الدخل ومدي تطبيق القوانين وسهولة المعيشة وموقف الشعب من السياحة والنظافة والثقافة وغيرها ، ولا يخفى على القارئ الكريم أن الدولة السعيدة ليست كذلك إلا لأن مواطنيها سعداء والأمر ذاته في حالة الدولة التعيسة حيث أن الشعب التعيس لابد ينتج تلك الدولة .
وحسب اعتقادي فإن مثل هذه الدراسات على درجة عالية من الأهمية ويتعين على الحكومات والبرلمانات ومراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني والمجالس القومية العديدة والاتحادات والنقابات إطالة النظر إليها وتشكيل لجان لبحث مصداقيتها وتطابقها مع واقع كل دولة ووضع تصورات معمقة لكيفية تحسين حالة المواطن ، ولابد أن مثل هذه الدراسات سوف تسهم في توضيح الوضع بدقة وتساعد الحكومة في العمل على توفير السعادة للمواطنين .
أما عن مصر فأزعم دون أدنى تحيز أن وضعها في الترتيب غير صحيح بالمرة ، وبالطبع لا أقصد أنها تحتسب بين السعداء لكنني أعنى أنها ليست بالسوء الذي يجعلها تتساوى مع اليمن والعراق وسوريا ، مع الإقرار في البداية بأن هناك أسبابا كثيرة للتعاسة يعرفها المثقف والجاهل والعجوز والشاب ، ومن تلك الأسباب التي شكلت عبئا نفسيا ثقيلا على المصريين خاصة في السنوات الثلاث الماضية ما يلي :
1 – الأوضاع السياسية المضطربة
لا شك أن التظاهرات الدائمة وإسالة الدماء و الصراعات السياسية عمليات التخريب الواسعة من رجال الإسلام السياسي والشباب مدعى الليبرالية خاصة إبان حكم الجماعة الإرهابية وما شاب توجهاتها من حماقات وانفصال عن الشارع ومحاولة الهيمنة على إرادة المواطنين حسب هوى المتاجرين بالدين قد فاقم من حالة التعاسة والغضب .
2 – الخوف
أمور كثيرة تتم على كافة المستويات في مصر تقتضي غرس الخوف في نفس المواطن بدءا من الخلافات الأسرية إلى الخصخصة والطرد من العمل مرورا بالأساليب التي تتبعها كل السلطات في محاولة قمعه ومنعه من التعبير ، والخوف من الزمن أو المتغيرات المحتملة خاصة مع إقدامه على عمليات سرية مخالفة .
3 – الإذلال
ثلاثة أرباع المصريين على الأقل يتعرضون للإذلال من الأعلى منصبا والأكثر ثراء
المصريون عادة مع غياب الحريات يتعرضون لأشكال مختلفة من الإذلال والمعاملة المهينة .
4 - البطالة
5 – نقص الخدمات وصعوبتها وما يتيسر منها رديء.
6- الفروق الرهيبة في مستويات المعيشة ، يكفى الإشارة إلى أن الدولة وبعد ثورتين تقر الحد الأعلى للأجور للعاملين بالمؤسسات الحكومية بما يساوى خمسة وثلاثين مثلا للحد الأدنى ، ونحن دولة فقيرة جدا وهذا الفارق بين الأعلى والأدنى غير معمول به في أية دولة .
7 – سوء توزيع السكان والزحام الشديد في المدن حيث مصادر الرزق.
8- التهميش لأعداد كبيرة من الشعب في وسائل الإعلام والتقدير والمناصب
وتوزيع المزايا .
9– البيروقراطية الراسخة في الهيئات الحكومية وإجراءاتها المعقدة والمتراكمة
تبعث على اليأس والتعاسة .
10 - مصر حتى الآن على الأقل ليست بلد قوانين فكل شيء متاح خاصة
للمتنفذين والأثرياء
10 – إعلانات التليفزيون عن كل أنواع السلع الفاخرة والشقق والمنتجعات التي
يسيل لها اللعاب والحديث عن أجور المذيعين التي لا تعد إلا بعشرات
الملايين .
11 – نصيب الفرد من الدخل المحلى ضعيف للغاية ويكمل احتياجاته بأعمال
أخرى والسرقة إذا أمكن.
12 – كثرة الأمراض الناتجة عن الجوع والتدمير الحادث في المزروعات والعبث بالمواد الغذائية بسبب شراهة التجار بمختلف أنشطتهم مع غلاء أسعار الدواء وسوء حالة المستشفيات إلا للأغنياء.
لابد أن ما ذكرناه من أسباب للتعاسة يشيب الكتكوت كما يقولون ويهد جبال من الهم ، ومع ذلك ويا للغرابة فإن كل هذه الأسباب ليست كافية لجعل المصريين تعساء لأن هناك مقاييس أخري كان يتعين على مراكز الأبحاث أخذها في الاعتبار ودراستها في إطار خصوصية كل شعب ومنها مصر التي يمتاز شعبها بالآتي :
أولا – اعتاد المصريون في كل الأزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية وما يخص الموت والفقر والجوع أن يضحك للمتناقضات ويفرح بالنكتة ويقولها حتى لو كان في عزاء فهي مؤنسه ومصدر سعادته أو على الأقل المذيبة لأي تعاسة تفكر في مهاجمة عقله وروحه .
ثانيا : الإيمان الراسخ بالقضاء والقدر وبأن كل شيء بيد الله وأن ما كان مقدرا أن يصيبك فسوف يصيبك ، ولا تحمل هما للرزق فهو يعرف عنوانك وسوف يأتيك .
ثالثا : كثير من الأمثال الشعبية ييسر الحياة ويعين على الصبر ولا يسمح بدخول التعاسة من أية نافذة أو لأي سبب ، مثل قولهم :الله جاب .. الله أخذ . الله عليه العوض ..أو قولهم : تجيبها كده . تجيلها كده . هي كده ، وقولهم .. لا تحمل هما .. تبات نار تصبح رماد . ارمي حُمولك على الله .. حط في بطنك بطيخة صيفي . وقولهم : تجري جري الوحوش غير رزقك لم تحوش.
رابعا : الإيمان بالنصيب ، فمن وجهة نظرهم .. كل شيء نصيب
في الختام نجدد الدعوة للحكومة كي تنظر في وضعنا الدولي من ناحية وفيما عرضناه من أسباب التعاسة فلا يجب على القيادات بكل مستوياتها أن تثق طويلا في صبر الناس ولا أن تعتمد على أن المصريين لهم وسائلهم في التغلب على الهموم فقد تغيرت أفكاره بعد الثورتين ولن يحافظ على قيمه الإيمانية فقد طالت مدة الحرمان وأصبح يعرف جيدا كيف يعيش الآخرون حتى في الدول المتخلفة .