لا لتأجيل الانتخابات
فؤاد قنديل
الحوار المتمدن
-
العدد: 4578 - 2014 / 9 / 18 - 10:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
تمكنت مصر خلال عام واحد من وضع دستور يتمتع بتوازن وحكمة وعدالة ومصداقية ومستقبلية وحرص راسخ على حقوق الإنسان وفي ظنى أنه أفضل دستور مصري على الإطلاق حتى الآن ويعد الأساس المكين لبدء عصر من البناء والتنمية والنهضة ، وتمكنت في العام ذاته من انتخاب رئيس للجمهورية أظن وعشرات الملايين أنها أحسنت الاختيار ، ولم يعد باقيا غير الاستحقاق الثالث والأخير وهو المجلس التشريعى (النواب) وكان مقدرا له أن يتم في نوفمبر القادم ؛ لكن أصواتا هنا وهناك تعالت داعية لتأجيل الانتخابات ولو لعام واحد لأسباب عديدة ، منها :
أولا : أحوال البلد غير مهيأة لإجراء الانتخابات بسبب الظروف الملتبسة إذ مازالت هناك محاكمات لأعلى قيادات الدولة وقيادات بارزة للجماعة الإرهابية ، والأوضاع المالية والاقتصادية مضطربة والعنف في تصاعد رغم ما تتلقاه القوى المناوئة من ضربات ، والشوارع لا تزال مهددة بالبلطجة والسرقة والتهجم على الممتلكات والتعديات على الأراضي الزراعية وغير الزراعية والصحف عامرة بالقلاقل في كل مكان .
ثانيا : كثيرون على ثقة من أن عشرات الأحزاب بلا فلسفة أو رؤية سياسية فضلا عن هشاشتها وافتقادة للجاهزية والكفاءة ، ومعظمها بدون هياكل إدارية والصراع بين أعضائها لا يتوقف ولا ينهض على أساس أيديولوجى جاد وعميق ، ويجب توفير الفرصة الكافية التى تمكنها من بلوغ درجة عالية من النضج.
ثالثا : إتاحة المدى الزمنى للرئيس السيسي للقيام بدوره التشريعى حتى يصدر ما يراه من قوانين تضمن سلامة الأوضاع والسيطرة على الأمور الخلافية ودفع عجلة الإنتاج دون تبديد للوقت في الجدل .
رابعا : التمكن من إزاحة أعضاء الحزب الوطنى ومؤيدى مرسي ومناصري التنظيم الإرهابي حتى لا يقفز رجال مبارك ومرسي إلى مقاعد المجلس النيابي بما يتمتعون به من قدرات مالية وتنظيمية وتغلغل لدي شرائح عريضة من جماهير الشعب خاصة الفقيرة منها والمتوسطة.
أما الرأى القائل برفض التأجيل والإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها أو في يناير 2015 على الأكثر فيستند إلى أسباب منطقية ووجيهة ، منها :
أولا :أن استكمال خريطة المستقبل بالاستحقاق السياسي الأخير لابد أن تتم في موعدها ، ولابد من احترام الدستورحتى لا تتفجر في الأذهان المتربصة في الداخل والخارج فكرة أن الحالة السياسية في مصر عرجاء و ناقصة المؤسسات ومن ثم الإسراع باعتبار نظام الحكم ديكتاتوريا حتى لو لم يكن كذلك إلى الآن على الأقل .
ثانيا : البرلمان القادم لن يكون كما نتمنى بالضبط حتى لو انتظرناه أعواما وليس عاما واحدا لأن النضج لا يكون إلا بالتجربة والممارسة ولا يتحقق هذا إلا من خلال المناقشات ومُدارسة القضايا المختلفة والمعاهدات والاتفاقيات ومشروعات القوانين والسياسات من مقاعد مجلس النواب ومن تحمل مسئوليات العمل التشريعى والرقابي .
ثالثا : التحايل على التجربة السياسية بإتاحة الفرصة للرئيس كى يحكم ويشرع تتعارض مع الديمقراطية ومع المصداقية ويضيق من قاعدة المشاركة ويغرى باستقرار الرأى الواحد ومن ثم الاعتياد على الاستبداد .
رابعا : لابد من تعميق الإحساس لدى المواطنين بأن بلادهم قد بلغت حدود الدول المتماسكة سياسيا وعادت إلى الأوضاع الطبيعية بعد أربع سنوات من الاضطراب والخلخلة والتمزق والضبابية وافتقاد الثقة في الجميع وقد أصبح هناك كيان تشريعي يمثلهم ويعبر عنهم وله في المشكلات والأحوال آراء قابلة للتنفيذ .
خامسا : ذهب البعض من مؤيدى التأجيل أن الدستور ليس نصا مقدسا وأن الضرورات تبيح المحظورات فتحقيق الاستقرار والأمن مقدم على الانتخابات ، ونرى أن هذا الالتفاف لا جدوى منه ولا يتعين الوقوع فيه فعواقبه وخيمة ، ويتعين الالتزام بكافة مواد الدستور وليكن المجلس النيابي هو المنوط بطلب التغيير إذا اقتضت الضرورة يوما ما .
سادسا : إن الدعاوى التى تتعلل بالظروف الملتبسة والتحديات الصعبة تغفل فكرة الدولة القوية التى تملك القدرة على حماية مؤسساتها وترتيب منظومتها العملية والإدارية وأحوالها الاقتصادية خاصة مع رئيس مخلص وصادق ومناضل ومتمتع بمحبة غامرة من شعب وقع على وثيقة الرضا عنه والثقة به .
سابعا : إذا كانت بعض الوجوه المحتملة للترشح متواضعة وأكثر الأحزاب هشة ومتداعية فالكرة في ملعب الجماهير التى عانت من الفلول والمنتفعين ومن العصابة الإجرامية وأساليبها الصادمة في الاستغلال والإرهاب. ومن المتوقع بل من المؤكد أن هذه الجماهير أكثر وعيا من أن تلدغ من الجحور عشر مرات وأنها سوف تحرص على اختيار الشرفاء والوطنيين الذين ينحازون لمطالبهم و يفضلون مصالح الوطن قبل أية مصلحة وكذلك أصحاب الفكر والعلم والشخصية واستقلال الرأي والاستماتة في النضال من أجل تقدم الأمة.
ثامنا: وعى الجماهير مسئولية الإعلام وعلى المخلصين من رجال الإعلام المساهمة بدأب لتربية الشعب سياسيا والتركيز على الصفات المميزة للعضو المشرف الذي يحسن تمثيلهم ومحاولة نبيلة ومتحضرة ومتعففة ومحايدة لتوجيههم إلى الوطنيين والنابهين وليس إلى الدجالين والطفيليين والمرتزقة.
تاسعا : من يتصورون إمكانية إزاحة أعضاء الحزب الوطنى خاصة مفسدى الحياة السياسية والاقتصادية من الساحة خلال عام مسألة غير مضمونة ، بسبب تجذرهم في حياة الناس كما أن القضاء قال كلمته وأوقف الحكم الذي سبق إصداره بمنع رجال مبارك من الترشح ، وهكذا فمهمة الاختيار كاملة ملك الشعب .
عاشرا : لن تكون هناك صراعات وتناحربدرجة تهدد القرار داخل البرلمان لأن وجود رئيس عليه اتفاق كبير واقتناع بكفاءته ورضا عن فكره وعزمه على العمل بكل الطاقة من أجل تطوير البلاد سوف يشجع أكثر أعضاء البرلمان حتى المختلفين معه على محاولة الانسجام مع الرؤية الرئاسية والاصطفاف تحت رايتها وإبداء التعاون مع خططها للمستقبل .
عاشرا : يتعين إجراء الانتخابات قبل أن ينسى الشعب الطيب مساوئ الإرهابيين المتاجرين بالدين والمصريون للأسف ينسون " الأسية " بسرعة ويتذكرون " الفضل " ببطء ، كما يجب الإسراع بإجراء الانتخابات قبل أن تنتهى المحاكمات وتتبدد الحقوق وهو أمر متوقع خاصة في ظل الجهود الحثيثة بل المحمومة لعقد مصالحات مع الخونة من رجال مرسي والشاطر والمرشد والتنظيم الدولى الذين لا يزالون يشعلون الحرائق في كل منشأة ويقتلون الأبرياء في كل مكان بلا مبرر ودون رحمة ، ولا شك أن الجحيم في الدنيا والآخرة ينتظرهم بشوق ولهفة.
يبقى التأكيد على أن الانتخابات تنتظر الموافقة على الحدود الجديدة للمحافظات وتحديد الدوائر وإعادة النظر في قانون الانتخابات .