أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام سري هلالي - عروبة مبتذلة















المزيد.....

عروبة مبتذلة


حسام سري هلالي

الحوار المتمدن-العدد: 591 - 2003 / 9 / 14 - 04:46
المحور: الادب والفن
    


 
ذات سماء أطل من بين أجرامها الشاردة عن النوم بدراً، سقى بشلال سناه الفضي أسقف المدينة المقاومة لغزوات الصحاري المحاصرة لبيوتها بجيوش العواصف الترابية الموسمية.. استقرت دارٌ على طرف شارع بدا سواده المستديم كليل سرمدي هو السبب في ازدهار هذا الحقل المنقب.. المنقب. كل حجراتها سكنت لسلطان صولجانه الشخير، وجميع نوافذها أغمضت بأجفانٍ مخملية. خلا غرفة المعيشة العاصفة بألوان تتعاقب على كسوة الجدران. تحديداً تحت المصباح المكمم بسكينة العتمة. خافتاً خالعاً عنه عباءة المساء. فوق الأريكة الوثيرة.. ارتمت جثة رجل شقت ملامحه أودية عليها.. لتبدو من قسماته علامات البداوة وقحط جمجمته المحاصرة بالـ(Big zero) .

يرقد متوسداً ساعديه، اللذين تكاسلا عن بذل أدنى جهد منذ نعومة مخالبه المقلمة. تمددت كرشه الرابية التي تنوء عن تطويقها الأثواب، حين اهتزت لتوسيع مدى الارتماء في أحضان السكينة والرفاه، بدت سناماً لإحدى تلك النوق التي كانت أحواض آباءه تعتليها في قوافل الشقاء المتنقل بين رحلتي الانقلابين الشامية واليمنية، قبل أن يقفزوا منها تاركين الحبل على الغارب، ليحطوا فوق المقاعد ممسكين دفة الدابة الميكانيكية متنقلين في إسراء ومعراج:

( From Camel to car !)

ساعتها.. كانت أنامله تتسكع بين أزرار الأقنية الفضائية، تلك الحائرة المحيرة.. لا هدف له غير إرضاء غريزة حب الاستطلاع لديه فاغراً عينيه قبالة زجاج صندوق الدنيا المعدني هذا...وإشباع غرائز أخرى!

تربعت فجأة أمامه مذيعة الأخبار، كدليلةٍ أصاب يقين نبأها الصدأ، لكثرة ما أشاعته وكررته من الكوارث والمصائب والمعارك، وكل ما يجلبه سوء الطالع وجاره الاصطناعي الذي ابتدع قمراً من غير منازل!! ركز شرر ناظريه حول مواطن الجمال في قصيدة الأنثى المنشورة في النشرة، توقفت الأصابع عن دعس الأزرار. جال به خياله المشفر في ( سرية معتادة ) ولما قاطعه تحول الشاشة لنقل التقرير الإخباري من الأراضي المحتلة (تـيـت) غير المحطة!

وله عند الأغاني النابحة- الفيديو (كُـليب) – وقفات متكررة، لا بعقل يفسر الكلمات، أو أذن تستسيغ اللحن، لا بل بعين تشتهي الأجساد.. تراقب انهماك تلك الثديات في الرقص على إيقاع القزح الآخذ في التريث والاستراحة ببيته تاركاً شياطيناً بشرية لا تحتاج للوسوسة قي صدورها المتزلزلة منها (X) أو الملتهبة (Y) .

بدأ الليل يتوغل في نخاع الوقت، لكنه ظل يحفز الساهرين على البقاء بحبوه المتباطئ عنوة. وكان بمسلكه ذاك يسنح للملل أن يتسلل مسترقاً الخطى ومتأثراً بالأثير فيتبخر، يمتطي شهيق الأعرابي دافعاً فكيه للتثاؤب، ثم يوسوس في صدره المشرع الأبواب بمنأى عن ضميره المكبل بالنعاس، دافعاً إياه إلى التغيير.. وتطبيق شرائع التلفزة على (سرير) الواقع، انتقلت العدوى إلى صندوق العجائب ليتقلب مزاجه فلا يهدأ على حال، فالمحال ليس رفرفة العنقاء أو فحيح الغول أو اليهودي الوفيّ.. لكن المحال حقاً هو أن يشتري هذا العربي من حقل أمواله النفطية شيئاً من العقل يزين به شماغه الإنجليزي الصنع وعقاله الأمريكي المصدر.

استعار الأعرابي شيئاً من فراسة الأجداد، ليرتمي إلى علمه الضئيل ما تجلبه الليالي حين تبلغ شبابها في هذا الوقت المنحرف عن انتصافاتها، فالأمر أشبه ببائعات الهوى، فهن لا يخرجن إلى معترك العمل إلا في الليل اللباس بخلع اللباس.

بدأ اللعاب يسيل على الأريكة.. ووتيرة القلب ترتفع في القرع على صدره المؤجر إبليسياً! أخذت الدماء تعدو بدلاً من الحصان المنبوذ وحيداً، تصهل في الشرايين والعروق الكولسترولية، حين صار التلفاز حلبةً ذات وسائد تستضيف اللعب الثقيل بلغت النشوة عند الأعرابي زباها. ومنظره يزداد في القبح لحظة بعد أختها.. دون تأخر جاء المنشود/ة ، تتبرج على ساقين تكاد خطاها أن تشح، وعلى النقيض هرب الحياء في الاتجاه المعاكس دون أن يصطدم بتأنيبة ضمير مباغتة. هروب الشجاعة من أفئدة العشيرة، فهو يعلم تمام العلم أنه لو حاول عرقلة عملية الهروب فإن الكيان الحيائي سوف يستل فيصلاً قاسماً لمن يعترض طريقه بما فيه الضمير الذي سيسقط بجزئيه المنفصلين مدرجاً في دماء زادت نكتها الدموية صواريخ أحمر الشفاه، ظالاً يسبح في بحره الأحمر المحاصر له هذا.. ليحال جزيرةً مهمشةً عن المشاهدين بما فيهم ممتطي الأريكة الغائب عن النخوة في هذا الوقت تعييناً.. يستطلع تقاسيم الأوجه المصكوكة في سوق سوداء القلب والقالب. إلى أن جاءه هاتف دون أن يرن: هذه هي الحداثة يا أخ العرب! أخذ بإنساني عينيه اللاإنسانيين يلتهم كل ما يلقاه من الأمواج الآدمية المتلاطمة، كأفخاذ الدجاج الهاربة من صياح بطنه الديكية. بين بساتين جنته المحرمة، أخذت المتصابية بعهر مرخص في بلاد البعيد، تستر عريها بأوراق توت الجنة الجهنمية.. رقعاً على ثوبٍ مخلوع آل إلى ما آل إليه العقل في جمجمة: ضادي اللسان. أخذت تداري سوءاتها التي بدت في تلفاز العروبة ( الحديثة ) حسنات! أحس بالحرمان وهو يبعد عن صندوق الغرائب مترين، وعن ما بداخل الصندوق آلافاً مؤلفة من الأمتار المستطيلة ككل شيء الآن! فبكى بدموع من دود القز.. صوبها نحو ذات الكساء التوتي، ثم أطلق الديدان كإطلاق رصاص بندقيته الصوتية.. تمنى لو حل محل ديدانه، لكنها ما أن استطاب لها المقام على الجسد الموطوء يومياً بالدبيب. حتى انهمكت في التهام الأوراق الخضراء منها واليابس. ومن بين الضحكات الهستيرية المبتذلة خرجت جذعاً عار الأغصان في منتصف خريف وهمي.. ابتعدت الديدان سانحة للأعرابي أن يسرح دون غنم في ( العراء )، وأما عن حريرها الذي تمخض عن الوليمة، فقد غطى به ذاك الكفن. ولما ترجل الفارس عن حصان شرفه، تاركاً إياه ليضع سيفه في غمده، كان ذلك بمثابة المسمار الأخير الذي يدق في تشيع جنازة الضمير المقتول نفياً في مجاهل النفس الموغلة في التوحش.. المملوكة لمملوك الشهوة هذا.. الذي بدت حقيقته عاريةً هي الأخرى كرفيقة ليلة عربي آخر الأزمان.
 

2003 جدة

 



#حسام_سري_هلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استسلام


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام سري هلالي - عروبة مبتذلة