سيرة إغتيال وطن
عفراء الحريري
الحوار المتمدن
-
العدد: 2680 - 2009 / 6 / 17 - 08:10
المحور:
الادب والفن
إلى وطني المفقود ، مازلت في قلبي ....وأحبك
يئن الوطن بتخمة من أوجاع الجراح وألم مخاض بجنين معوق جسديا وعقليا ولادة متعسرة وقيصرية لا تبشر بأي خير ونماء ، وأدت الديمقراطية في مهدها بقتل حرية التعبير ونحر الكلمة نحرا حرام ...وماذا بعد ؟ في الأفق كل شيء لونه أسود ، لا يستطيع محلل سياسي أن يحلل وضع ما يحدث لان كل قراءة تعتمد على التاريخ وتاريخ هذا الوطن دائما أحمر ملطخ بدم سفحه المنتصر حصاد من أجساد ضحايا في الغالب هم أبرياء ، لذلك لم نعد نعرف الحقيقة ، لدينا أجيال لا تفقه شيء عن وطنها وأبطاله وشهدائه الحقيقيين وأعدائه وخونته من أي عام ؟ وفي أي عام ؟ من أي حرب ؟ أو أية مؤامرة ؟ أو أي صراع ؟ حتى هؤلاء يحددهم المنتصر وكل من يستطيع كتابة تاريخ هذا الوطن ؟! ففي كتاب ما تجد الأبطال آخرين ومثلهم الشهداء وفي صفحات كتاب أخر تجدهم آخرين ...؟ وهكذا تستمع إلى الغير في النقاش والجدل ، حتى وأنت تنصت جيدا وتقرأ بشغف تلتمس التشوهات على السطور بين السطور ، كم مرة أصاب بالغثيان من تلك المتناقضات ، التشوهات ومعظمه سفه و إسفاف وحين تنظر إلى واقع الحال وتستمع تدرك أن الكذب بلا حدود ، وأن كل ما قرأته قبل ميلادك في التاريخ وتقرأه بعد ميلادك مزيفا ، لان المنتصر لم يترك للآخر مهزوما أو غير مهزوم مساحة حرة في الصفحات ليكتب عن حقائق مخفية كلاهما عاشا فيها لحظة بلحظة ؟ والمحايد المؤرخ ينتظر كي يؤرخ رحيل المنتصر أو يرحل ليكتب في منفاه وحين تقرأ لكليهما وتذهب لتستمع تجد أمورا أخرى بين مؤيدا ومعارض ...و هكذا ؟ هكذا تولد أجيال لا تستوعب تاريخ شعب تنتمي إليه؟ تجد أناسا يجعلون من الحاكم إلاها ؟ ومن الشهداء أسطورة مجدا لبطولات وهمية لأناس لطخت أيديهم بدماء الإخوة والرفاق ؟ ومن الأبطال خونة وعملاء ومرتزقة ؟ ومن الخونة أبطالا ونبلاء ؟ ومن القتلة شهداء ..؟ وبين كل هؤلاء لا أحد يتذكر ضحايا وأبرياء ومغدورا بهم وآخرين منهوبا ملكهم وآخرين مسلوبا حقهم وآخرين منهم يفرزون حسب وثيقة الهوية ومنهم يصنفون وفق الأصل والنسب والطبقة وحديثا وفق العلاقة بالحراك وإن فاق الظلم يصبح هناك الكفرة وعصاة ولي الأمر...؟ قبيح ُ هو وجه هذا التاريخ المفعم بالكذب ؟؟ وجميعنا حاصل جمعنا وتجمعنا هذا الوطن .. وإن أخذت درسا في الجغرافيا لجهات الأرض الأربع شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا – وأخص هنا جهتي الشمال والجنوب – فأنت مفصولا من خارطة الوطن حتى وأنت تدرك بأن لكل جهة تاريخها وبيئتها ومناخها وتضاريسها وحدودها كما كنت تدرس في منهج الجغرافيا وربما تتخصص فيه / ثم يسألونك عما هو الجنوب ؟ ولحقت الجغرافيا بالتاريخ ....؟ فكيف بالله يمكن أن تكون ملامح هذا الوطن ؟؟ وحين تعرج لقراءة كتب الوطنية تنفى خارج وطنك وربما تحشر في قبو داخل الوطن بلا بسملة ، لأنك ستبحث عن الدولة بعيدا في إطار وطنك متى ما سيطر عليك الفضول ، دولة لا تمتلك مقومات الدول قال عنها البردوني " طيب الله ثراه" :( لنا عشرين سنة ونحن نبني الدولة ) إلى اللحظة أين هي الدولة ؟ هوية النظام ؟ سيادة القانون ؟ معالم السلطات واستقلالها وملكية الشعب لها وتداولها ؟ نزاهة الانتخابات إلى الحد المقبول على الأقل ؟ ديمقراطية الحكم ؟ حرية الرأي والتعبير؟ التجمعات السلمية ؟ قوة البنى التحتية وتوفر الخدمات واقتصاد قوي واحتياطي عملة ونفط لأعوام جحاف قادمة ؟ عدالة القضاء ؟ والمساواة في التقاضي ؟ رقابة جدية ومحاسبة فورية ؟ تنمية بلا فساد ومشاركة الجميع في التنمية ؟ ...وإلخ كل ذلك وغيره كما تعلمت مقومات دولة ..؟ أمعن النظر جيدا ...فأنك لاتجد دولة ! وربما راودتك نفسك بأن تقرأ أكثر لتقطع الشك باليقين في منظومة حقوق الإنسان ومواثيقها فتنتشي حين تجد اسم وطنك في قائمة الدول المصادقة والموقعة على معظمها فتنطلق أمالك البسيطة وأحلامك الصغيرة من هنا فتبدأ العمل بوثيرة عالية من النشاط في منظمات المجتمع المدني تناهض كل انتهاك يتعرض له الناس بغض النظر عن الجنس ، اللون ، الطبقة ..الخ وخاصة الانتهاكات التي تطول النساء والأطفال، وفي هذا فأنت تجرد من إنسانيتك وهويتك وأخلاقك وتحاصر بالاتهامات والظنون والأقاويل فتبدو كإبليس وسط ملائكة ؟؟ وطن الحضارات والأنبياء والملائكة / في ذيل قائمة الفقر والتنمية والفساد ومصادرة الحريات وانتهاك الحقوق والعنف وعمالة الأطفال والأمية وشحه الموارد المنهوبة والخصخصة المقلوبة وارتفاع نسبة الوفاة للأمهات أثناء الولادة و متوسط عمر الحياة والموت في ربيعه والتباهي بكثرة السجون والمعتقلات الرسمية وغير الرسمية فيه وتهريب الأطفال والنساء ...وهلمجرا / ياصاح لأتقول بأن الأوضاع في الوطن العربي مثل وضعك ؟ لا. فهناك طفيف من المتشابهات ولكن وضع وطنك أكثر سوء ، وحده اليمني مشرد على كل بقاع الأرض ، وحده اليمني ممتهن في كل مكان ومشكوك أمره حتى في الأوطان التي قالما تتشابه أوضاعها مع وضع وطنه ، هذه سيرة وطن يئن بأوجاعه وآلامه بترابه وجباله وبحاره وحيواناته وشجره وسحبه وسماءه وكل ما سخر للإنسان فيه ، وحيث تحتجز الحرية توأد الديمقراطية / حيث تنحر الكلمة تضيع المعرفة / حيث يزيف التاريخ تقتل الحقيقة / حيث لاجهات للأرض تستباح الحدود / حيث لاسيادة للنظام والقانون تنتهك الحقوق / حيث لامقومات للدولة يغيب البناء وتفقد التنمية وحيث تنكأ الدمامل يستشري التقيح وحين يحدث كل ذلك يغتال وطن وإنسان