التكفير (22) دعوة الإحياء الإسلامى
جمال البنا
الحوار المتمدن
-
العدد: 4023 - 2013 / 3 / 6 - 08:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليس هناك ما يماثل هذا المشهد!
أعراب جفاة يجعلون من أنفسهم قضاة، ويحكمون على علىّ بن أبى طالب ــ أول من أسلم طفلاً ــ وأعظم من حارب شجاعة، وأتقى وأعدل من حكم قضاءً، وقد كان عمر بن الخطاب يستفتيه- أنه قد يكفر، ويطالبونه بالتوبة.
وما جاء بعد ذلك أدهى.
أن يتوعده أعرابى: «إنى لأتقرب إلى الله بقتلك»!
عندما يظهر التكفير يغيب العقل.
وكانت الأزمة الثانية عندما بدأت بوادر ظفر الهند باستقلالها، وأهم من ذلك المسلمون الذين كانوا قبل ظهور بريطانيا سادة الهند، ولما دخلت بريطانيا، ظهر نوع من السلام البارد بينهم، ولكن عندما تزعم المسلمون الثورة الكبرى على بريطانيا سنة 1870م التى كادت أن تقتلعهم، وتغلب الإنجليز بصعوبة عمدوا إلى تأييد الهندوس الذين كان بينهم وبين المسلمين عداوة تاريخية قديمة، ورأى المسلمون أن الهند المستقلة ستكون فيها أغلبية هندوسية لن تسمح للمسلمين بحرية، وبدأت تظهر فكرة الاستقلال عن الهند وتكوين دولة خاصة لمسلميها، وظهر المفكر الذى يقدم الأساس الإسلامى النظرى، وهو السيد أبوالأعلى المودودى الذى قدم تنظيراً سيصبح القاعدة لفكر التكفير، ويقوم على ثلاثة مبادئ، هى:
المبدأ الأول هو «الحاكمية الإلهية» المنبثقة من أن الله- تعالى- هو خالق هذا الكون وخالق الإنسان، ومبدع كل شىء فى الوجود، وأنه ما من ذرة فى السماء والأرض أو نجوى ثلاثة أو أقل إلا يعلمها الله، وبناء على هذا المبدأ الرئيسى يتفرع المبدآن- الثانى والثالث.
المبدأ الثانى هو«العبودية لله وحده»، فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله- تعالى- شيئاً.
المبدأ الثالث هو أن كل أوضاع المجتمع الإنسانى من سياسة، واقتصاد، واجتماع يجب أن تتم طبقاً لما أراده الله- تعالى- لها وفقاً لما شرعه فى الكتاب والسُـنة، وأى قانون أو تنظيم يخالف ذلك يُعد نوعًا من مخالفة «الحاكمية الإلهية»، ويقرب من الشرك.
وعلى هذا الأساس قامت دولة باكستان، ولكنها ما إن قامت حتى توفى «القائد الأعظم» محمد على جنة، ووقعت فى أيدى السياسيين المحترمين الذين لم يطبقوا شيئاً من الأسس التى وضعها المودودى، والتى كانت فى أصل ظهور باكستان.
وحدثت الأزمة الثالثة سنة 1954م فى مصر عندما احتدمت العداوة بين السلطة والإخوان والشيوعيين، وضباط سابقين، وساسة العهد الملكى.
وكان ممن اعتقلوا شباب أغرار لا يعرفون شيئاً، وانتهى فكر هؤلاء الشباب إلى أن الحكومة التى تمارس مع هؤلاء الشباب هذه الصور الهمجية الوحشية من التعذيب ليست مؤمنة، إنها كافرة، فولدت فكرة التكفير، كرد فعل على وحشية التعذيب، ووجدوا الغطاء المذهبى فى فكر المودودى الذى بلوره سيد قطب، وصاغه فى كتاب «معالم على الطريق»، كما لو كان سبيكة ملتهبة.
وحاول المفكرون عندما لمسوا ظهور هذه الفكرة بين الشباب إقناعهم بخطأ فكرتهم، وأكدوا فيها أن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأنهم ليسوا قضاة على الناس بالإيمان أو الكفر، فقد كان المناخ مناخ عنف، وكان تصرف هؤلاء الشباب هو فى حقيقته رد فعل سيئ لما مارسته الحكومة، ولم يكن الأمر أمر منطق، ولكن معاملة بالمثل.
وعندما أطلق سراح أحد هؤلاء ــ شوقى مصطفى ــ أسس جماعة «المسلمين» التى أطلقت عليها الصحافة «جماعة التكفير والهجرة»، وكانت ترى أن كل الذين لا ينضمون إليها كفار، وخطفوا شيخاً جليلاً من شيوخ الأزهر، وطلبوا من الحكومة فدية كبيرة لإطلاق سراحه، ولما رفضت الحكومة أطلقوا عليه الرصاص.
وعندما نجحت إحدى هذه الجماعات «جماعة الجهاد» فى اغتيال السادات بطريقة دراماتيكية، ووسط الاحتفال بعيد النصر، ذاع، واشتهر أمر هذه الجماعة، وكسبت شهادة مدوية، وانضم إليها كل فلول النظام المحبطين.
■ ■ ■
وهناك جانب آخر هو أن الله- -فى عديد من الآيات قضى أن المرجع عند الاختلاف هو الله- تعالى- نفسه، ويوم القيامة سواء كان الاختلاف بين المسلمين بعضهم البعض، أو كان الاختلاف بين الشرائع وبعضها البعض، كما أنه لم يحرم غير المسلمين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويعملون صالحًا- من الأجر: «فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ».
■ «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة 62).
■ «... فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (المائدة 48).
■ «... وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (الأنعام 164).
■ «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...» (الحج 17).
■ «... ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (آل عمران 55).
■ «... إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» ( المائدة 48).
■ «... ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» ( الأنعام 164).
■ «... وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (النحل 92).
■ «اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (الحج 69).
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يفتات المفتون على الله- تعالى؟ ولماذا يحلون أنفسهم محله؟ وما لهم لا يتركون كل اختلاف لفصل الله- تعالى- يوم القيامة حتى لا يتحول من اختلاف إلى خلاف؟!