|
مفهوم المحاصصة في القاموس السياسي العراقي المعاصر
مهران موشيخ
كاتب و باحث
(Muhran Muhran Dr.)
الحوار المتمدن-العدد: 1934 - 2007 / 6 / 2 - 11:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان كلمة ـ محاصصة ـ في قاموس جميع اللغات لا تتعدى كونها عملية تقسيم الكل الى مكوناته حسب الاستحقاق الكمي للاطراف المشاركة فيه ، والمحاصصة هي من ضمن الاسئلة التي تطرح على الاطفال في سن الروضة ضمن برامج التربية من قبيل .... لديك 3 تفاحات لتوزعها بالتساوي على 3 اشخاص ما هي حصة الفرد الواحد ؟ ... اما في العملية السياسية فان كلمة المحاصصة لا تقف عند حدود العمليات الحسابية وانما هي مصطلح سياسي بمضامين عميقة جميعها تنبثق من نقطة مركزية وتلتقي عندها ، هذه النقطة المحورية اسمها الوطن . المحاصصة هنا منهج سياسي تسمح جميع المكونات الحزبية الفائزة عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة في المشاركة في الحكومة وفي تحمل مسئولية تضامنية في قيادة دفة البلاد وادارة شئون الدولة . فكرة المحاصصة لم يقترحها مفكر سياسي معين ولم تكن مبادرة من حزب ما في دولة محددة وانما هي ضرورة موضوعية افرزتها عملية التطور المادي للمجتمعات العريقة بممارساتها الديمقراطية منذ عقود من الزمن ، وقد ساهم نهج المحاصصة بدورفعال في بناء المجتمعات الحضارية العصرية المتمدنة ومنها الاوربية التي رسخت مبدا المحاصصة بقوانين واحكام في دستوركل بلد من بلدانها ، والادهى من ذلك هو ارتقاء منصة مبدأ المحاصصة عندهم الى عتبة دستور الاتحاد الاوروبي الذي يحدد آلية المحاصصة بين 14 دولة من دول الاتحاد الاوروبي يجمعهم هدف سامي يتجسد في توفير حياة افضل وضمان المستقبل الزاهي للاجيال اللاحقة في عموم القارة . ان جميع احزاب الدول الاوربية ، الكبيرة منها والصغيرة ، تؤمن بالمحاصصة وتثقف منتسبيها باهميتها وضرورة الالتزام بها واليات تطبيقها ... الخ ، لذا اصبحت موضوعة المحاصصة على الساحة السياسية الاوربية ثقافة جماهيرية وتشكل احد اركان القيم الخلقية للمواطن باعتبارها ( المحاصصة ) انجع اسلوب وافضل علاقة تجمع بين الاحزاب الوطنية المتآلفة والمتنافسة في نفس الوقت ضمن موسوعة جدلية تكاملية وبقاسم مشترك محوره ... المصلحة العليا للوطن والشعب .
بعد هذا التعريف المقتضب للمحاصصة يتبادر الى الذهن سؤال مشروع ... لماذا اذن المحاصصة في الشان السياسي العراقي مقيتة مكروهة يستوجب استئصالها ؟ . رغم التعقيدات الشائكة والتجاذبات الحزبية المصطنعة وهلامية جسد المحاصصة العراقية وضبابية صورتها ، يصطدم المرء عند البحث عن الجواب بحقيقة مثيرة ، حقيقة يندهش من يطلع عليها ، حقيقة تؤعز الاشمئزازمن المحاصصة رفضها والنفور منها الى... غياب ممارسة عملية المحاصصة ! . ان المدخل الى هذا الميدان الجدلي في محاولة تفسيره واستخلاص العبر منه لانقاذ العراق ارضا وشعبا يرغمنا على العودة قليلا الى الوراء لتحديد الهوية السياسية ـ الايديولوجية للاحزاب والحركات التي شاركت في العملية السياسية الديمقراطية في عراق ما بعد 9 نيسان 2003 ، هذه القوى التي تحتل اليوم على اثر نتائج انتخابات سنة 2005 ، مواقع قيادية في المحفل السياسي ولها دور ريادي في التاثير على مسيرة الاحداث الجارية في البلاد وتطوراتها اللاحقة .
1) اغلبية الاحزاب التي ساهمت في عملية الانتخابات لم تكن سياسية بالمفهوم الاجتماعي ـ الاقتصادي الكلاسيكي وانما تنظيمات قومية - دينية - طائفية ذات نشاط طابعه سياسي وقد رفعت اطراف عديدة من هذه التنظيمات في معرض سعيها لاستقطاب الجماهير شعارات مبنية على قاعدة الانتماء القومي والمعتقد الديني والمذهبي وبالتالي فقدت الانتخابات منذ البدء خاصية انتخابات سياسية وتحولت الى ما يشبه الى عملية تعداد سكاني لاحصاء المكونات الديموغرافية في المجتمع العراقي . ان غياب البرامج السياسية ذات الطابع الوطني الشامل عند هذه القوى قد فرض حالة انفصام الوطنية عن عملية الانتخابات السياسية التي كان مخططا ان تجرى بين مكونات حزبية سياسية ( وليست قومية او دينية او مذهبية ) ذات برامج سياسية وطنية ( وليست قومية او دينية او مذهبية ) تطرح مشاريع سياسية ببعد وطني (ولا تتخندق في سلة القومية او الدين او المذهب ) مع احترام حق كل حزب في التمثيل والدفاع عن مشروعه القومي - الديني - المذهبي على ان يحتل هذا الهدف المرتبة الثانية في سلم مهام عملية بناء الوطن الام حاضنة جميع القوميات والاديان والمذاهب . ان هذا المسلك الخطير الضار الذي انتهجته غالبية ( الاحزاب ) منذ البداية قد اسقطت صفة الوطنية من هويتها السياسية وبالتالي تحولت العملية السياسية منذ اليوم الاول لانطلاقتها الى صراع من اجل بناء وتعزيز وتحصين الذات القومي - الديني - المذهبي مع استهداف الهيمنة على السلطة لضمآن الصيرورة والتواصل والادامة ...
2) لم تحاول قيادات غالبية الاحزاب تصحيح اخطاء اجندتها وتقويم مسيرتها والارتقاء الى مستوى المهام الوطنية وانما عجزت كليا في تحقيق اي شىئ مما تضمنته شعارات ووعود الحملة الانتخابية حتى لجماهيرها القومية - الطائفية ، بل وتنصلت عنها مع مر الايام وبالتالي فقدت ثقة الناخبين بها . ان الشعب العراقي بكافة اطيافه الاثنية والدينية وقطاعاته الاجتماعية { باستثناء الطبقة السياسية الفاعلة والمنتفعين من تجار حروب الميليشيات ومافيات سرقة وتهريب ثروات البلاد } لم تجنى من الاحزاب الفائزة بعيد الانتخابات سوى بؤس الحياة والشقاء ، القتل والدمار اصبح لا يفارق زاده اليومي والساسة ما انفكوا يطلقون الخطب الجهورية تمجد بالانتصارات والانجازات التي تحققت في ظل قيادتهم الحكيمة ! . لم نجد من بين الوسط الحكومي الرسمي عيونا من البصرة تذرف الدموع على ضحايا تلعفر ولم نسمع صوت مدينة الحلة وهي تندد بتفجيرات كركوك واربيل ولم نشاهد مظاهرة في سامراء تحتج على تفجيرات الكوفة ، وماساة الانبارلم تجد صداها الوطني التضامني عند قيادات النجف السياسية ... ترى هل من الغرابة اذن ان يبغظ شعبنا المحاصصة ؟
كان المفروض ان تكون المحاصصة بين احزاب سياسية وطنية ببرامج سياسية وطنية لصالح جميع ابناء الوطن الواحد ، محاصصة نزيهة وفق منظومة الشرعية الوطنية والمواطنة وباخلاص وتفاني ، هناك كم كبيرمن الاكاديميين المرموقين من مختلف الاختصاصات اللذين واجهوا خطا احمرا في تقلد مناصب عليا يستحقونها في هرم الوزارات او مجلس النواب لان انتمائاتهم تقع خارج مساحة مثلث الرئاسات او ضمن المثلث ولكن خارج معادلة المحاصصة الطائفية ! . ان غياب مفردة الوطن والمواطن من القاموس السياسيي لهذه الاحزاب وبسط لغة القومية والدين والمذهب على صفحاتها ، ادى الى عقم عملية المحاصصة السياسية واجهض محتواها الوطني ، اما مصلحة الجماهير التي جرت المزايدات باسمها فقد تحولت الى صك بدون رصيد حيث الجماهير وابسط احتياجاتها المعاشية لا زالت في مهب الرياح الشرقية منها والغربية . لم تترتب على نتائج الانتخابات عملية محاصصة سياسية وطنية وانما عملية اقتسام كعكة السلطة بين قادة الاحزاب وبيوتاتهم ، كعكة لم يتذوق منها الشعب سوى المرارة ، وتجري اليوم مساعي اقتسام غنيمة الدولة العراقية وعلى نطاق اوسع وبمساهمة شركاء خارجيين ، غنيمة تحمل اسما ثلاثيا مفرداته ...قانون النفط والغاز ... الاقاليم والمحافظات ... المادة 140 من الدستور . ختاما وبالعودة الى السؤال المطروح لماذا المحاصصة مقيتة يستوجب استئصالها ؟، نجيب متسائلين وهل هناك من يجرا الترحيب بها بعد ان اختزلت مفاهيم المحاصصة في قاموس الحكومة العراقية بكلمة واحدة تعني ... الدمار؟ .
#مهران_موشيخ (هاشتاغ)
Muhran_Muhran_Dr.#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النفط والاقاليم موضوعان لسياسة واحدة تحدد مصير العراق
المزيد.....
-
فيديو مراسم ومن استقبل أحمد الشرع عند سلّم الطائرة يثير تفاع
...
-
نانسي عجرم وزوجها يحتفلان بعيد ميلاد ابنتهما..-عائلة واحدة إ
...
-
-غيّرت قراراتنا في الحرب وجه الشرق الأوسط-.. شاهد ما قاله نت
...
-
ماذا نعلم عن الفلسطيني المقتول بالضربة الإسرائيلية في الضفة
...
-
باكستان: مقتل 18 جنديا و23 مسلحا في معركة بإقليم بلوشستان
-
واشنطن بوست: إسرائيل تبني قواعد عسكرية في المنطقة منزوعة الس
...
-
قتلى وجرحى في غارات جوية إسرائيلية في الضفة الغربية
-
أحمد الشرع إلى السعودية في أول زيارة له خارج البلاد
-
ترامب يشعل حربا تجارية بفرض رسوم تجارية على كندا والمكسيك وا
...
-
-الناتو- يطالب ألمانيا بزيادة الإنفاق على الدفاع
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|