أنا, أنا وأنت, أية علاقة؟

بوعبيد عبد اللطيف

الحوار المتمدن-العدد: 1945 - 2007 / 6 / 13 - 09:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

منذ مدة طويلة جدا وأنا أفكر أن أتناول بالكتابة هذا الموضوع, والطريقة التي سأشتغل عليها والتي يمكن أن تنجح في تقريب وجهة نظري في موضوع شائك كهذا, لكن مجموعة مختلفة من العوائق واجهتني ترتبط من جهة بطبيعة الموضوع نفسه ومن جهة ثانية بتنوع المادة المعرفية واختلاف المقاربات التي يمكن من خلالها تناول هذا الموضوع. مبحث الأنا هو في حد ذاته مبحثا للآخر, من كون هذا الآخر هو الذي يحدد لي مجموعة من البنيات الفكرية السابقة عن وجودي الجسدي في العالم- المعتقدات, القيم, التصورات الجماعية...- وأنا بدوري سأحددها من كوني آخرا لآخر, ومن كونه كذلك حاضرا في كل لحظة تفكير, بتقييمه المستمر لي ( الآخر هو الجحيم.. سارتر) و باستغلاله لفضاء مكاني مشترك سواء وهمي أو واقعي سواء خيالي أو حقيقي.
أنا, أعبر عن ذاتي المفكرة باستمرار في شيء ما, الراغبة باستمرار لشيء ما أو تحقيق شيء ما, ذاتي النرجسية, ذاتي الغيرية, ذاتي المتواجدة هنا والآن بجسدي وبميزاته الخارجية واحتلاله للمكان, وفي نفس الوقت بذاتي المتواجدة في بنية تفكيري-جماعية- بالانهمام والاهتمام بمواضيع مختلفة وأشياء متنوعة. عندما نتحدث عن الأنا, نتحدث بشكل أو بآخر عن من أكونه الآن في المكان والزمان, أي عن هويتي بمكونها الثقافي و الاجتماعي والنفسي والبيولوجي المحتلة لفضاء معين.
أنت, بكل بساطة هو ما لا أكونه أنا, أنت الآخر بالنسبة لي, المستقل بجسدك, المستقل بذاتك عن ذاتي, رغم كونك تقتسم معي بنيات فكرية وتصورية سابقة عنا التي تحدد هوية كل واحد منا عبر التربية أو التنشئة الاجتماعية أو عبر المعرفة الخارجية,أنت الذي تختلف أو تتفق أو تتصارع معي أو تجهلني تماما لكوني لا أقتسم معك فضاء تفكيرك أو مجالك الفيزيقي.
أنا وأنت, هم النحن, تربطنا علاقات تختلف حدتها ودرجة قوتها.
ـ أنا وأنت, علاقة الاشتراك: نقتسم أشياء عديدة, أهمها كوننا بشر ,لدينا بنية مورفولوجية أو بيولوجية واحدة متفاعلة في ذاتها ومتفاعلة مع غيرها, تركيب تشريحي واحد, نقتسم نزعات نفسية واحدة, نزعة الامتلاك نزعة النقص, نزعة الانتقام..., نقتسم ثنائية العالم والأشياء, خير- شر, ضعف- قوة ... ونقتسم مجالا كونيا واحدا- الكرة الأرضية- أنا وأنت أي نحن, نقتسم كذلك, مصيرا واحدا أو نهاية واحدة- الموت-.
ـ أنا وأنت, علاقة الاختلاف: نختلف في انتماءنا وفي مواهبنا, نختلف في استعداداتنا النفسية, في تراكم معرفتنا, نختلف في الإرث المادي والنفسي الذي يمتلكه كل واحد منا, نختلف في قدرتنا على التعبير, نختلف في ملكاتنا ودرجة ذكائنا, نختلف في هويتنا وفي قدراتنا البيولوجية, نختلف في اهتماماتنا نختلف في أشياء كثيرة جدا... نتيجة صراع أو توافق أو اختلال أو انتماء.
أنا وأنت, علاقة صراع: من بين العلاقات المحددة للنحن سواء على مستوى تاريخ هذا النحن أو على مستوى البنيات القائمة- الفكرية أو المادية- علاقة الصراع, وما دام تمثل الملكية والتفوق قائمين بالشكل الذي هما عليه, يبقى الصراع قائما بين أنا وأنت, محاولة إثبات الذات النجاح ,التفوق, امتلاك السلطة, الهيمنة, الامتلاك المادي, الذي يجعلنا نميز بين نوعين من الصراع, صراع تدميري للآخر من كونه عدوي لا يقتسم معي نفس نوع تصوري أو تمثلي أو قيمي, كما في مجال المعتقدات, أو لكونه يهددني على مستوى جسدي, هذا صراع إلغائي هناك صراع بنائي على الأقل يغيب الإلغاء الجسدي أو امتلاكه أو الإقصاء الفكري عبر عملية المنافسة.
ـ الحب كظاهرة علائقية بين أنا وأنت(النحن):
يعتبر الحب من بين أعقد العلاقات الممكنة بين (النحن), لسبب استعصائه على الضبط لأي تحليل, لحضور الثقافي والاجتماعي والنفسي والبيولوجي في أي عملية حب, مما يجعل أي إدراك لماهيته, تشظي (دولوز) مستمر لتحديده, أنا احبك أنت يعني أني أخاف أن أفقدك في كل لحظة, لأنني لست متأكدا أو غير قادر على تحقيق هيمنتي عليك, الحب ضعف, احبك يعني أنني أخاف عليك, الحب نقص, أحبك يعني كذلك أنك تملأ حيزا في تفكيري, الحب امتلاء, لكن أحبك يعني كذلك أنني أتألم أعاني وأتشوق,الحب لذة.
أنا أحبك أنت لا يعني أنني لن أضرك, الحب معاناة. تستقيم الرؤيا أحيانا لدي بكون أن الحب والكره وجهان لعملة واحدة, وبقدر ما أحب أنا أنت, بقدر ما أخفي كرهي لك, حب الطفل لأبيه لا يمنعه أن يراه ميتا في الحلم, في أي عملية حب كذلك تحظر العلاقات القائمة بين النحن, التوافق والاختلاف والصراع.

#بوعبيد_عبد_اللطيف (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات