رحلة ممتعة إلى أيرلندا
فؤاد قنديل
الحوار المتمدن
-
العدد: 4640 - 2014 / 11 / 22 - 10:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلق الله الكون وشتى الكائنات ووسمها بأهم سمة وهى الحركة حتى الأرض والجبال والأنهار والبحار والسماوات والبشر أيضا ، والحركة من أهم ملامحها التنقل والارتحال والأسباب كثيرة ، وقد حفل القرآن الكريم بالآيات التى تشير وتدعو إلى الرحلة والهجرة والسفر ، ولذلك يعد الدين الإسلامى بالذات هو من شجع على الرحلة ودعا إلى الضرب في الأرض وركوب البحر وصناعة السفن والاستعانة بشتى السبل التى تيسر التنقل فالكون كله مسخر لرغبات الإنسان وأمانيه بما فيه خير العباد ، ولعل أية واحدة وردت بكتاب الله هى أهم ما أسس للارتحال وحدد فلسفة التنقل وكاد أن ينص على أن الرحلة عبادة لأنها تفضي إلى التعارف والعمران والتطور ونقل الخبرات إذ يقول سبحانه :
" يا أيها الذين آمنوا إنا قلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنا أكرمكم عند الله أتقاكم" صدق الله العظيم.
وكثيرون يعلمون أن الرحلة العربية من أهم الرحلات العالمية خاصة في القرون الوسطى ، بدءا من القرن الأول الهجري حتى القرن السابع حيث استجاب الرحالة العرب لدعوة القرآن وانطلقوا يتعرفون ويبحثون ويغامرون حتى شكلوا صفحات رائعة من الاكتشاف والمعرفة والتجارب التى دفعت الكثيرين من رحلات الغرب والشرق للاقتداء بهم ، وقد أثرت كتب الرحالة العرب المكتبة العربية والعالمية بكتب لا تكاد تخضع لحصر بعضها لا يزال مخطوطا يسجل إدانة واضحة للباحثين العرب الذين لم يفكروا في التنقيب عن جواهر الرحلة إلا قليلا ، والمخطوطات محفوظة في مكتبات مدريد واسطنبول وليدن بهولندا وغيرها من المكتبات ، وما أحوج الأمة العربية أن يتحمس علماؤها ومؤسساتها كى يخرجوا تلك المخطوطات من الظلمات إلى النور بالتصوير والتحقيق والدرس والنشر وإقامة الموائد المستديرة والمؤتمرات بل والترجمة حتى تضاف إلى ما هو معروف ومنشور وذائع الصيت ، ويكفينا أسفا ما حاق بعشرات الكتب التى ضاعت في البحار والصحراء وسوء الحفظ وما ضاع بسبب وفاة الرحالة الذين لم تتح لهم الظروف المواتية كى يسجلوا تلك التجارب المميزة التى تعرفت على شعوب تعيش حياة عجيبة في زمان مختلف وعصور قديمة جديرة بالنظر والتأمل لما بها من حياة غرائبية مثيرة .
ومما يؤسف له أن كتاب الرحلة الغربيين كثر عددهم وانطلقوا مع كل رحلة يدونون وينشرون ويضيفون إلى المعارف على حين أن أبناء العربية قل إقبالهم وفترت حماستهم لهذا اللون من الأدب إلا من رحم ربي ، ومن هؤلاء الكاتبة السيدة سلوى الحمامصى التى أصدرت مؤخرا كتابها الممتع " الشمس تشرق أحيانا " وهو رحلات إلى أيرلندا . وسبق لها إدار كتابين عن رحلتها إلى سنغافورة وأوكرانيا ، وقد ساعدها كثيرا ولبي هواها للرحلة تنقلها مع زوجها الدبلوماسي ، ولأنها كاتبة قصص في الأساس فقد جاءت كتبها في الرحلة مشبعة بروح القص ، وأقرب الأجناس الأدبية للرحلة أدب القصة كما ورد ذلك وأكده كتابنا " أدب الرحلة في التراث العربي " وهذه الروح القصصية في طرح التجارب والمشاهدات تثري الرحلة بأفضل مما يكتب الرحلة شاعر أو مسرحى أو حتى كاتب متخصص في أدب الرحلات .
وكلما أقبلت على قراءة كتاب في أدب الحلة أبحث عن مدى توفيق الكاتب في التعامل مع العناصر الأساسية لحياة الشعوب مث الطبائع والمعاملات والشوارع والحدائق والصور المتعددة للجمال أو القبح وعدد السكان وأنشطتهم ومدى حضور القانون وطبيعة الحياة السياسية والفلسفة الاقتصادية والهوايات والأوضاع الاجتماعية والعادات والتقاليد وتجلى الأمكنة والأزمنة والتحولات والكثير من أوجه الماضي والمواقف الشخصية المثيرة وأحوال الصناعة والتجارة والجغرافيا والشواطئ وألعاب الأطفال وأحوالهم وحقوق الإنسان والآداب والفنون والأعلام في كل مجال إذا تيسر هذا.
ويكفى القول أننى منذ الصفحة الأولى لم أتوقف عن القراءة إلا مع الصفحة الأخيرة ولا يحدث هذا عادة مع أي لون من الكتب إلا مع الروايات المدهشة.
تبدأ الكاتبة بمقدمة عن ظروف السفر الأولى وهذا أمر طبيعى ، ثم تقفز للحديث عن الشعب الأيرلندى وهذا النهج غير معتاد لكنها سعت إلى تقديم صورة الشعب المبتسم في ابداية حتى تجتذب القارئ للتعرف عليه أو الصبر على التجربة والتطواف بهذه المنطقة المجهولة نسبيا للشعوب العربية وغير مدرجة على قوائم السفر لدى الباحثين عن السياحة ويبدو أنى بمرور الصفحات عزمت على زيارة أيرلندا التى لم أعرف عنها غير أدبائها الأعلام مثل أوسكار وايلد و صمويل بيكيت وجورج برنارد شو وجيمس جويس وشيموس هينى .
تحدثت الكاتبة عن شروق الشمس النادر وفرح الأيرلنديون بها إذا أشرقت وساهم هذا في صياغة العنوان ، وبالطبع أختلف معها فالعنوان قصص أو روائي ولا يتناسب مع كتاب في أدب الرحلة فضلا عن أنها تريد لفت الأنظار لأيرلندا فكان عليها أن تبحث فيما التقت به من مشاهدات ومواقف مثيرة كى تصيغ عنوانا جاذبا لهذه الدولة المحرومة من التعاطف .
تناولت السيدة سلوى الكثير من معالم المدن وبعض العادات والهوايات ومنها سباقات الخيل والتنزه والاحتفالات والاهتمام غير العادى بتنشئة الأطفال، وكان ممتعا حديثها عن الثعالب الحمراء وكلاب أيرلندا والمدارس السرية وتعليم الرسم في الكنائس وحب الغناء واحتفالات الكريسماس والصليب الأخضر وغرق الصيادين المصريين في أيرلندا وزواج مصري من أيرلندية ومن اللافت أن السفينة تيتانيك وهي أضخم سفينة في العالم صناعة أيرلندية وتم إنتاج فيلم شهير عنها ما يزال محل إعجاب الجماهير في بقاع كثيرة من العالم ولا يقلل من مكانة أيرلندا في صناعة السفن تعرضها للغرق فقد كان السبب كما هو معروف ارتطام السفينة وهي تسبح في الضباب بجبل من الجليد لم يظهر إلا فجأة بسبب سوء ارؤية وقد حدث هذا قبل قرن من الزمان.
إن الكتاب الذي يقع في مائتين وسبعين صفحة عامر بالمواقف الشائقة والحوارات الناعمة والقضايا الساخنة وأهمها التصرفات البغيضة للاستعمار البريطانى الذي احتل أيرلندا وأساء إلى أهلها في مناسبات عدة لكن أسوأ ما اقترف هذا الاستعمار المتسلط المغرور عديم الإحساس هو طرده للآلاف من الأيرلنديين في بدايات القرن العشرين وجلب الآلاف من اسكتلنا ليحلوا محلهم وكأن الشعوب قطع من الشطرنج أو قطعان من الماشية يسوقونها إلى حيث يشاء المتسلطون الطغاة .
ولا أستطيع في الختام التغاضي عن الأخطاء الطباعية والإملائية وغيرها وقد أساءت للجهد فقد كانت على ال" التورتة " اللذيذة بعض ذرات الغبار ، لكن ذلك لم يفقدنى على الإطلاق متعة القراءة والتأمل والاستزادة المعرفية وتلبية شهوتى الراسخة في حب المدن والقرى والجمال الإنسانى في كل مكان والذي لا تستطيع وسيلة أن تنقله ببهاء وروعة غير السينما وأدب الرحلات .