أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بوعبيد عبد اللطيف - الموت: الوجود الذي لا ننتمي إليه














المزيد.....

الموت: الوجود الذي لا ننتمي إليه


بوعبيد عبد اللطيف

الحوار المتمدن-العدد: 1944 - 2007 / 6 / 12 - 12:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


استقبلت زبونة هذا الصباح في مقر عملي, كنت قد رأيتها من قبل,من عادتي أن أنسى أسماء الأشخاص الذين لا تربطني بهم صلة وطيدة, لكن لا أنسى أبدا وجوه الأفراد التي ناقشت مع أصحابها ولو لمرة واحدة فقط, أو تبادلنا كلمات معا, بعد دردشة صغيرة جدا, حول الجو الباريسي المتقلب وحملة الانتخابات وسعار المنتخبين, نقلت لي هذه الزبونة خبرا وبشكل مفاجئ, وهي تبتسم ابتسامة كئيبة, لا أنكر أنه أحدث لدي زلزالا داخليا, بأن الطبيب أخبرها أنه لم يتبقى لها من الوجود سوى أربعة أشهر بكثير, وهي للتو قادمة من عنده بعد معاينته لتحاليلها الأخيرة, امرأة في مقتبل العمر من هيئتها الخارجية تشع حيوية وحياة لو لم تتحدث لي عن حالتها لتوقعت لها عمرا مديدا. هنا بدا لي هذا الإشكال العريض الوجود والموت.
أول تجربة لي مع الموت ترجع لأيام الطفولة, أذكر ذلك اليوم جيدا كنا نتجه إلى المدرسة.. الساعة لم تتجاوز السادسة والنصف صباحا لأن الفترة الدراسية الصباحية كانت تبدأ على الساعة السابعة صباحا, مجموعة من التلاميذ كنا نعبر الشارع المؤدي إلى المدرسة أعيننا يكسوها بقايا نوم البارحة وأجسادنا لا زالت لم تفقد دفء أماكن نومها, كان أحدنا يقطع الشارع في اللحظة التي كانت سيارة تابعة لإحدى مؤسسات الدولة, تمر بسرعة مجنونة لم تسمح لنا برؤية الاصطدام الرهيب الذي سقط على إثره زميلنا على بعد أمتار منا, انتبهنا جميعا لبركة الدماء التي كان يعوم فيها جسده الصغير الذي ظل ينتفض لمدة دقائق ورأسه التي تهشمت و تطايرت أشلائها حتى ناصية الطريق, لم نستوعب الحدث إلا بعد مدة طويلة , ولم نعي أنه قبل لحظات فقط كان يعبر الشارع معنا وبعد دقائق وقبل وصول سيارة الإسعاف التي تأخرت لم يعد بيننا, وبين لحظة الحياة ولحظة الموت كان الانتقال وكان جثة هامدة. لماذا نموت؟ وأنا هنا أقصد الموت الفيزيقي. سؤال صعب جدا والإجابة عنه تستدعي إمكانات واحتمالات ومنافذ عدة, ترتبط بكل حالة موت خاصة, نموت لأن إرادة الحياة تنهزم أمام إرادة الموت فينا, لأن الموت مشفر في جيناتنا.(في حالة المرض أو الشيخوخة), نموت لأن عوامل خارجية تكسر ذلك الإيقاع البيولوجي فجأة الذي يكونه جسدنا( حادثة سير مثلا), نموت لأن الموت نتيجة حتمية للحياة بل الموت هو الحياة نفسها, لن نستطيع الإجابة عن هذا السؤال, لماذا نموت؟ مادمنا لا نعرف حدود إرادتنا في الموت ودرجة تغييب هذه الإرادة وحضورها في الموت, و هل الموت إرادة فعلا أم نحن مجبورين عليه؟, وهل هذا الصراع من أجل إنعاش الحياة من خلال التطور الطبي, واه وغير ذي قوة أمام إنعاش الموت من خلال التطور الصناعي والحربي؟ أم أننا نموت من أجل الموت نفسه لكي نعطي قيمة دفينة لهذه الحياة. تساءلت في لحظة ماذا لو كنت أنا السيدة التي رمت في وجهي بالخبر الزلزال, في لحظة حوار مغيب فيه الموت تماما. ماذا لو كنت هي؟ ورغم وعيي التام بموتي في كل لحظة لكن أن يصبح هذا الموت مؤكدا أي يلغي جميع المشاريع الذاتية المستقبلية ويجعلك بدون مستقبل هو الذي لا يمكن أن تستوعبه لذلك نغذي دائما حياتنا الحاضرة بوهم الأمل والتمني, بتغييب الموت واستبعاده خاصة على المستوى الشخصي كحادث لا يقع إلا للآخرين فقط كما حدد ذلك هايدغر,في كتابه الزمان والوجود, ولا نستحضر الموت إلا في حالات مرض شديد يصيبنا أو مرور من تجربة موت أحد الأقارب أو شخص نعرفه, لأن موته, البيولوجي ثم الرمزي ثم المادي, سيغيب عنا جسده ومشاركته لنا لحياتنا الخاصة التي قد ساهم فيها بشكل ما بنسج وجودها, فلذلك لا ندرك الموت إلا بسبب الغياب وليس بسبب الموت نفسه.
الموت هو النهاية, نهاية حياة بيولوجية خاصة لجسد خاص وتفاعله المادي في المكان , ونهاية استغلاله لفضاء مادي معين, إذا كانت الحياة تفرض وجودا نعييه بأجسادنا وعلى مستويات عدة فالموت بالنسبة لي هو ذلك الوجود الذي لا ننتمي له.



#بوعبيد_عبد_اللطيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاهد


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بوعبيد عبد اللطيف - الموت: الوجود الذي لا ننتمي إليه