في نقد نقاد مهدي عامل
عمار ديوب
الحوار المتمدن
-
العدد: 2775 - 2009 / 9 / 20 - 02:35
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
ردّ الأستاذ خليل عيسى، بمقالٍ نقدي يحمل عنوان " ردّاً على ناهض حتّر: الماركسية كدراسة للاقتصاد السياسي!"، على مقال الأستاذ ناهض حتر" مشرق العصبيات"، مدعياً أنّ حتّر يناقش تحديداً أفكار مهدي عامل على صفحات جريدة الأخبار. ولكن عيسى، لا يوافق حتّر ولا عامل، ويستخدم، مفهوم"دراسة الاقتصاد السياسي في المنطقة العربية كما هو ودون أيّة طوباوية مسبقة" أي دون مفاهيم مهدي الماركسية، لأنها مفاهيم" مثالية فكرية". وبذلك ينتقد عيسى مثالية مهدي التي يراها" انموذج ماركسي اورو مركزي" متجاهلاً أن مفهوم الاقتصاد السياسي الذي يستخدمه عيسى هو ذاته مفهوم أوربي..! ويتابع عيسى فيقول" إن الحل لن يكون بالانتقال من ماركسية مثالية عاملية إلى نبش نظريات عنصرية إستشراقية تؤبد الوضع القائم ولا تقدم أي فهم لما يحصل" وطبعاً يشمل رؤية مهدي وناهض معاً. وهنا نقول؛ أولاً الماركسية ليست فقط دراسة الاقتصاد السياسي، بل هي منهج ورؤية فلسفية وعلم وحزب سياسي، وهي القوانين الاقتصادية المستخرجة من دراسة النظام الرأسمالي العالمي، منذ نشأته، وجاءت دراسة لينين عن الامبريالية وما تم لاحقاً في هذا العلم، لاستكمال ما قام به ماركس، وبذلك تكونت النظرية الاقتصادية الماركسية عن النظام الرأسمالي العالمي.
وثانياً، يؤكد مهدي، وبناء على هذه النظرية، أنّ الرأسمالية الامبريالية مرّت بطورين: طور الصعود حتى 1850 وطور الأزمة بدءاً من التاريخ السابق وحتى الآن. وأنّ هذه الامبريالية هي من أدخلنا في التاريخ الحديث، وبسيطرتها العالمية على بلداننا نشأت التبعية التي تميز بلداننا العربية، وهذه التبعية هي علاقة بنيوية مع الرأسمالية العالمية المسيطرة، فلهم السيطرة ولنا التبعية في علاقة بنيوية مستمرة، ولا يمكن كسرها، إلا بثورة اشتراكية من خارج النظام الرأسمالي، ويمكن أن تسبقها ثورة ديموقراطية وطنية كمرحلة انتقالية، هذه هي فكرة مهدي. وبالتالي كل محاولة لفهم اقتصادنا السياسي، الذي هو اقتصاد هذه البرجوازية الكولونيالية، خارج النظام الرأسمالي العالمي تأخذ صاحبها نحو مفهوم الخصوصية، وبذلك يلتقي عيسى مع حتّر، فأين تكمن مثالية مهدي؟
أما تعريف عيسى للطائفية كما فهمها عن مهدي، فهو تعريف خاطئ، إذ يقول عيسى" الطائفية مجرد أداة لتقسيم " البروليتاريا". إنها عاملياً "هي الشكل السياسي للنظام البرجوازي؛ الذي يؤمن بديمومته السيطرة الطبقية للبرجوازية ويعيد إنتاجها بصورة مستمرة، وعبرها تخوض البرجوازية اللبنانية صراعها الطبقي ضد الحزب الشيوعي والقوى العلمانية، وبذلك تكتسب تلك الطبقات وعياً طائفياً يتناقض مع موقعها الطبقي في الصراع. وبالتالي لا يجوز إبتسار مفاهيم مهدي بهذه الطريقة، عدا عن كتابة مهدي عدة مؤلفات لتفسير هذه الظاهرة المعقدة.
ثم يؤكد عيسى ماركسيات أخرى، ونحن نقر معه بذلك تماماً، ويسرد تعريفها للطائفية، وهو تعريف الدكتور ضاهر مسعود، الذي فند مهدي أطروحته منذ أكثر من عشرين عام، وبالتالي السؤال: ما الفائدة من هكذا استبدال، ضاهر بمهدي؟ ما دام نص عيسى لا يقدم جديداً يتجاوز به نص مهدي ونص مسعود؟!
ثم يزعم أن مهديا يقول أن" البورجوازية من غير الممكن أن تكون ...إلا علمانية" ولم أعرف من أين أتى بهذا التعريف، فمهدي، يقول: إن برجوازيتنا الكولونيالية لا يمكن أن تكون علمانية، وأن أزمتها تتحدد في كونها تبني دولتها كدولة طائفية، وهذا ما يسمى بتناقضها المأزقي، وبالتالي لا يمكن أنّ توجد، بدون أن تكون طائفية، وما دامت طائفية، فهي لا تستطيع أن تكون كالبرجوازية الأوربية العلمانية.
ويقترح الأستاذ خليل منهجين، وليس واحداً لتفسير بنية مجتمعاتنا العربية، أولهما الماركسية كدراسة للاقتصاد السياسي، وسأقول كدراسة للبينة الكولونيالية. ثم يقول ب" أدوات علم الاجتماع الحديث أي ماكس فيبر ومجموعاته الاجتماعية" وهو بذلك يستخدم منهجيتين، واحدة جزئية لماكس فيبر حيث تدرس الظواهر بشكل منفصل عن غيرها، والثانية كلية تدرس الظواهر بترابطها. والمشكلة أنّ الفيبرية تثبت النظام الرأسمالي والماركسية تفسر وتسعى لتغيير هذا النظام. وبالتالي جمع عيسى المجد من قطبين، الثبات والتغير بآن واحد..!
أما الأستاذ حتر، فهو ينقل مفاهيم مهدي، من التحليل النظري إلى التحليل السياسي. حيث أن مهدي، أنتج، في كتابيه "التناقض ونمط الإنتاج الكولونيالي" تفسيراً للبنية الكولونيالية قبل الحرب الأهلية اللبنانية، وعلى تلك الكتب النظرية تستند "كتاباته اللامعة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات" ثم يشير ويختصر مفاهيم مهدي بطريقة متسرعة، فيقول إنّه اكتشف فيها " المخبوء السياسي" وهو" إمكانية استيلاء قوة صغيرة على السلطة وقتاً كافياً لحدوث التدخل السوفياتي" أعتقد أنّ تنظير مهدي لآلية الصراع الطبقي في لبنان، يتجاوز ذلك الفهم تماماً، فهذا تفسير سياسوي محض، حيث إن مهدي يشير لتعقيد كبير في آليات وحركة الصراع الطبقي، شرحها في كتابه التناقض، ويشير في كل نصوصه، إلى مفهوم التحالف الطبقي، وان موقع الحزب هو بمقدار تطوير ممارساته ديموقراطياً ضمن التحالف الطبقي الثوري، وهذا موجود حتى في آخر مقالة له "الثقافة والثورة"، ويتم ذلك في إطار الصراع الطبقي ضد الكولونيالية والإمبريالية للوصول إلى التحرر الوطني والطبقي.
ثم يفسر لنا حتّر الحرب الأهلية في لبنان ب" العصبيات الطائفية" وهي هي برأيه " كما كانت منذ قرون" فهل يعقل هذا، حتى الكائنات الطبيعة يحدث فيها التكيف والتحول..! ثم عن أية طائفية يتم الكلام منذ قرون. يبدو انه يخلط بين المذاهب الدينية القديمة وبين الطائفية الحديثة كنظام سياسي تستخدمه الطبقات البرجوازية اللبنانية. ثم ألّا يتجاهل الأستاذ حتر دور الاستعمار الفرنسي في بناء لبنان الطائفي لبنة لبنة، كدولة طائفية منذ عشرينيات القرن الماضي، وكي يبرر فكرته تلك، يحوّل الحركة الوطنية اللبنانية إلى "عصبيات طائفية، ومساوياً إياها مع فاشية الجبهة "الوطنية" آنذاك.
ولأنّه يتبنى العصبية القادمة من عصر القبيلة، لا بد له، من الخروج من التاريخ الحديث، حيث يقول" العرب مازالوا خارج التاريخ الحديث، وتالياً خارج الماركسية" ونحن نسأل، ألّا يعني هذا تبريراً كاملاً لدور الرأسمالية الامبريالية في التبعية العربية. ثم أنّ، منطقه هذا، يتجاهل أنّ العرب قد دخلوا التاريخ الحديث حين دخل النظام الرأسمالي العالمي بطور أزمته، وأراد الخروج من ذلك عبر استعمار البلدان المتأخرة، وبذلك أصبحت البرجوازية العربية مخصية عن التطور الطبيعي، وتتطوّر كولونيالياً فقط، أي أن طور صعودها هو هو طور أزمتها. إذن، البنية الكولونيالية هذه، هي ما يسمح بتجدد البنى ما قبل الحديثة ومنها الطائفية أو العشائرية والقبلية والمناطقية.
هناك أفكار كثيرة لدى كل من عيسى وحتر، ولكننا لا نستطيع استعراضها بالنقد والتحليل ضمن مقال مخصص كرد مفاهيمي على بعض الأفكار.