|
الخامس من حزيران 1967
محمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 1939 - 2007 / 6 / 7 - 08:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1. لقد كان دافعي إلى كتابة هذه المقالة ، هو ماشاهدته وما سمعته على شاشة إحدى الفضائيات ، من أن العديد من أبناء وبنات الأمة العربية ، ولاسيما الجيل الجديد منهم ، باتوا لايعرفون ولا يذكرون شيئا عن ماهية هذا التاريخ ، الذي يعتبر التاريخ الأبرز والأهم في حياة أمتنا في العقود الستة الأخيرة . ولقد كنت حائرا ومترددا في : هل أكتب؟ وماذا أكتب ؟ ولمن أكتب ؟ . هل أقوم بسرد ماأعرف عن وقائع ومجريات أحداث الخامس من حزيران ، والتي أعرفها وعرفتها بحكم موقعي الحزبي والسياسي في تلك الفترة ، أم أكتفي بتحليل وتفسير الأسباب البعيد والقريبة الكامنة وراء هذه الهزيمة العسكرية والنكسة القومية ؟ . وقد رأيت أن وجودي في ديار الغربة لايعطيني الحق في أن أتعرض لبعض الوقائع المهمة والحسا سة ، التي لم يعد كثير من المعنيين فيها على قيد الحياة ولذلك فقد رأيت أن أعتمد الأسلوب الثاني ، رغم معرفتي في أن كلاً من المرسل والمتلقي هنا يمكن أن يظل يدور في فلك شلة أو ثلة من المثقفين ( الأفندية ) . 2. إن ماأرغب تثبيته هنا ، مباشرة ، هو أن السبب الرئيسي الكامن وراء عدم معرفة المواطنين العرب ، ولا سيما الأجيال الجديدة منهم ، لمضمون وأبعاد وماهية تاريخ الخامس من حزيران عام 1967 ، إنما هو تعمّد أنظمة الحكم العربية ، (التي بات عمرها الحالي يزيد عن نصف قرن من الزمان ) إخفاء هذا التاريخ المشؤوم عن عيون وآذان وأذهان مواطنيها ، ذلك أن حكام هذه الأنظمة المزمنين هم من عمل ، ومن ثم كرّس هذه الهزيمة ــ النكسة ، وهم الذين قاموا ويقومون منذ 1967 وحتى الساعة باستثمار نتائجها المأ ساوية لصالحهم وصالح أبنائهم وأسرهم الحاكمة ، وذلك بالتكامل والتوافق والتفاهم مع الدول الإستعمارية ـ الإمبريالية الكبرى ، وبالتالي مع الكيان الصهيوني نفسه ، حيث يمثل كره الطرفين لنظام الرئيس جمال عبد الناصر الوطني والتقدمي والعمل على إسقاطه ، القاسم المشترك في هذه العلاقة الثلاثية المشبوهة والمدانة ، ولا سيما بعد مقولته الشهيرة إثر قبوله الشكلي بالقرار 242 : " ماأُخذ بالقوة لايسترد بغير القوة " . ومن أغرب الأمور في هذا المجال ، هو إحجام قادة النظام السوري ، الذين احتلت " إسرائيل " عام 1967 جزءا استراتيجيا من وطنه ( هضبة الجولان ، وجبل الشيخ ) وضمته رسميا إلى كيانها الصهيوني 1981 ، عن إيراد أي شيء يذكّر المواطنين بهذا الإحتلال وبهذه الأرض ، سواء في خطبهم الرسمية أو في تصريحاتهم الصحفية المتواترة وذلك منذ عام 1967 وحتى هذه اللحظة ( اللهم إلاّ ماندر وعلى سبيل رفع العتب ) ، وهنا أيضا كأن المطلوب والمرغوب هو أن ينسى الناس أن لهم أرضا محتلة ، وأن عليهم مسؤولية تحريرها واستعادتها وأن مرور الزمن ( أربعون عاما حتى الآن ) كفيل بتحقيق هذا المطلب والمرغب العجيب الغريب ، بل والقابل لأكثر من إشارة استفهام !!! . 3. إن النكسة الحقيقية لم تكن ــ واقع الحال ــ هي هزيمة جيشي مصر وسورية أمام إسرائيل في حزيران عام 1967، ولا سيما أن إسرائيل كانت منذ قيامها عام 1948 وما تزال تحارب بالوكالة عن النظام الرأسمالي والإمبريالي العا لمي ، الذي كان يمدها دائما بكل مستلزمات الإنتصار على العرب ، وإنما النكسة الحقيقية كانت بضمور بل وموت إرادة الصمود والتصدي عند الأنظمة العربية عامة ، وأنظمة الهزيمة التي احتلت أراضيها ودمرت جيوشها خاصة ، والتي باتت تنطبق عليها حكاية " تيس عاهرة " الشعبية المعروفة ، تلك الأنظمة التي انطلقت جحافلها في الخامس من حزيران لكي تحرر فلسطين ، كل فلسطين ، من الإحتلال الإستيطاني الإسرائيلي ، وعادت إلينا بالقرار 242 الذي حصر القضية الفلسطينية بما سمي " إزالة آثار العدوان " والذي بات يعني عمليا ، خذوا فلسطين وأعيدوا إلينا الأراضي المصرية والسورية والأردنية التي احتلتها إسرائيل في حرب الخامس من حزيران 1967 ، والذي تمت ترجمته العربية لاحقا إلى " الأرض مقابل السلام " وتم توصيفه من المهزومين ومعهم كافة أنظمة جامعة الدول العربية بـ " السلام العادل والشامل " ، علماً أن كلمة الشامل هنا إنما تعني واقعيا الأراضي التي احتلتها إسرائيل من مصر وسورية والأردن عام 1967 حصرا بينما تعني كلمة العادل الإعتراف بإسرائيل والتطبيع الكامل معها ، وذلك على حساب المصالح والحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني في الداخل والخارج ( حوالي ثمانية ملايين نسمة )، بما فيها تلك التي كفلتها لهم قرارات الأمم المتحدة ، ولا سيما القراران 181 و 194 !! . 4. يعرف الكاتب في هذا المقام ، أن الكثير من أصابع الإتهام في هذه الهزيمة العسكرية والنكسة القومية تشير إلى جمال عبد الناصر ، وإلى قبوله بقرار مجلس الأمن 242 ، الذي ينطوي في مضمونه على الإعتراف بالكيان الصهيوني في فلسطين ، بيد أنه ( الكاتب ) وهو لاينكر مسؤولية عبد الناصر، بهذه الدرجة أوتلك ، عن كل من المسألتين ( النكسة والقبول بالقرار 242 ) ، يعرف تماما ( كما يعرف الجميع أيضا ) أن عبد الناصر قد شرع منذ اليوم الأول بعد تراجعه عن الإستقالة تحت ضغط الشارع المصري والعربي ، في إعادة هيكلة وبناء القوات المسلحة المصرية ، اعتمادا على تصميم الشعب المصري على الثار لحريته وكرامته من العدو الصهيوني ، وايضا على علاقته الممتازة مع الإتحاد السوفييتي الذي وضع تحت تصرفه كل مايساعده على إعادة الإعتبار لجيشه وشعبه ، بل وللأمة العربية كلها ، والذي سمح له أن يبدا ماعرف بحرب الإستنزاف عام 1969 ، تلك الحرب التي بدأت تصيب من الإسرائيليين مقتلا ، ولا سيما في الجو والبحر ، والتي مهدت الطريق لأنور السادات ، بعد وفاة الرئيس عبد الناصر ، لتحقيق ذلك النصر الجزئي عام 1973 والذي تمثل في عبور أبطال القوات المسلحة المصرية إلى الجهة الشرقية من قناة السويس ، وتدمير الخطوط الدفاعية الإسرائيلية في تلك المنطقة ، والتي يشبهها البعض بخط ماجينو في الحرب العالمية الثانية . 5. لقد مثل وصول أنور السادات إلى قمة السلطة في مصر العربية ، بداية النكسة الحقيقية للأمة العربية ، ذلك أن هذا الوصول كان انقلابا فعليا ليس فقط على الناصرية وإنما على قيم ومبادئ ثورة 23 يوليو نفسها ، حيث بدأ وبالإتفاق مع هنري كسنجر عملية التمهيد لتخلي مصر عن القضية الفلسطينية ، بما في ذلك التخلي عن مسؤوليتها القومية والأدبية عن قطاع غزة ، وذلك بطرد الخبراء السوفييت من مصر ، كخطوة على طريق حربه المحدودة عام 1973 ، والتي كانت الجسر الضروري والتكتيكي الذي عبر منه وعليه أنور السادات إلى القدس ومنها إلى واشنطون لتوقيع اتفاقية " السلام العادل والشامل " !! ( اتفقية كامديفد ) مع الكيان الصهيوني ، والتي أعادت جزيرة سيناء إلى مصر شكلا فقط وأبقتها مضمونا تحت الإحتلال الصهيو ــ أمريكي . إن إشراك أنور السادات الجزئي لحافظ الأسد في حرب عام 1973 ، إنما كان هدفه الأساسي ، هو التغطية على الإتفاق الثنائي بينه وبين كسنجر على هذه الحرب ، والذي تم إخفاؤه ــ على مايبدو ــ عن الرئيس حافظ الأسد انطلاقا من أن الشعب العربي السوري لم يكن جاهزا بعد للإعتراف بإسرائيل ، والتخلي بالتالي عن السيادة الفعلية على هضبة الجولان وجبل الشيخ . إن الصيد الثمين في هذه اللعبة الكسنجرية كان هو جمهورية مصر العربية ، التي تمثل الثقل العربي النوعي والأساسي في الصراع العربي الإسرائيلي ، والذي قيل فيه : لاحرب بدون مصر ، ولا سلام بدون سورية . هذا مع العلم أن كيسنجر قد ألحق حافظ الأسد بلعبته الساداتية عند زيارته لدمشق عام 1974 . نعم لقد وضعت اتفاقية كامبديفد بين مصر وإسرائيل عام 1979 المدماك الأول والرئيسي في جدار الإعتراف العربي الرسمي بإسرائيل ، والذي وضعت أسسه التحتية حربا 1967 و1973 ، ومن ثم توالت مداميكه تترى في مؤتمرات القمم العربية اللاحقة ، والتي كان آخرها وأكثرها قربا من كامبديفد السادات مبادرة الملك عبد الله التي تم إقرارها بالإجماع ( أي بما في ذلك الأنظمةالتي تحتل إسرائيل أراضيها كليا أو جزئياً ) في مؤتمر الرياض هذا لعام ( 2007 ) ، والتي هي واقع الحال إحدى الثمرات الأكثر مرارة في شجرة نكسة الخامس من حزيران 1967 . 6. إن أحد المداميك الهامة في سلسلة التخلي العربي الرسمي عن القضية الفلسطينية ، كان هو قرار قمة الرباط عام 1974 التي اعترت أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وهو مايعني إخلاء ذمة وطرف مصر حيال مسؤوليتها عن قطاع غزة الذي كان في عهدتها قبل أن تحتله إسرائيل في حرب حزيران ، وكذلك إخلاء طرف وذمة المملكة الأردنية الهاشمية من مسؤوليتها حيال الضفة الغربية من نهر الأردن والتي كانت بدورها في عهدة النظام الأردني قبل أن تحتلها إسرائيل في نفس العام المذكور . إن المسكوت عنه في هذا القرار يتمثل واقعيا بلعبة عربية ـ إسرائيلية ـ فلسطينية مزدوجة ، أعطت الفلسطينيين الحق في تقرير مصيرهم حول قضيتهم بانفسهم من جهة ، ولكنها قزّمت هذه القضية من تحرير لكامل فلسطين التي استولت عليها إسرائيل عام 1948 إلى تحرير للضفة الغربية وقطاع غزة اللذين استولت عليهما إسرائيل من مصر والأردن عام 1967 من جهة أخرى ، أي أن هذه القمة العربية أعطت الفلسطينيين مكسبا شكليا بيدها اليمنى ثم سلبته منهم فعليّاً بيدها اليسرى !! . وهنا أيضا ، فإن الأب الشرعي لهذه المؤامرة ، هو هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 . 7. لابد من الإشارة هنا إلى أن النظام العراقي الذي كان يقوده الرئس صدام حسين ، كان هو الوحيد من بين الأنظمة العربية الذي كان يسبح عكس التيار الإنهزامي الإستسلامي العربي ، الذي وجد ضالّته في نكسة حزيران ، لكي يبدأ بعد غياب الرئيس جمال عبد الناصر رحلة الخطوة خطوة ، نحو القدس ، ونحو كامبديفد ، ونحو مدريد ، ونحو أوسلو ، ونحو الرياض ، ونحو شرم الشيخ ، والتي تمثل الإتجاه العاكس لتحرير فلسطين ولتحرير الجولان ولاستعادة الأمة العربية لهيبتها وكرمتها التي هدرتها وتهدرها الإمبريالية العالمية وراس حربتها إسرائيل كل يوم بل كل ساعة وكل دقيقة . إن هذا الموقف السليم والصحيح من النظام العراقي بقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي وصدام حسين ، لايعفي هذا النظام من مسؤوليته في أنه قد قصّر عراقياً في اتخاذ الإجراءات السياسية والعسكرية والإقتصادية والإجتماعية السليمة والصحيحة التي كان يمكن أن تحمي العراق أرضا وشعبا وقيادة من تغوّل تحالف القوى الداخلية والخارجية الموالية لإسرائيل ، والتي كشفت عن أوراقها كاملة في انخراطها المباشر و/ أو غير المباشر في الحرب الأمريكية الإسرائيلية التي بدأت بعاصفة بوش الأب عام 1991 ، وانتهت بعاصفة بوش الإبن عام 2003 مرورا بعاصفة الحصار التي أودت بحياة مليون ونصف المليون عراقي ، ثلثهم ــ حسب تقارير اليونسيف ــ من الأطفال . نعم كان على صدام حسين ، أن يتذكر مقولة أن طريق جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة ، وبالتالي فإن رغبته المشروعة والصادقة في تحرير فلسطين من الإحتلال الصهيوني لم تكن وحدها كافية لوضع هذا التحرير موضع التنفيذ . انتهى
#محمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة موضوعية لخطاب غير موضوعي
-
يسألونك عن دمشق؟ / قواعد المنهج في الإقتراب من الحقيقة
المزيد.....
-
فيديو طريف لكلب يقرع جرس منزل مالكته لإعلامها بعودته بعد فقد
...
-
الأمن الروسي يعلن تحييد 4 إرهابيين من -داعش- كانوا يستعدون ل
...
-
رئيس الوزراء يحذر أفغانستان.. القوات الباكستانية تعلن عن عدد
...
-
أساليب -معيبة- استخدمتها إسرائيل أدت لمقتل مدنيين في غزة - ن
...
-
قانون جديد - ما الذي سيتغير في انتخابات البوندستاغ؟
-
مصدر مطلع: الحكومة الانتقالية في سوريا لا تنوي خرق اتفاقيات
...
-
الخارجية الروسية: المعلومات عن مفاوضات مع باكو وأستانا بشأن
...
-
الحكومة الروسية: سنواظب على العمل سبعة أيام في الأسبوع خلال
...
-
الكويت.. إسقاط جنسية ناشط مزدوج في -السوشيال ميديا- يعيش بال
...
-
الشرطة الإيرانية تحتجز صحفية إيطالية في طهران
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|