الوحدة خير من جليس السوء
عفراء الحريري
الحوار المتمدن
-
العدد: 2729 - 2009 / 8 / 5 - 09:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بسم الله الرحمن الرحيم
الوحدة خير من جليس السوء
كنت في فترة زمنية شبه بعيدة أقرأ بنهم معظم الصحف التي فرض عليها منع الصدور وكذلك التي لم يفرض عليها المنع إلى أن أصبت بالإحباط ، لتشابه الأخبار وتكرارها ، ونظراً لحالة الإحباط التي أصبت بها توقفت عن القراءة ، مثلما توقف كل شيء عندي " النشاط المجتمعي ، وممارسة الهوايات ، والاختلاط بالناس وتبادل الأحاديث مع الصديقات " ومللت الندوات وحلقات النقاش والتدريب والتأهيل وكل برامج التوعية والتثقيف ، حتى تقديم الاستشارة القانونية للناس مجاناً مباشرة أو عبر الهاتف مللتها ، باختصار اعتزلت كل شيء ، لأن كل شيء ثابت كما هو بلا تغيير/ كل شيء يكرر ذاته ويتكرر ويستنسخ / نفس الكلام ، البرامج ، المواضيع .. لاشيء جديد أو متجدد ، ومرت أيام طويلة على ذلك الحال فحدثتني نفسي لنفسي :" لماذا لا أبدأ في البحث عما تغير من خلال الصحف ؟ لعلني أجد أمر يبعث على الأمل ! لأستأنف حياتي بالتدريج فبدأت بقراءة الصحف مفرقة رسمية ، حزبية ، مستقلة ، صفراء فلم أجد أي شيء جديد / وضع قاتم أسود في الصحف غير الرسمية ، ووضع فاتح وردي في الصحف الرسمية / هناك حيث الأسود وضع مغلق ، موصد ، مطبق ، موثق ، مختنق ، محترق ، منفتق ، مزهق ، مسحوق ، مذبوح ، مقتول...الخ وهناك حيث الوردي ، تنمية ، مشاريع " بناء ، طرق ، تشجير" خطط ، إستراتيجية ، عدالة ، مساواة ، تعددية ، ديمقراطية ، افتتاح ، حرية ، حجر أساس ، لقاءات ، استقبال لجان ، مجالس.. الخ وفي الصفراء شتم ، سب ، قذف ، بلاء ، دعاوي ، تكفير... الخ ، وجدت الصحف غير الرسمية تشبه نفسها ، والرسمية تكرر نفسها ، والصفراء تستنسخ نفسها ؟! وكعادتي أحببت أن أعرف بنفسي أي الألوان هو الأقرب للحقيقة ودون أن يكون وضعي – كمواطنة درجة خمسين ضمن تلك الأوضاع - كي أقطع الشك باليقين لعلني أستطيع التخلص من تعاستي وإحباطي – خرجت من عزلتي.
بالفعل هناك طرق وإنارة ومدن جديدة ، ولكنها خالية من ملامحها ، هناك برامج توعية وتثقيف عن كل شيء وفي كل شيء ولكنها تدور في نفس الساقية وتغزل نفس المنول بلا أثر ولا تترك بصمة لمحاولة التغيير، أو تجعلنا نلتمس أثر نستطيع قياسه لمعرفة ما حدث من تغيير في وعي المجتمع ، وبالمقابل وجدت أجساد بلا روح تعيش لأنه مقدر لها أن تعيش فقط " للأكل والشرب ومضغ القات أوفي البحث عنه وللثرثرة عن غيرها، وللاستماع ومشاهدة الفضائيات " المسلسلات التركية و الأغاني الهابطة ، الأفلام الهندية أو بعض البرامج الدينية التي في معظم الأحيان تتعارض في فتاويها " وأجساد أخرى لا تشاهد ولا تسمع لأن كل شيء ملذة والملذات حرام ، ثم سألت شرائح وفئات مختلفة من أولئك الذين مع الصحف الرسمية والصفراء والصحف غير الرسمية / لم أجد إجابات مختلفة ، جميعهم يشكون ، يتذمرون ، فبعضهم يرددون نريد أن نعيش ، البعض الأخر يرددون بتفويض أمرهم لله ، والبعض يتعشمون بأنهم سينفصلون والبعض يخشون التعليق والإجابة والبعض يظن بأن السؤال وارد عن جهة أمنية فأن أجاب سيتم اعتقاله ....لم أجد أحد يبتسم من صميم قلبه ، لم أجد أحد يتحدث عن الفرح والأمل من خلال رحمة ربي ، حتى حفلات العرس لا تختلف عن مأتم العزاء .. كل شيء يتشابه وله نفس الملامح ..
تعجبت لتلك الأفواه المشدوهة /فوق وجوه تعيسة تتصنع الابتسامة والضحك وكأنها مجبورة عليه / لأجساد متعبه ، منهكة ، تعجبت إذ أنها تتنكر لقيمتها العميقة الراقية باعتبارها أجساد إنسان – ذلك المخلوق الذي فضله الخالق عن سائر مخلوقاته – " عداوة غريبة للمواطن مع كينونته وقيمته وإنسانيته " لم أجد أحداً يريد أن يقول ما يريد أن يقوله بصدق وأمانه وبدون خوف أو نكران أو تذمر أو غضب وسب وقذف / لم أجد أمل في الأقوال / ولم أجد فعلا للآمال ... وكم أحسست بأننا نظلم أنفسنا حين نتشبت بحقوق الإنسان والدفاع عنها في وطن لم يعد للفرح وللخير وللصدق وللرحمة وللتسامح ...ولكل القيم الإنسانية فيه معنى إلا في أفئدة قليلة ستندثر مع الوقت فكل لا يرى سوى ذاته حتى وأن كان من الظالمين فتذكرت حكمة تقول : الوحدة خير من جليس السوء وقوله تعالى : " ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " .
المحامية / عفراء الحريري