|
رد الى: سلام طه - فارس كمال نظمي
- رد الى: سلام طه
|
العدد: 470774
|
فارس كمال نظمي
|
2013 / 5 / 9 - 20:34 التحكم: الكاتب-ة
|
أخي العزيز الأستاذ سلام طه: ها أنت تتيح لي فرصة توضيح ما قصدته بمفهوم -النزعة اليساروية الاجتماعية-. لقد دأبنا في علم النفس الاجتماعي على ملاحظة السلوك البشري وتوثيق سياقاته المتكررة لتتضح من خلال ذلك احتمالات سلوكية معينة تدفعنا لاتباع المنهجية العلمية لقياسها والتثبت من كونها مفاهيم أو ظواهر مستقرة وراسخة، أم كونها حالات سلوكية متذبذبة لا استقرار منتظم في تكرارها. وقد زعمتُ في تحليلي المنشور هذا أن ثمة نزوعاً عقلياً بشرياً يساروياً كامناً عبر التأريخ للانحياز إلى قيمتي العدل والحرية، وهو زعم أولي قائم على الملاحظة والافتراض، ولعل هناك ما يسنده من أدلة وبراهين نظرية ووثائقية غير قليلة. إلا أن إرساء أساس مؤكد لهذا الزعم أو هذا المفهوم المقترح، إنما يتطلب عملاً بحثياً ميدانياً شاقاً عبر الثقافات cross- cultural يمكن أن يضطلع به فريق أكاديمي متخصص، عبر سلسلة من التجارب المقننة لقياس الدافعية الكامنة خلف هذه النزعة، ووضع الفرضيات الكفيلة بالبرهنة على وجودها، فضلاً عن اكتشاف تغايراتها وتبايناتها في علاقتها ببقية خصائص الشخصية البشرية والعوامل الموقفية الاجتماعية. أما عن سؤالك حول: ((هل يحق لنا ان نعتبر ان جماهير الاحزاب العمالية والديمقراطية الاشتراكية والمصنفة تحت لواء يسار الوسط و الخضر والبيئة في المجتمعات المتقدمة في اوربا وكندا و دول المحيط الهادئ من طيف اليساروية التي ذهبت اليها في تحليلك ؟))، فأقول أن ما قصدته في النزعة اليساروية إنها بشرية معرفية ناجمة عن إدراك الظلم وراغبة بتفاديه حفظاً للذات وصيانةً لمصالحها وحقوقها، وبالتالي فإنها نزعة نفسية تتجاوز الإطار الايديولوجي أو الأخلاقوي التقليدي. فيمكن لهذه النزعة أن تظهر حتى لدى المتدينين والموسرين والكارهين للايديولوجية اليسارية. ولذلك فليس شرطاً أن الجمهور الذي ينتخب حزباً عمالياً معينا في دولة متقدمة أن يكون جمهوراً يساروياً بالمعنى الذي قصدته ما دام موقفه هذا نابعاً من حاجة ضيقة وقتية لا من وعي سياسي عميق. فالنزعة اليساروية الاجتماعية أوتت ثمارها في البلدان المتقدمة بمرور الزمن، إذ اضطر النظام الرأسمالي إلى رفع سقف الحرمان الاقتصادي إلى ما فوق الحاجات الأساسية للبشر، وكل ذلك بتأثير النضالات المشرفة للعمال والمثقفين على مدى مئات السنين. وهكذا نجد أن اللعبة الانتخابية لم تعد تتركز على المفاضلة بين أحزاب استغلالية وأحزاب اشتراكية بل بين وعود انتخابية ضيقة تتعلق بمكاسب فرعية يقدمها الحزب الفلاني لجمهوره (من قبيل قرض دراسي أو زيادة الرواتب التقاعدية...). ولكن ذلك ليس معناه أن النزعة اليساروية قد غابت أو انتهى مفعولها لدى الجماهير الغربية، بل يمكن القول أن طاقتها قد توزعت في ميادين فرعية عديدة بحكم الرفاه النسبي الذي تحقق في تلك المجتمعات. إلا إنها تبقى نزعة كامنة يمكن أن تستثار بواحد من أسلوبين: إما تحفيزها بواسطة اليسار السياسي الفاعل والمبدع، وإما إنها تستثار تلقائياً حين يشعر الناس أن ثمة خطر حقيقي يهدد المكاسب الاقتصادية والاجتماعية العقلانية التي حققوها عبر الأجيال وأصبحت إرثاً مجتمعياً لا يجوز المساس به من أي سلطة مهما كانت يمينية. ولذلك نجد أن ثمة حدوداً -مقدسة- لا يمكن لأعتى الأحزاب اليمينية في أوربا أن تتجاوزها في حالة فوزها بالانتخابات، أقصد بها حدود الضمانات الاجتماعية والصحية والتعليمية الأساسية، إذ تعجز عن تقويضها أو المساس الجوهري بها بالرغم من محاولاتها الثابتة لتقليلها أو الحد منها.
اليمين الرأسمالي يعلم أن ثمة نزوعاً يساروياً كامناً في الشخصية الاجتماعية، وليس أمامه إلا المناورة معه لترويضه وإيهامه وخداعه بمكاسب محدودة، ولكنه يعلم جيداً أن ليس بوسعه إنهاء هذا النزوع لا سيما بعد أن تحول إلى وعي سياسي ثابت في الثقافة السياسية اليومية للإنسان الغربي عامة. مرة أخرى، الإنسان يفكك أوهامه التي صنعها بنفسه، وليس ثمة إمكانية لأي تراجع عن هذا التقدم.
للاطلاع على الموضوع
والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
فارس كمال نظمي - كاتب وباحث عراقي - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: اليسار السياسي واليساروية الاجتماعية في العراق :عشر سنوات من جدلية العجز والأمل !. / فارس كمال نظمي
|
|
لارسال هذا
التعليق الى شبكات
التواصل الاجتماعية
الفيسبوك، التويتر ...... الخ
نرجو النقر أدناه
|
تعليقات
الفيسبوك
|
|
|
المزيد.....
-
غزة، بين رمزية النضال وسراب الإنجاز: هل يُفنى الشعب كي تُكتب
...
/ علاء عدنان عاشور
-
نحن الشرارة التي أضاءت العالم
/ علاء عدنان عاشور
-
نصف الطريق الآخر
/ ضياءالدين محمود عبدالرحيم
-
الكتابُ الصَّيْحَة (2) زرع الكيان في فلسطين وتوطين اللاجئين!
/ عبدالله عطوي الطوالبة
-
زمن الدم المؤجل — صرخة من تحت الركام
/ خالد خليل
-
فشل القمة العربية في بغداد وتحديات العمل العربي
/ ادهم ابراهيم
المزيد.....
-
مصورة تعيد إنشاء صور رحلات والدتها من التسعينيات..كيف كانت ا
...
-
منها الحصبة وجدري الماء..إليكم أمراض خطيرة تحمي اللقاحات منه
...
-
الأمم المتحدة: ما سمحت بدخوله اسرائيل إلى غزة قطرة في محيط
-
-يُراد كسرها-.. عمرو موسى يوجه تحذيرا بشأن العلاقة بين السعو
...
-
بعد تكثيف الهجوم.. مسؤولون: غارات إسرائيلية تقتل عشرات في من
...
-
مصادر تكشف مفاجأة بشأن تواصل إدارة ترامب مع قطر بخصوص الطائر
...
المزيد.....
|