حتى لا تكون سيناء «يمناً» ثانياً
جمال البنا
الحوار المتمدن
-
العدد: 3869 - 2012 / 10 / 3 - 09:19
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
قرأت حواراً أجراه الكاتب الدؤوب الأستاذ على عبدالعال مع قيادى جهادى فى سيناء، وكان أبرز ما جاء فى هذا الحوار مع الجهادى أن جغرافية سيناء أعقد جغرافيا فى الشرق الأوسط، ربما لا ينافسها إلا أفغانستان، التى لم تنجح جيوش ٤٨ دولة فى القضاء على طالبان فيها، وكان العنصر الثانى أن كل الجهاد الذى تقوم به سيناء موجه لإسرائيل، ولا يتصور مطلقاً أن يكون ضد الجيش المصرى، لأن عرب سيناء يؤمنون بأن وجود إسرائيل خطر يهدد الأمن القومى لها، وبالتالى يتطلب حماية مسلحة لا تتأتى دائماً بالقوة العسكرية التى ألفت الحكومات أن ترسلها إلى هناك، وبالتالى فإنها لا تحول دون تغوُّل الخطر الإسرائيلى هناك، وعملياً لا توجد تنظيمات جهادية أو غير جهادية تتبنى بصورة معلنة قتال الجيش المصرى، لأن تصور هذا يقوم على أساس وجود حرب بين أهل سيناء والجيش، والحال غير ذلك، فأهل سيناء مواطنون عرب شرفاء يرون أنهم جزء لا يتجزأ من الوطن المصرى، ولهذا فلا يتصور أن يتوجه أحد من سيناء بسلاحه ضد جيش مصر.
وفيما يتعلق بأمر الصراع فى حال استمرار القتال، قال «حازم المصرى» إن أى تنظيم مهما كان بالغاً فى عدده فإن احتمال استمرار مثل هذا القتال لمدة عشرين عاماً أمر غير بعيد، وما يتردد الآن من حملات متقطعة هو نتيجة تدخل هيئات شاذة ولا قيمة لها وسط المجاهدين.
وأكد المحاور السيناوى أنه ليس هناك مبرر لدعوات نزع السلاح فى سيناء، بل إنه يصر على وجود عدد من الجنود لا يتصور أن تكون موجودة كضمانة فى مواجهة الأطماع الإسرائيلية وكبح سياستها التوسعية.
وقد حدث أن دخل الجيش الإسرائيلى مراراً فى سنتى ١٩٥٦ و١٩٥٧م.
وبالنسبة للحديث عن جماعات تكفيرية فى سيناء، أكد المحاور السيناوى أن هذا تضليل متعمد لمحاربة الجهاديين، وعادة ما يكون التكفير فى مجال الفكر والعقيدة وليس فى مجال الأرض ولا القتال.
وأقول لك إن التكفيريين فى القاهرة أقوى وأنشط وأكثر تنظيماً، وهناك عدد منهم فى سيناء، والإعلام الحكومى يسمى الجهاديين تكفيريين ليتقبل الشعب عدوانه عليهم.
قال المحاور السيناوى إن الحرب فى الجغرافيا السيناوية تغرى العدو بأن يدخل شيئاً فشيئاً، وفى الوقت الذى يظن فيه أنه آمن تتفتح عليه الأفواه من المدافع والبنادق، إنما هو نزيف مستمر، ومن يحسم موازين القوة العسكرية بعدد الأفراد فقط أو كمية السلاح فإنه ينظر إلى الموضوع بسطحية بالغة، فالعامل القبلى يسكن فى سيناء متداخلاً مع العامل الدينى، ومن ذلك أن إحدى القبائل سلمت ابنها للجهاديين ليذبحوه بعد أن تأكدوا من تعاونه مع الموساد بعد قتل الناشط الجهادى إبراهيم عويضة، كما أن السلاح موجود بكثرة فى يد الجميع، وهو ليس سلاحاً شخصياً خفيفاً، بل هو سلاح متوسط وثقيل متوفر بكثرة فى أيدى الجميع، ونؤكد للمرة الألف أنه ليس لدى الجهاديين أدنى رغبة فى الدخول فى صدام مع الجيش، ولم يقوموا بالاشتباك معه سوى مرات معدودة، وكانوا فيها مضطرين للدفاع عن النفس، وحتى فى هذه الاشتباكات فإنهم حرصوا على ألا يكبدوا الجيش خسائر إلا قدر الضرورة لدفعه.
فسأله الأستاذ على عبدالعال: هل من مظالم ترون الجيش انتهكها بحق أهل سيناء أو التنظيمات الإسلامية بها؟.. فقال: لسنا نحن من نرد على ذلك فحسب، غالب الرموز الثورية والنشطاء الحقوقيين يتحدثون عن انتهاكات.. وكيف لا نتوقع حدوث انتهاكات على منطقة آمنة بالسكان، وعلى مناطق مدنية آهلة بالسكان. «انتهى».
ما إن قرأت هذا الكلام حتى تذكرت على التو اليمن، الذى خضنا مأساته منذ بضعة عقود وخسرنا فيها المال والجند والذهب ولم يحقق شيئاً نتيجة خطأ دراسة الواقع العملى لليمن، وأنه ليس على وشك التداعى والسقوط، وإنما لديه قوة كبيرة استطاعت أن توقف مسيرة الجيش المصرى وتجعله يبوء بالفشل، بل أكثر من هذا كان يمكن أن نعتبر بـ«صلاح سالم» عندما أرسلناه إلى الخرطوم ليصلح بين الشمال والجنوب، وحاول ذلك فرقص بين الجنوبيين عارياً، بينما كان يوزع الرشاوى الذهبية بالليل، ولم ينجح وعاد والأزمة السودانية ظلت كما هى، إن أهل سيناء عرب أمجاد وجزء لا يتجزأ من شعب مصر، تسرى فيه الحمية الوطنية التى عندما تثور فلا يكون هناك داع لدبابات ومدافع، لأن القضية بين أخوين، وقد أكرمنا الله تعالى ووحدنا بالإسلام، ولماذا لا نعود إلى تاريخنا القديم فى معالجة هذه المشاكل التى وضعت على بن أبى طالب فى مواجهة الخوارج؟ وأنه مع أنهم خرجوا عليه بسيوفهم وحرموه انتصار «صفين»، فإنه قال لهم إنه لا يحرمهم من غشيان المساجد، وأخذ العطاء، ولا يمسهم بسوء، وعندما قتلوا أحد أفراد جيشه وطالبهم بالقاتل..
قالوا: كلنا قتله، فسار إليهم لكنه قبل أن يقاتلهم خطبهم خطبة بليغة تراجع على إثرها نصف الجيش وهزم النصف الثانى، أو كما فعل عمر بن عبدالعزيز تجاه أحد الخوارج عليه، إذ كتب إليه «علمت أنك تقول إنك خرجت غيرة على الله والرسول، ولست أنا أقل غيرة على الله والرسول منك، فتعال نتدارس ويسلم أحدنا للمنتصر»، فلما جاء الخطاب لهذا الخارجى أرسل اثنين من أكثر الخارجيين بلاغة وناقشهما عمر بن عبدالعزيز حتى ألجمهم الحجة، فاعترفا بأنهما لن يحاربا أحداً ما ظل حياً.
وليست هذه إلا أمثلة تنم عن رغبة أولى أمر المسلمين فى الحرص على وحدة الصف والحذر من سفك الدماء، وضم كل المسلمين باعتبارهم أمة محمد، فهذا الأسلوب أكثر فاعلية من المدافع والدبابات والاغترار بالقوة العسكرية، وتعليق الأمل على السلاح.
ولماذا لا يذهب رئيس الجمهورية ويقول لهم إننى جئت لأتعرف على مطالبكم الحقة ونحققها لكم، فهذا حقكم، كما هو واجب علىَّ، فلو أن الرئيس تحدث إليهم بمثل هذا الأسلوب لسقطت النوايا الخبيثة والمكائد الإسرائيلية، ولم يبق إلا الود والصفاء.
وهل فاته خبر المسلمين فى غزوة هوازن وقد ساءهم أن قسم الرسول الغنيمة على أهل هوازن المهزومين، فداخل نفوس الأنصار شىء، فقال لهم الرسول: «ألا يسركم أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتخرجوا برسول الله معكم».. فبكوا، وقالوا: «بلى يا رسول الله».
فإذا كان الإخوان المسلمون فى الحكم فليراجعوا تاريخهم الإسلامى، وأن يتبعوه بدلاً من أن تضللهم الطرق والبورجوازية والمؤتمرات والاتفاقيات... إلخ.