شفيق أهه
جمال البنا
الحوار المتمدن
-
العدد: 3750 - 2012 / 6 / 6 - 09:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رأيت فيما يرى النائم أن الفريق شفيق عاد إلى صدارة المسرح السياسى وأصبح المرشح ليكون رئيساً لجمهورية مصر، «وقرصت نفسى لأتأكد هل هو حلم أم علم»، لأنه من غير المعقول أن نكون اليوم ما كناه بالأمس الذى خلع فيه الرئيس المخلوع.. خلعت رئاسة الوزارة على شفيق، فهبت الجماهير فى ميدان التحرير فيما يشبه الزئير حتى هرع هارباً، لهذا فأين الحقيقة وأين الخيال؟
مستحيل بالطبع أن يكون الزمان قد وقف بنا عند آخر أيام الحاكم المخلوع، لأن هذا يعنى أنه لم تكن هناك ثورة.. ولا شهداء.. ولا جمعات مليونية.. ولا تغييرات فى المجلس الذى لم يعد سيد قراره، ولا فى الرئاسة التى زج بها فى السجون، ولم تحدث جمهورية ثانية، وهذا بالطبع أمر لم يحدث. الذى حدث هو ثورة قام بها الشباب وأنهوا بها الجمهورية الأولى، وبدأوا الجمهورية الثانية وحدثت تغييرات جسيمة فى كل ناحية، إذن هناك ثورة، وفى الوقت نفسه هناك الفريق شفيق يقول «أنا أهه»، وهذا الذى يمكن أن يؤدى إلى الجنون.
إن سلسلة من الأخطاء الجسيمة بدأت من تعديل مواد دستور ٧١، وانتخابات مارس المشؤومة، واستبعاد وضع دستور، ومن هذا الخطأ الفاحش نشأت سلسلة من الأخطاء كل واحدة تدخل فى الأخرى، حتى أصبحت جبلاً عالياً يسد الطريق نحو الإصلاح، ويؤدى إلى ظهور هذه الفضيحة.. فضيحة ترشيح الفريق شفيق، فهى خاتمة الخطيئات، والنتيجة التى ما كان يتصورها أحد.
والأنكى من ذلك كله أن يقولوا ماذا نفعل؟ ومن نختار؟
ماذا تفعل يا رجل؟
هل تقارن هذا المرشح بمرشح الإخوان المسلمين؟
الإخوان المسلمون هيئة شعبية ظهرت منذ ثمانين عاماً فى ريف مصر وامتدت حتى غطت البلاد من أولها إلى آخرها، قام بها رجل من عامة الشعب، لكنه كان يتمنى أن يدرس للأطفال فى الصباح، وأن يعلم آباء هؤلاء الأطفال فى المساء.. هذا هو حسن البنا الذى ظل يفعل هذا عملياً حتى أصبح الإخوان المسلمون فى وضع لا يسعون فيه للحكم.. ولكن الحكم هو الذى يسعى إليهم، كما قال حسن البنا فى (جريدة المصور، عدد ١١١٦، سنة ١٩٤٦م):
عندما سئل: هل يسعى الإخوان المسلمون لتولى الحكم؟
وما هو يا ترى برنامجهم السياسى والاجتماعى؟
وما هو موقفهم من الأحزاب السياسية والمطالب القومية؟
فقال: «الإخوان المسلمون لا يسعون لتولى الحكم، ولا يجعلون هذا مقصداً من مقاصدهم، لأن مهمتهم التى حددوها لأنفسهم هى إيضاح مبادئ عليا، وطبع النفوس على هذه المبادئ، فمهمتهم الأولى تربية الشعب.. لا تولّى الحكم.. ولكن النتيجة الدستورية لهذا الموقف أنه إذا انتشرت هذه المبادئ واجتمع الناس عليها، وصار المؤمنون بها أغلبيـة.. أفضى الحكم إلى من يعملون لها ويمثلونها.. فنحن لا نسعى للحكم، ولكن هو الذى يسعى إلينا.. فيما نعتقد».
وحينما سأله مندوب المصور عن برنامجه قال:
«أما إذا أسند الحكم إلى الإخوان، فإنهم يعملون من الوجهة السياسية على تطعيم أساليبه بالروح الكريم الذى أساغه الإسلام بين الحاكم والمحكوم من الثقة التى أساسها العدل والرعاية فى الأول، والنصح والطمأنينة فى الثانى، مع السعى بكل الوسائل فى تحرير البلاد من كل سلطان أجنبى.
ومن الوجهة الاجتماعية يعملون على تحقيق مبادئ الإسلام فى المجتمع.. تلك المبادئ التى قوامها الوحدة، والعدالة الاجتماعية، والتقريب بين الطبقات، وإتاحة الفرص للجميع ليعيشوا عيشة راضية، والتكافل الاجتماعى الذى يجعل من المجتمع وحدة فى الشعور والمظاهر والآلام والآمال والسراء والضراء ومحاربة الضعف الخلقى والفقر والجهل والمرض» (انتهى).
صحيح أن الإخوان المسلمين لم ينهضوا بهذه الرسالة، لأنه حيل بينهم وبين الحكم بمختلف الوسائل، وظل هذا من سنة ١٩٤٦م حتى اليوم، حتى فى فترة عبدالناصر الذى لم يكن غريباً عن الإخوان، وقام بتدريب الفدائيين إلى فلسطين، وقبل أن يقوم بحركته طلب معونة الإخوان فى حراسة الأمن الداخلى والتصدى لتدخل الإنجليز عن طريق السويس، كما قاموا بحراسة الكنائس والسفارات ليلة ٢٣ يوليو، مع هذا فإن عبدالناصر أوقع بهم لكى ينفرد بالحكم، وحدثت المآسى التى يشيب لهولها الولدان فى السجن الحربى على يد حمزة البسيونى وصلاح نصر وشمس بدران، وحتى عندما انتهى عهد عبدالناصر وجاء السادات الذى كان له صلة بالإخوان المسلمين، وتردد على المرشد أيام نشاطه فى قضية أمين عثمان، وعندما فصل من الجيش، رتب الأستاذ البنا معونة شهرية قدرها عشرة جنيهات كانت ترسل إليه فحلت أزمته - حتى هذا فإنه أيضاً خشى على سلطانه من الإخوان فلم يمنحهم حريتهم، ثم جاء مبارك، وهو المحروم من الذكاء، فأراح نفسه بأن استمر فى سياسة الإقصاء الذى دبرها السادات فى الفترة الأخيرة من حياته.
وهكذا فإن هذه الهيئة الشعبية الكبيرة لم تقرب الحكم حتى نحكم عليها.. أصابت أم أخطأت؟ وفى جميع الحالات يصبح هذا مجرد احتمال لا يمكن أن يقارن بالخطيئات التى هى كالجبال التى ارتكبها رؤساء مصر فى حق شعبهم.
من هذا يُفهم أن المنافسة بين الدكتور محمد مرسى، مرشح الإخوان، والفريق شفيق، ممثل مبارك، لا يمكن أن يكون فيها قياس، لأن الإخوان لم يلوا الحكم حتى يرتكبوا الموبقات، ومن حقهم الاستفادة من هذا الواقع، ولا يتصور أحد أن يقف أبناء ثورة ٢٥ يناير فى مصلحة ممثل مبارك الذى ثاروا عليه وأنهوا عهده.
قد يقال: أليس هناك بديل ثالث؟ فنقول بلى.. هناك وهو المجلس الرئاسى الذى يضم مجموعة من الشخصيات التى ظهرت وطنيتها وإخلاصها وتفانيها برئاسة الدكتور البرادعى.. وهو الرجل المؤهل أكثر من غيره لرئاسة الجمهورية.
ومن المؤسف أن الإخوان رفضوا هذا الحل، وهى علامة استفهام يكون على الإخوان أن يقدموا مبررات ذلك.
هناك ثالثاً المقاطعة.. فلا يذهب المواطنون للإدلاء بأصواتهم حتى لا يحملوا أنفسهم مسؤولية المشاركة فى الخيار ما بين السيئ والأسوأ، ولكن هذا الموقف سيصب فى خانة ممثل مبارك لأن الأصوات التى ينالها هى فى الحقيقة أصوات أصحاب المصالح، وهؤلاء لن يقاطعوا.. بل سيحرصون على المشاركة.. وبهذه الطريقة تكون المقاطعة فى غير صالح الإخوان.
هناك أخيراً الثورة الثانية أو مواصلة الثورة التى قطعت من أصولها وانحرفت عن طريقها، وعندما تظهر مستقبلاً من نقطة الصفر وتسير المسيرة الطبيعية: «المجلس الرئاسى الذى يحكم بأحكام الشرعية الثورية، وهى أصدق من الشرعية الدستورية، لأنها مباشرة ومن الشعب نفسه، ثم وضع الدستور ثم انتخاب المجلس وأخيراً انتخاب الرئيس».